خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رقص ماجد المصري وتامر حسني في زفاف ريم سامي | فيديو    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    جيش الاحتلال يُقر بمقتل رقيب من لواء المظليين في معارك بقطاع غزة    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف يعد بمثابة الموجة الأولى من الهجوم الروسي واسع النطاق    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    أكسيوس: محاثات أمريكية إيرانية غير مباشرة لتجنب التصعيد بالمنطقة    إنجاز تاريخي لكريستيانو رونالدو بالدوري السعودي    نصائح طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة نهضة بركان    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    التشكيل المتوقع للأهلي أمام الترجي في نهائي أفريقيا    موعد مباراة الأهلي والترجي في نهائي دوري أبطال أفريقيا والقناة الناقلة    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    عاجل - سعر الدولار مباشر الآن The Dollar Price    أحمد السقا يرقص مع ريم سامي في حفل زفافها (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    فيضانات تجتاح ولاية سارلاند الألمانية بعد هطول أمطار غزيرة    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"النكت الممنوعة" في عصر "مبارك"
نشر في البوابة يوم 27 - 09 - 2015

القصة رواها صاحبها.. هو الكاتب الصحفى عادل حمودة الذى قال: «كنت قد جهزت كتاب «النكتة السياسية.. كيف يسخر المصريون من حكامهم» للنشر، ودفعت به إلى مطابع الأهرام التجارية، لكن ما إن وصلت بروفاته إلى مكتب إبراهيم نافع حتى منع طباعته، وأرسل صورة مما كتبت إلى رئاسة الجمهورية، فقد فوجئت بالدكتور مصطفى الفقى وكان فى ذلك الوقت سكرتير الرئيس للمعلومات يتصل بى قائلا: «إن الرئيس يرجوك أن تؤجل نشر الفصل المكتوب عنه لبعض الوقت، فهو يتعرض لسخرية جارحة من القوى العربية الرافضة لتدخل مصر فى حرب تحرير الكويت، لا تتخيل حجم الكاريكاتيرات المؤلمة التى ينشرونها عنه، لو رأيتها سيصعب عليك».
حاول عادل حمودة التخفيف مما كتب، شطب بعض النكات التى قيلت عنه، لكنه شعر أن بنيان الفصل لم يعد متماسكا، ففضل إلغاءه، لكنه ترك النكات التى قارنت بينه وبين جمال عبدالناصر والسادات فى فصول أخرى، فلم يفقد الكتاب قوامه، ولم ينتبه أحد فى الرئاسة إلى ذلك.. فقد اكتفوا بقراءة الفصل المباشر عن مبارك.
يكمل حمودة حكايته: «كانت إدارة المطبوعات الأجنبية قد صادرت كتابا باللغة الإنجليزية عن مصر بعد السادات، اقتبس مؤلفه وصف المصريين لمبارك ب «لافاش كيرى» أو البقرة الضاحكة التى تروج لنوع من الجبن يحمل نفس الاسم».
هذه هى قمة جبل الجليد من القصة، فالذى لم يقله عادل حمودة، وسمعته منه مباشرة أن عمال مطابع الأهرام هم الذين اكتشفوا فصل التنكيت على مبارك، وهم من أبلغوا به الجهات الأمنية التى كانت لها عيون فى كل مكان، ولأن إبراهيم نافع كان على الخط الساخن دائما مع مؤسسة الرئاسة فقد وصلها الخبر على الفور.
استسلم عادل حمودة نزولا على مواءمة سياسية وحذف الفصل الخاص بمبارك، لكن حدث ما لم يلتفت له أحد، ففى الطبعة الأولى من الكتاب التى صدرت فى ديسمبر 1990 وحتى الطبعة الخامسة التى صدرت فى يناير 1994، كان أن ترك عادل حمودة محتويات الكتاب وبها مضمون ما جاء فى الفصل المحذوف.
