"لن أدعي أنني أقدم دراسة عن الضحك في حياة الرؤساء، ولكن أحاول التفتيش في الحالة النفسية للرئيس.. طرحت سؤالاً بسيطاً وهو هل يضحك الرئيس؟ ولما أدركت أنه لابد أن يضحك عدت لأسأل: وكيف يضحك الرئيس؟ هنا محاولة للإجابة تتشكل من مواقف ونكت وتحليلان وشهادات ومذكرات". هكذا كتب محمد الباز في كتابه "نكت السيد الرئيس" الذي تحدث عن عبدالناصر والسادات والمخلوع مبارك، لكن الكتاب صدر قبل الثورة. تمر اليوم 14 أكتوبر ذكرى تولي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك رئاسة مصر خلفاً للرئيس محمد أنور السادات، ونتوقف عند كتاب الباز للوقوف على أسباب ضحك الرؤساء.
هل كان عبدالناصر يضحك؟
تحت هذا العنوان قال صاحب الكتاب أن عبدالناصرلم يكن ابن نكتة، بل إنه لم يكن يتجاوب معها أو يضحك عليها بسهولة، لم يمنع هذا من تفتيشنا في أوراق الرئيس ومذكرات الذين كتبوا عنه أن نتعرف على شخصية عبدالناصر وما الذي يضحكه.
بعد نجاح فيلم أبي فوق الشجرة قال عبدالناصر لسامي شرف: ما تروح يا سامي تشوفه، فقال له ليه يا فندم؟، فرد عليه عبدالناصر: بيقولوا فيه 38 بوسة!.
وفي اجتماع لمجلس الوزراء وكان وقتها ثروت عكاشة وزيراً للثقافة قال له عبدالناصر: ريحهم يا ثروت وأوقف ثورة الزنج. أنا جالي صداع بسبب تقارير الداخلية والاتحاد الاشتراكي .. واطمئن يا ثروت إحنا قضينا على "الزنج" ضحك الموجودون جميعاً لأنهم فهموا إشارة عبدالناصر إلى أنه أعطى السادات إجازة ليستريح خلالها في بيته.
كان عبدالناصر في موسكو يجلس مع خروشوف عندما حان وقت صلاة الجمعة.. ولأن جمال أراد أن ينهي الجلسة حتى لاتفوته الصلاة.. فإن خروشوف احتراماً لشعور الضيف الديني أوصى مدير المخابرات ان يتصل تليفونياً بإمام مسجد موسكو ليؤجل صلاة الجمعة ساعتين فقط حتى لا تضيع فرصة الصلاة على عبدالناصر ومن معه، سمع عبدالناصر ذلك فانفجر في الضحك وقال لخروشوف: إن خصومنا سيقولون أن الروس أقنعوا عبدالناصر بأن يكفر.. فرد عليه خروشوف بذعر: إذاً قم يا صاحب السعادة ولا تجلب لنفسك ولنا المشاكل.
ليس معنى هذا أن عبدالناصر كان يهوى النكتة ويرددها، بل كان ينزعج منها بشدة لدرجة دفعته إلى أن يطلب من الشعب المصري رسمياً في خطاب عام أن يقلل من النكت التي يطلقها على القوات المسلحة. كان ذلك في اول خطاب له امام مجلس الأمة بعد خطاب التنحي في 9 يونيو 1967 قال: كل واحد يقابل واحد يقوله سمعت آخر نكتة ويحكي، وممكن يستخدموها بأن تقال بعض النكت التي تؤثر على كرامتنا كشعب له طلائع قاتلت وماتت.
لم يكن عبدالناصر يضحك على النكتة بل كان يكتئب منها، كانت تقلقه وتفزعه وتطير النوم من عينه، بل إنها في مرات عديدة دفعته دفعاً إلى اتخاذ قرارات بعينها أو إبعاد شخصيات لهم قيمتهم ووزنهم عن دائرته.
في إحدى حفلات ليالي أضواء المدينة وقف المنولوجست أحمد الحداد يقدم فقرته كان عبدالناصر يسمع الحفل من غرفته، وكانت النكتة: مواطن سافر من القاهرة إلى الإسكندرية عشان يشتري كيلو رز، وعند طنطا قال له الكمسري: إنت اللي عاوز تشتري رز من الإسكندرية، فقال له نعم..فرد الكمسري يبقى تنزل هنا، قال له: بس إحنا في طنطا فقال له الكمسري: إنزل يا محترم طابور اللي عايزين يشتروا الرز بيبدأ من هنا. كانت النكتة مثل اللطمة التي زلزلت كيان عبدالناصر. وفي الصباح كان معنى النكتة قد سيطر عليه فأمر بحل أزمة الأرز فوراً حتى لا يصبح هو شخصياً هدفاً للتنكيت بعد ذلك.
يحكي أحمد شفيق كامل المؤلف الغنائي الكبير أن البعض اعترض على كلمة في أغنية "السد العالي" التي غناها عبدالحليم حافظ، كانوا يرون أنه ليس من اللائق أن يقول الشاعر عن عبدالناصر "ضربة كانت من معلم .. خلت الاستعمار يسلم" فكيف يقول أن عبدالناصر "معلم" رفض شفيق كامل أن يغير الكلمة وأثناء غناء عبدالحليم عند الكلمة الموعودة ابتسم عبدالناصر فهتف أحمد شفيق كامل بينه وبين نفسه: براءة!.
