ارتبط اسم الشاعر أمين حداد بقوة بالثورة المصرية كما ارتبط باسم والده الشاعر الراحل فؤاد حداد. صقلت الثورة اسمه ومنحته حضورا قويا ومؤثرا خاصة عبر الأغاني التي قدمت قبل وبعد الثورة وعرفت من خلال ميادين مصر. تم إجراء هذا الحوار مع أمين حداد في بيت الشاعر الراحل الكبير صلاح جاهين حيث بيت عائلة زوجة أمين وهي ابنة جاهين الكبري. الروح التي تسري في المكان تستدعي اسماء هؤلاء الكبار دون أن نشعر وتمزج أرواح الشهداء بأرواح من مضوا. بدأ أمين حداد نشر أعماله الشعرية الأولي منذ الثمانينيات إلا ان أغانيه التي رددتها فرقة اسكندريلا كانت الأكثر انتشارا خاصة منذ يناير 1102 مع تقديمها في الميادين المصرية ليرددها شباب الثورة. هذا الحضور الذي طرحه علي قائمة الجوائز فحصل مؤخرا علي جائزة كفافيس في الشعر وهي الجائزة التي حصلت عليها أهداف سويف في الرواية وبشير السباعي في الترجمة والتي حصل عليها في سنوات سابقة اسماء كبيرة من بينها نجيب محفوظ ويعلق أمين علي ذلك قائلا: لم نكن نجري في حلبة ولم يكن هناك مرشحون اخترت من بينهم. اعتقد ان تواجدي الفني هذا العام لعب دورا كبيرا في حصولي عليها. 1102 أكثر عام كتبت فيه شعرا والثورة اثرت في شعري. الثورة والشعر كيف أثرت الثورة في شعرك؟ من 3002 وحتي قيام الثورة لم أكن أكتب شعرا مباشرا. كنت مهتما أكثر بوقع ما يحدث علي الأرض دون مواقف ثورية. واستمر الأمر حتي ثورة 52 يناير. لما حدثت الثورة بدأت أكتب أغاني منها ما هو حماسي مثل »راجعين« هذه الأغنية تحديدا كتبت مساء 82 يناير عندما قطع النت وشعرت ان هناك ثورة فعلا. وغنتها فرقة اسكندريلا. قبل ذلك لم أكن أكتب في قلب الحدث إلا فيما ندر. مع الوقت شعرت أن شكل الثورة جديد ومختلف وله طابع أكثر ديناميكية قد لا يصلح له الشكل الحماسي فتأثرت كتابتي مرة أخري. ربما يكون هذا التأثير المباشر للثورة لكن ما استطيع الجزم به أن تأثير الثورة علي الفن سيظهر في السنين القادمة. هناك قاموس جديد دخل اللغة مثل »شهداء - ميدان التحرير - الثوار - ارحل وغيرها« كل كلمة لها زخم وتداعيات وأطياف من المعاني لا يمكن ألا نتأثر بها والأحداث المتوالية والشخصيات البطولية. أشعار أبيك كثير من شباب الثورة كانوا يرون شخصيات لم تعد في حياتنا الآن حاضرة بقوة بأفكارها وكتاباتها.. كيف تري حضور فؤاد حداد في الثورة؟ وصف فؤاد حداد في شعره أجمل الصور للمظاهرات وللشعب المصري بالتالي ليس غريبا ان يكون شعره موجودا وحاضرا بشدة في الثورة المصرية. ولنقرأ كيف كتب عن مصر منذ سنة 9191/3791 هي دي مصر للي شفناها في 52 يناير. أبيات شعره منطبقة علي ما كان يحدث أمامنا في يناير 1102. فلا يمكننا إلا ان نتذكر فؤاد حداد دائما في كل مكان في مصر. يكفي ان شعره شكل وجداننا وأثر في كل الشعراء فقد حقق شيئا كبيرا كان له أثره علينا. إلي جانب رؤيته السياسية وفهمه العميق للشعب وفهمه للتاريخ المصري والعربي والإسلامي ووقوفه مع الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة. كان له أكبر مشروع شعري في العصر الحديث والظرف التاريخي الذي وجد فيه واتجاهه السياسية وروافده الثقافية المتعددة. إذا بحثنا في شعره نجد ايمانا بالشعب المصري وقدرته علي التغيير. وكان يدعو دائما للتضحية ويري لكل شعب تضحياته والثمن الذي يدفعه من أجل حريته. لذلك طول المظاهرات من 52 ل21 فبراير كانت أشعاره حاضرة في كل مكان وخصوصا أغنية »مصر جميلة خليك فاكر مصر جميلة« و»كل حي في مصر يسمع النفير جنب الأدان. كل حي وكل مصنع كل قلب يدق يجمع للميدان«. تلك الكلمات غناها الشباب في الميدان. شاركت في الثورة المصرية كمواطن وشاعر.. هل كان لك توجه سياسي واضح قبل الثورة مثل والدك فؤاد حداد؟ لا.. لم يكن لي مواقف سياسية عملية فلم أشارك في وقفات أو مظاهرات ولم أكن منتميا لأي جماعة سياسية أو حزبية لكن كان لدي دائما رؤية شعرية وموقف. الشعر السياسي ارتبط تواجدك بالشعر السياسي أو الثوري المعبر عن اللحظة التي نعيشها.. ألا تجد معي أن هذا النوع من الكتابة لم يكن منتشرا في الفترة الماضية إلا في شعر المناسبات علي المستوي الرسمي؟ إذا دققنا سنجد ان الشعر السياسي كان موجودا دائما فهناك شعر سياسي مباشر مثل أغاني الشيخ إمام وشعر أحمد فؤاد نجم حين كتب عن زيارة نيكسون لمصر وكأنه يعلق علي الأحداث وآخر غير مباشر ويبدو وكأنه غير سياسي مثل أغنية »شمس الأصيل« رغم كونها قصيدة حب إلا انه شعر وطني وسياسي في أجمل كدا من تعبير زي الي كتبه بيرم هذا شعر وطني وسياسي. لما فؤاد حداد يقول تعالي نلضم أسامينا هذا شعر سياسي. تتحدثين عن الشعر الرسمي المرتبط بالمناسبات في السنوات الأخيرة وهذا حقيقي لكن علي الجانب الآخر كان هناك فرقة إسكندريلا من خمس سنين وكذلك أحمد اسماعيل ومحمد عزت ووجيه عزيز. دائما هناك شعر وغناء يعبر عن المسكوت عنه علي الجانب غير الرسمي في كل عصر. ربما كان الإعلام الرسمي فيما قبل عهد مبارك وربما السادات أيضا ينتصر للفن الاجتماعي والسياسي أكثر فمهما اختلفنا معه سياسيا هو نظام وطني لكن ما عشناه في عهد مبارك لم يكن نظاما وطنيا. فؤاد حداد لم يكن موجود في الإعلام الرسمي في الستينيات؟ له شعر اتكتب في المعتقلات لكن لم يكن يكتب شعرا معارضا للسلطة. ونجده في الفترة الأخيرة من حياته كان متبنيا القضية العربية وربما لم يكن مختلفا مع النظام في هذا الجانب. وكتب علي الاجتياح الإسرائيلي للبنان وغير ذلك. في فترة اعتقاله تكون المشهد الثقافي المصري ولم يكن تواجد فؤاد حداد كبيرا رغم انه انتج فنا في المعتقل وتلامذته تصدروا المشهد. لكن كان فيه نقطة تماس كبيرة مع النظام لانه يدعو للاشتراكية والعدالة الاجتماعية. وكان يتلاقي مع الحلم الناصري في هذا الجانب. لذلك انتشرت بعد ذلك في الاعلام الرسمي مثل المسحراتي وغيرها. لكن هناك زاوية أخري هامة في هذا السياق وهي قيمة الفن فأحيانا نصنف الفن وفقا لمعارضته أو مساندته للأنظمة. انا مع الفن أولا. يعني أغاني صلاح جاهين المساندة لثورة 2591 ولعبدالناصر أغاني متميزة لكن هناك أغاني أخري معارضة ربما ليست بعظمة أغاني صلاح جاهين. اذن فقيمة الفن أهم بكثير وهي الباقية. الإعلام الرسمي رغم ذلك فان الفن الذي تأثر بالثورة وأثر فيها غير مطروح في الإعلام الرسمي حتي الآن؟ لأن المظلة السياسية مازالت كما هي ممكن يبقي هناك مجال للسماح بشكل أفضل يستضيفوا »اسكندريلا« تغني أغنية أو أخري لكن لن يتبنوا هذا النوع الثوري وهيرجعوا لنفس الأشكال السابقة ونبني مصر ونورها ونفس النغمة الهدف منها التهدئة وهو أمر غير مطلوب فقد قامت ثورة ولابد ان تكتمل وأي مهادنة هي ضد الثورة والثوار. حين نغني في الميادين نقوي الثوار لأن الفن الصادق ينتج جمالا ويصدق ويطمئن الثائرون إلي أنفسهم. الفن جزء من الثورة والفن الثائر مواز للثورة الذي يغير مفهوم الغناء والشعر ومرتبط بالجماهير ومتطور فحين تتحقق الثورة سيتحقق هذا الفن. هل تعتقد أنها وسيلة من وسائل الثورة المضادة الاعلاء من فنون النظام السابق وتكريس اعلامي لوجوه كانت معادية للثورة علي حساب جيل الشباب ؟ هناك فلول فنية أيضا.. ولا أقلل من قيمة الفنانين المتواجدين فهناك فنانون كبار. لكن عدم اتاحة الفرصة لظهور فنون جديدة أمر غريب. لما ظهرت اسكندريلا مع يسري فودة هناك الكثيرون ممن تساءلوا أين كان هؤلاء؟ رغم انهم لم يظهروا لحظة الثورة بل متواجدون من سنوات ماضية والتساؤل التالي لماذا فرضت علينا عملة رديئة فلو توافرت فرص متساوية لاختار المستمع العملة الجيدة. والشعب المصري خير حكم. حرية الفن بما أننا نتحدث عن قدرة الشعب المصري علي الاختيار هل تري مثل آخرين ان هناك مخاوف علي حرية الفن مع صعود التيار الإسلامي بعد الثورة؟ أنا لا أري ذلك إطلاقا.. أعتقد ان الشعب المصري اختارهم لاعتقاده انهم ناس شرفاء وبديل للحرامية ومنتظرين منهم اصلاح ما خرب في هذا البلد ولو خذلوه وركزوا في تفاهات الغناء حرام والسينما حرام وفرض الحجاب وما إلي ذلك سيلفظهم نفس الشعب الذي اختارهم. الخناقة بين الإسلام والفن أو الثقافة خناقة مصطنعة لان الإسلام منذ أربعة عشر قرنا في مصر وفنون عظيمة وجدت والإسلام تعلمناه من شيوخ اليساريين والليبراليين وهم من كتبوا عن الإسلام مثل أحمد شوقي وطه حسين وعباس العقاد وفؤاد حداد وكمال عبدالحليم وغيرهم ولا ننتظر من يأتي ليعلمنا ديننا بل ننتظر من ينفذ أهداف ثورتنا. ربما الخوف ليس من الإسلام بل من عقلية من يدعي انه يحكم بالإسلام؟ الحكم هنا الشعب المصري وهو شعب فنان بطبيعته ويحب الفن والغناء وليس ضد الفن وسيفرز أي فصيل أو تيار سياسي وأي فصيل سياسي سيسير ضد قوام الشعب المصري وسيرفضه أيا كان فمن سيقترب من المادة الثانية للدستور سيلفظه لانه شعب متدين ومن سيحرم الغناء والفن سيلفظه لأنه شعب وسطي وليبرالي متسامح مع الآخر. واعتقد ان النسيج الحضاري سينتصر. الاحساس بالذات الثورة مرت بمراحل من الاحساس بالذات والفخر إلي الاحباط أحيانا فهل أثر ذلك علي شعرك؟ ممكن ما يربط مراحل شعري من بداية الثورة وجود الشهداء والأمل حتي في رثاء مينا دانيال وشهداء محمد محمود والجزء الثاني من »يحكي ان« لما بنقول »شمس الثورة من الشهداء« و»الحرية من الشهداء« أو »الثورة جاية تاني والمتهم برئ« المهداة لعلاء عبدالفتاح. وكأنه قرار لان التشاؤم خيانة للشهداء. وفكرة الشهادة تدعونا للأمل. كما انه قبل الثورة كنت أنا الناقد الأساسي لكن بعد الثورة عارف ان الشباب يقرأون ويسمعون ولن أسمح ان يتسرب أي يأس للثورة وربما يكون هذا التزاما نفسيا ألا أفقد التفاؤل وأقدمه للثورة. هناك جيل قام وقفنا وراه واثبت أنه قادر ان يثور وينتصر فلماذا اقهره. ما يفعله الشباب أنا أثق فيه. ابني شاعرا تحدثنا عنك وعن فؤاد حداد فماذا عن ابنك الشاعر أحمد الحداد وجيله؟ إذا تحدثت عن جيل كبير مثل أحمد حداد وتميم البرغوثي ومحمود عزت وسعيد شحاتة وعمرو مصطفي وغيرهم من الشعراء الشباب الظاهرين سأقول انهم بالفعل يقدمون ما هو جديد بجرأة فنية ومقدرة ربانية مذهلة ولهم شأن كبير في مجال الفن والحياة يستحقونه بجهدهم ومثابرتهم.