كان الفصل عنوانه «أنا اسمى حسنى مبارك» وكانت محتوياته.. دور نائب الرئيس- المسرح بدلا من النكتة والجريدة المعارضة خبز الفقراء - إشارة لليسار وحركة لليمين – مقارنة بين آخر ثلاثة حكام مصريين.. بالنكتة-الكاريكاتير يزدهر- نكتة الرصيف تتراجع – الصعيدى الذى دخل السجن ليقدم نقوده للريان- آخر قلم أخذه زكى بدر- نهاية مفتوحة للكتاب يشارك فيها القراء.
بداية من الطبعة السادسة للكتاب اختفى هذا الجزء من المحتويات ولم يعد له أى أثر، وللأسف الشديد فإن نص هذا الفصل لم يعد موجودا الآن فى حوزة عادل حمودة أو فى أى مكان آخر، فلو كان لديه لنشره على الأقل بعد خلع مبارك، وإن كان هو نفسه أقر بأنه لا يمكن مقارنة النكت التى قيلت عن مبارك وقت نشر الكتاب قبل نحو عشرين عاما، بالنكت التى قيلت عنه فيما بعد.
فى الطبعات الأولى من الكتاب الذى يعتبر من أهم الكتب السياسية التى صدرت فى عصر مبارك، لم يكن هناك ذكر مكثف للرئيس، كل ما نجده تقريبا فى فقرات قليلة جاء خلالها اسم مبارك عرضا، منها مثلا ما قاله حمودة:
أولاً: «فى حياته وبعد مماته لم تتوقف النكت عن السادات، ومن باب المقارنة جمعت النكت بينه وبين جمال عبدالناصر أحيانا، وبينه وبين حسنى مبارك أحيانا أخرى، وكثيرا ما جمعت بينهم- الثلاثة أيضا- فهم آخر الحكام، وهم عاشوا نفس الظروف، وواجهوا نفس المتاعب، لكنهم اختلفوا فى القرار، ورد الفعل، أى أن النكتة السياسية يمكن أن تتجاوز حدود العصر والفرد، وتلضم فى عقد واحد أكثر من حاكم، حتى يتاح لنا تقييم تجربة بأكملها».
ثانيا: «وأغلب الظن أنه الكتاب الأول من نوعه.. وممكن أن يكون هناك من فكر فى الموضوع لكنه خشى أن يتهم بعدم الجدية، مع أن النكتة درسها كثيرون من الفلاسفة وعلماء النفس مثل أرسطو، فرويد، وبرجسون، وتحدث عنها نابليون وفرانكو وفتحى رضوان وأنتونى ناتنج وجمال عبدالناصر وحسنى مبارك، فالموضوع جاد إذن ولا تعارض بين الجدية والجاذبية، وهو مهم ومثير فى الوقت نفسه، ولا تعارض بين الأهمية والإثارة».
ثالثا: «سأل أنيس منصور الرئيس مبارك فى حواره معه فى مجلة أكتوبر، عقب اغتيال الرئيس أنور السادات، وبعد موجة النكت التى أصابت الرئيس القتيل...
سأل أنيس: نلتقى فى القاهرة بعدد كبير من المحللين الأجانب الذين يدورون الكرة الأرضية يقيسون الرأى العام، ويضعون أصابعهم على نبض الرضا والسخط فى كل البلاد، وقد ظهر أخيرا مذهب فى علم النفس السياسى، اسمه «علم نفس الصراع» لأن الذى يزعزع الأفراد والمجتمعات والشعوب هو الصراع أو النزاع بين الجميع، وجاءوا إلى مصر وتنازعتهم ظاهرة غريبة، إنهم لم يفهموا كيف حزنت مصر على جمال عبدالناصر الذى كانت وفاته طبيعية، ولم يحزنوا على أنور السادات الذى اغتيل فى يوم النصر، هذا الفيض الهائل من النكت والسخرية من كل ما حدث.. فكيف تفسر ذلك؟
وأجاب الرئيس: إن النكت لم تتوقف فى أى وقت، إنما هى فقط تظهر وتختفى، ولكنها دائما هناك، ونحن مصريون، ونعرف المزاج المصرى الذى يواجه المواقف الصعبة أو الأزمات العنيفة بالسخرية منها ومن نفسه أيضا، ولعلنا نتذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر فى أول خطاب له إلى مجلس الأمة بعد النكسة طلب إلى الشعب أن يكف عن النكت، أى طلب إلى الشعب ألا يضرب قواته المسلحة من الظهر، فقد كانت النكت قاسية، موجعة.