ويؤكد الكتاب أن النكات كانت تعكر صفو أيام عبدالناصر فقد كان يعتقد أنه قدم كل ما لديه للشعب المصري، وبدلاً من أن يقف الشعب المصري إلى جواره ويسانده سخر منه وبدأ في التنكيت عليه، ومما قاله: * تخفى عبدالناصر كي يتفقد أحوال الناس فسمع موظفاً يقول لزميله أن راتبه ينتهي في اليوم العاشر من الشهر، وسأله زميله وكيف تعيش باقي أيام الشهر؟ فقال له أعيش على الستر، فأصدر جمال عبدالناصر قراراً في اليوم التالي بتأميم الستر.
* عثر على تمثال فرعوني احتار علماء الآثار في تحديد أصله فاقترح جمال عبدالناصر إرساله إلى المخابرات لكشف غموضه وبعد ساعات قالوا له: لقد تأكدنا أنه تمثال رمسيس الثاني، فسألهم كيف؟ فقالوا اعترف بنفسه يا فندم!. النكتة في غرفة نوم الرئيس عرف عن السادات أنه رئيس "صاحب مزاج" بالتعبير الشعبي كما يشير الكتاب، وكان الرئيس السادات يعطي الفرصة لمنتقديه أن ينالوا منه فبعد أن وصف نفسه في أحد خطبه العلنية انه مثل عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين وأنه إمام عادل. التقط الوصف الشيخ المحلاوي شيخ الإسكندرية الشهير والذي أدخله السادات السجن بعد ذلك وقال عنه انه مرمي زي الكلب. سخر المحلاوي قائلاً: إن السادات ليس إماماً عادلاً..ولكنه عادل إمام.. في إشارة إلى أن السادات يصلح لأن يكون ممثلاً كوميدياً.
وقد اصطحب السادات معه وهو في كامب ديفيد أثناء مباحثات معاهدة السلام أفلام فريد الأطرش، وسامية جمال لأنه كان يعشقها. ويشير الكتاب إلى أن أداء الرئيس كان مسرحياً طوال الوقت بل إنه حاول أن يحترف التمثيل في بداية حياته لكنه فشل .. وقد يكون هذا سبباً مباشراً لاهتمام الرئيس السادات بالفنانين وتكريمه لهم وخاصة نجوم الكوميديا منهم. بل إنه أحاط نفسه بعدد من صناع الضحك والنكت في مصر وكانوا يصلون إلى غرفة نومه حتى يرفهوا عنه ويسمعوه آخر ما وصلهم أو قاموا بتأليفه وصنعه من نكت، وفي هذا المساحة تحديداً يظهر حمادة سلطان المونولوجست الأشهر والأهم في بداية السبعينات وبداية الثمانينات وما يؤكد أن حمادة سلطان كان قريباً جداً من السادات أنه كان وراء بعض المواقف السياسية التي ظهر فيها السادات لا يدري بما يدور حله.
حكى حمادة سلطان للرئيس السادات ذات مرة أن اثنين بلدياتنا قعدوا يلعبوا شطرنج واحد منهم جه يحرك العسكري رفض إلا لما يرمي له بريزة..لم يفهم السادات النكتة، فدلالتها عنده كانت غائبة للغاية..لم يضحك السادات كعادته وسأل حمادة: تقصد إيه بالنكتة.. تلخبط المونولوجست الشهير لقد اعتقد أن الرئيس السادات يعرف أن عساكر المرور لا يتركون سيارة تمر إلا بعد أن يلقى لهم السائق عشرة قروش فضة، عندما أخبر السادات بذلك قال له الرئيس: أخ بقى الحكاية كده وبدلاً من أن يأمر الرئيس بأن يتم أحوال عساكر المرور بما يجعلهم لا يلجئون لذلك..اكتفى بإصدار أوامره بمنع العساكر من أن يقوموا بذلك مطلقاً. وأنيس منصور كان يروي النكات التي يقولها السادات منها: أثناء زيارة السادات لإسرائيل سلّم على جولدا مائير قائلاً لها: مرحباً بالسيدة العجوز..وعندما أصبح السادات جداً أرسلت له جولدا برقية تهنئة قالت له فيها، مبروك للرجل العجوز..وكأنها كانت تقول له واحدة بواحدة.
إفيهات السيد الرئيس
تميز الرئيس المخلع مبارك بإفيهات ألقاها في مواقف مختلفة منها: عندما كان الرئيس مبارك يفتتح معرض الكتاب في إحدى دوراته. دخل واحدة من دور النشر الكثيرة وبالصدفة كانت متخصصة في نشر الكتب الاقتصادية. وفيها وقف صاحب دار النشر يعرض الكتب الموجدة..أمسك الرئيس بأحد الكتب ونظر لمن حوله قائلاً لهم: الغريبة ن عندنا كتب اقتصاد كثيرة جدا..وأساتذة اقتصاد بالكوم..ومع كده الاقتصاد عندنا بعافية شويتين.
ويحكي مصطفى حسين رسام الكاريكاتير التي يرأس تحريرها برسم غلاف للمجلة عبارة عن صورة الرئيس مبارك وهو يرتدي شورتاً للحكم ورسم الدكتور مصطفى الفقي الذي كان سفيرنا وقتها في النمسا كمراقب خط اول..ورسم الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس مراقباً للخط الثاني..رفضت الرقابة الترخيص للعدد بالصدور..وأصرت على موقفها..لم يجد مصطفى حسين مخرجاً من هذا المازق إلا أن يرسل العدد إلى الرئيس حسني مبارك حتى يحكم بنفسه..وفعلها الفقي إلى الرئيس الذي اطلع عليها وابتسم ابتسامة عريضة ووافق على نشر الغلاف وصورته عليه بدون أي تحفظات.