تقريبا كان هذا كل ما جاء عن مبارك فى طبعات الكتاب الأولى، وعندما بدأت طبعاته الجديدة تتوالى بداية من مارس 1999، أضاف لها عادل حمودة فصلا جديدا سماه «الفصل الأخير فى البداية.. السخرية ممن لا يهمه الأمر».
فى الفصل كانت هناك سخرية حادة من حالة الفساد والتردى التى شهدتها مصر على يد نظام مبارك، دون ذكر اسم الرئيس صراحة، فقد كان رجاله هم الذين يعيثون فى الأرض فسادا دون أن يحاسبهم أحد.
فمن نكت الفقر التى لا حقت عصر مبارك..
■ تقابل شخصان فى الطريق دون سابق معرفة، قال الأول: أنا مش من هنا وجعان، فرد الثانى: وأنا من هنا وجعان.
■ سأل موظف مصرى موظفا أمريكيا: كم دخلك فى الشهر؟ فرد: 4 آلاف دولار أنفق منها على المعيشة ألفين، فسأله المصرى: والباقى؟ فرد الأمريكى: أنا حر، وسأله الأمريكى: وأنت، فرد المصرى: أنا دخلى 200 جنيه وأنفق على المعيشة 800 جنيه، ولما سأله الأمريكى: كيف.. قال له: أنا حر.
ومن الفقر إلى الفساد السياسى والاستبداد تأتى هذه النكت..
■ مواطن قال لآخر: هل سمعت عن النائب الذى نجح تحت قبة مجلس الشعب فى إسقاط الحكومة، فرد عليه: لا، فقال له المواطن: ولا أنا.. لكنها نكتة حلوة.
■ أحد الحكام العرب كان يحتضر عندما سأل زوجته: ما هذا الصخب الذى فى الخارج؟ قالت له: الشعب فى الخارج جاء ليودعك، فسألها مندهشا: ليه.. هو الشعب مسافر على فين؟
■ فى ألمانيا يحتفلون بعيد أو مهرجان للمجانين.. ويرفض منظمو المهرجان دعوة نصف حكام العالم الثالث حتى لا يفوزوا بكل جوائز المهرجان.
■■■
ما حدث مع كتاب «النكتة السياسية» كان محاولة تطويع وإخضاع.. لم يصادر بشكل كامل، وكما مارست السلطة معه سطوتها، فقد مارس معها الكاتب دهاءه، فقد ترك بين سطور كتابه ما يؤكد أنه كان هنا ما تم حجبه ومنعه واعتقاله.
لكن نظام مبارك وقف أمام كتب أجنبية عديدة كانت تسخر منه، صادرها ووقف منها موقفا عدائيا كاملا، لمجرد أنها سخرت من الرئيس المصرى، الذى كان ما يبديه من غباء هو مثار الاهتمام والتنكيت.. فمن بين ما قيل عنه:
■ عبدالناصر اختار السادات نائبا له لأنه وجده أغبى منه.. والسادات اختار مبارك نائبا له لأنه وجده أغبى منه.. أما مبارك فظل بلا نائب لأنه لم يجد من هو أغبى منه فى الشعب المصرى كله.
وأذكر أننى فى أواخر التسعينات وكنت وقتها أكتب مقالا شهريا لمجلة «الحدث» الكويتية التى كان يرأس تحريرها الصديق ماضى الخميس.. وفى أحد الأعداد كتبت مقالا بعنوان «الحمير يحكمون مصر».. كان المقال يتناول تاريخ جمعية الحمير المصرية.. وهى جمعية تأسست فى العام 1930 على يد الفنان زكى طليمات، لرعاية الحمير والاهتمام بشئونها، وانضم إليها عدد كبير من الفنانين والكتاب والمثقفين منهم العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم والفنانة نادية لطفى التى كانت ناشطة بدرجة كبيرة داخل الجمعية.
لم ألتفت كثيرا إلى ملامح الجمعية التى كانت تمنح رتبا لأعضائها تبدأ بالجحش ثم الحمار الصغير ثم الحمار الكبير، وهى الرتب التى لها درجتان الأولى حمار الحدوة وحمار البردعة، ولكنى ركزت على التشابه بين تاريخ مصر وتاريخ الجمعية، وكان العنوان الذى اهتديت إليه هو «الحمير يحكمون مصر»، وكان الطبيعى أن تدخل المجلة مصر بعد نزع الموضوع – الذى كان يحتل أربع صفحات – منها.. فموظف الرقابة انزعج.. وكان له الحق.. رغم أنى واعترافا بالحق لم أكن أقصد أحدا بعينه وقتها.
كان المصريون يتداولون النكت على مبارك فى جلساتهم، تقريبا لم يتوقفوا عن التنكيت عليه.. كان الرجل مغريا للغاية، ولأن قبضته كانت قاسية وقاصمة رغم حالة الحرية العرفية التى بدت فى سنواته الأخيرة تحديدا، إلا أن النكتة ظلت سرية.
هناك من يرى أن النكتة السياسية على وجه التحديد تظهر فى حالات الضغط الاجتماعى الكبيرة والإحساس بالقهر، وتختفى فى حالات الإجهاد الاجتماعى وفى حالات غياب التسامح وزيادة العصبيات الجماعية.. وهو تصور صحيح فى شقه الأول.. وخاطئ فى شقه الثانى.. فالنكتة فى مصر لم تختف أبدا رغم إجهادها الاجتماعى، ورغم غياب التسامح بين أهلها وزيادة العصبيات الجماعية بشكل مخيف.
يمكن أن أنحاز إلى أن النكتة دخلت مرحلة باهتة طالت، بسبب حالة الركود التى عاشها المصريون فى ظل مبارك، فالرجل كان وكأنه بعيد عن كل شىء.. لم يكن يشعر المصريون بأنهم يُحس بهم أو يراهم.. ولذلك كانوا يطلقون النكت ويشعرون أنها ماسخة.. باهتة.. بلا طعم.. فالأوضاع كما هى لا شىء يتغير.
لقد أفسد مبارك كل شىء.. وكانت النكتة له بالمرصاد.. وهذا بعض ما وضعه المصريون فى طريقه.
■ طلبت مؤسسة الرئاسة عددا من صناع الأحذية العالميين لتفصيل حذاء للرئيس، تقدم مواطن مصرى للرئاسة قائلا لهم إنه على استعداد لتفصيل الحذاء وفق المقاسات المطلوبة دون أن يأخذ مقاس الرئيس، وأنه مستعد لدفع حياته ثمنا إذا ما كان الحذاء كبيرا أو صغيرا على قدم الرئيس، وبعد يوم واحد عاد إلى الرئاسة ومعه الحذاء المطلوب.. وكانت المفاجأة أنه على مقاس الرئيس بالضبط، سألوه: كيف عرفت مقاسه وبدون قياس؟، فرد عليهم: وكيف لا أعرف مقاسه وجزمته فوق رقبتنا من 30 سنة.
■ فى برنامج «من سيربح المليون» سأل جورج قرداحى متسابقا مصريا: ماذا يعمل محمد حسنى مبارك ؟ رئيس جمهورية أم صاحب سوبر ماركت أم سائق ميكروباص؟.. فأجاب المتسابق المصرى بسرعة: سائق ميكروباص طبعا.. ولما تعجب قرداحى، قال له المتسابق: أصله كل ما يتكلم يقول السلام.. السلام.. السلام "والسلام أحد أحياء القاهرة".
■ كان مبارك فى الطائرة مع أسرته، فنظر من النافذة وقال لهم: لو رميت 100 دولار من الطيارة يحصل إيه؟ فرد علاء: حيلاقيها واحد من الشعب ويفرح بيها، فقال مبارك: ولو رميت 1000 دولار يحصل إيه؟ ردت سوزان: حيلاقيها كام واحد من الشعب ويفرحوا بها، فسأل مبارك: ولو حبيت أفرح كل الشعب أعمل إيه؟ رد عليه جمال: فى الحالة دى لازم ترمى نفسك.
■ عاطف عبيد راح لمبارك بعد ما شاله من الوزارة، وسأله: إنت شلتنى ليه يا ريس؟، قال له: لأن التغيير سنة الحياة، فقال له عبيد: وإنت هتتغير إمتى إن شاء الله؟ فرد مبارك: التغيير بالنسبة لك سنة الحياة يا عاطف إنما أنا فرض.. والفرض مبيتغيرش.
■ مبارك سأل نظيف: الشعب عامل ايه بعد ما غلينا عليه العيش؟ فرد: بياكل زفت يا ريس، فقال له مبارك: طيب غلى الزفت.
■ واحد اتحشر فى زحمة المرور.. لقى واحد بيخبط له على الشباك، فتح الشباك وسأله عايز إيه؟، قاله: الرئيس مبارك خطفوه وطالبين فدية 5 ملايين دولار.. ولو الفدية مادّفعتش هيدلقوا عليه بنزين ويولعوا فيه، واحنا بنجمع تبرعات.. تحب تشارك؟ صاحب العربية سأل: وفى المتوسط الناس بتتبرع بكام؟ رد عليه: من 5 إلى 10 لترات بنزين.
■ مبارك زار مدرسة ابتدائى.. ووقف الطلبة يسألوه، أول واحد يسأل كان اسمه رامى، قال له أنا هاسأل 4 أسئلة: انت ليه ريس بقالك 30 سنة؟ وليه معينتس نائب؟ وليه ولادك ماسكين كل حاجة فى البلد؟ وليه مصر حالتها الاقتصادية زفت كده؟.. دق جرس الفسحة.. وبعد الفسحة رجع مبارك يسأل التلامذة: إحنا وقفنا فين، فقام تلميذ اسمه تامر، قال له أنا هاسأل 5 أسئلة، إنت ليه ريس بقالك 30 سنة؟ وليه معينتس نائب؟ وليه ولادك ماسكين كل حاجة فى البلد؟ وليه مصر حالتها الاقتصادية زفت كده؟.. وبعدين هو فين رامى؟
■ أمن الدولة ساب شيخ أعلن توبته، لكنهم فضلوا مراقبينه، أول يوم لقوه ماشى فى شارع الهرم، راحوا مكلمين الريس، وقالوا له: تاب يا ريس، تانى يوم لقوه فى كباريه، قالوا: الشيخ تاب وأناب يا ريس، تالت يوم لقوه بيسرق فى أتوبيس، قالوا: الشيخ تاب وأناب وبقى عضو فى الحزب الوطنى يا ريس.
■ مبارك اشتكى لحبيب العادلى إنه مبينامش بقاله 3 أيام بسبب «حمو النيل».. بعد يومين اتصل به العادلى، وقاله: خلاص يا ريس تقدر تنام.. احنا قبضنا على كل اللى اسمهم حمو.. ويومين تلاتة هنردم النيل كله.
■ مبارك سأل نظيف: أنا أفضل ولا عبدالناصر؟ رد نظيف: إنت طبعا لأن عبدالناصر كان بيخاف من الروس، فسأله: طيب أفضل أنا ولا السادات؟ فرد: انت طبعا.. السادات كان بيخاف من الأمريكان، فسأله: طيب أفضل أنا بقى ولا عمر بن الخطاب؟ فرد: لا إنت طبعا.. لأن عمر بن الخطاب كان بيخاف من ربنا.
■ مبارك كان فى جولة مع حبيب العادلى فى الصحراء لقيوا تمثال، فسأل مبارك: تمثال مين ده يا حبيب؟ بعد 24 ساعة من رجوع حبيب مكتبه، كلم مبارك وقال له: التمثال طلع لرمسيس التانى يا ريس، قال له: عرفت منين يا حبيب؟ قال له: هو اعترف بنفسه يا فندم.
■ سائح دخل قهوة لقى القهوجى معلق صور عبدالناصر والسادات ومبارك، فسأله مين دول يا معلم، فرد عليه: الأول ده عبدالناصر قائد ثورة يوليو والزعيم المصرى الكبير.. والتانى الريس السادات بتاع حرب أكتوبر.. أما التالت ده بقى فأبو علاء شريكى فى القهوة.
■ مبارك قرر ينقل الحج والعمرة فى مصر عشان بتدخل دولارات كتير، قال لنظيف: عاوزين المسلمين كلهم يحجوا هنا اتصرف، بعد يومين رجع له نظيف، وقال له: لقيتها يا ريس.. الكعبة نعملها فى ميدان التحرير.. وووقفة عرفة نعملها على جبل المقطم.. والسعى بين الصفا والمروة يبقى فى طريق صلاح سالم، بص له مبارك وقال له: وهتعمل إيه فى رجم الشيطان يا فالح؟ فرد نظيف: اتعب معانا شوية بقى يا ريس.
■ مبارك كان فى زيارة لإنجلترا.. وخلال مناقشته مع الملكة سألها: انتى إزاى بتديرى بلادك بكل هذه الصرامة؟ فقالت له: الحل إن يكون عندك مستشارين يقدروا يجاوبوا على أى سؤال فى أى وقت عشان يخلصوك من أى مشكلة.. تعجب مبارك وسألها: وإزاى ممكن تتأكدى من كده؟، فقالت له: بسيطة.. يمكنك من خلال سؤال أن تكتشف معدل ذكاء مستشارك..انتظر سأعطيك مثالا على ذلك، استدعت الملكة تونى بلير، وقالت: عزيزى تونى.. أبوك وأمك لديهما طفل.. ليس أخاك وليس أختك.. فمن يكون؟ رد تونى: يكون أنا.. فضحكت الملكة وصرفته، عندما عاد مبارك إلى مصر سأل نظيف نفس السؤال: من أمك وأبوك وليس أخوك ولا أختك يبقى مين؟.. قال له نظيف: سيب لى فرصة أفكر يا ريس، خرج نظيف وسأل حبيب العادلى نفس السؤال، فرد عليه: يبقى أنا يا نظيف، فعاد نظيف إلى مبارك وقال له بسعادة: الطفل ده يبقى حبيب العادلى ياريس، فصرخ فيه مبارك: حمار.. الطفل ده يبقى تونى بلير يا غبى.
■■■
السخرية كانت من كل شىء.. والتنكيت كان على كل شىء.. سخر المصريون من استبداد مبارك ونفاق رجاله وغبائهم.. فجّروا قنابل النكتة فى جسد النظام الذى كان يعتقد أنه باق إلى الأبد.
ظلت النكتة سلاحا سريا بالنسبة للإعلام فقط.. لم تقترب الصحف والقنوات من السخرية من مبارك، لكن الشارع كان يواصل سخرياته طوال الوقت.. الناس كانت تنفس عن نفسها فى البيوت والشوارع وعلى المقاهى دون أن يمنعها أحد.. ودون أن يعاقبها أحد على ما تقوله، لم نسمع أن أحدا عوقب بسبب نكتة، ليس لأن مبارك كان ديمقراطيا.. ولكن لأنه لم يكن يهتم كثيرا بما يفعله الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.