النكتة السياسية تحمل الجنسية المصرية، ولديها جواز سفر دولى يمكِّنها من التجوال فى أى بقعة على سطح المعمورة، وربما لو كانت هناك حياة على سطح المريخ؛ لوجدت أهل ذلك الكوكب يرددونها، فالمصريون سخروا من كل شيء، وجدران المعابد تشهد، بينما كان الهكسوس هم أول من ذاق مرارة تنكيت المصريين، ونحن أيضا من اخترع النكتة الدوارة، فما حكايتها؟ بقراءة سريعة فى التاريخ القريب يمكنك رصد عدد من النكات التى تناقلها المصريون، وأعادوا إنتاجها لأكثر من مرة وكأنهم يقيفونها لتلائم مقاسات الحاكم الجديد، بإضافة تفصيلة جديدة، أو تعديل جزء منها، وفقا لمقتضيات العصر وشخصية الرئيس المسخور منه. فى عصر عبدالناصر، قال المصريون أنه تم اكتشاف تمثال أثرى لم يعرف لمن يكون، لكن بعد يومين جاء رئيس المخابرات الأشهر فى تاريخ مصر، وهو صلاح نصر إلى ناصر وأخبره بأن التمثال لرمسيس الثاني، فلما سأله الرئيس عن السر الذي مكَّنه من الكشف عن شخصية التمثال فقال نصر: ضغطنا عليه يا فندم واعترف!! ذات النكتة أعيد إنتاجها فى عصر أنور السادات، وفى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك تكرر الأمر، لكن بعد استبدال صلاح نصر والمخابرات بوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، و جهاز أمن الدولة المنحل. مثال آخر لإعادة إنتاج النكتة الواحدة لتناسب الرئيس– أيا كان اسمه– واحدة تقول أن عبدالناصر استعان بالشيطان لينصحه كيف ينتقم من أعدائه فنصحه الشيطان بعدة نصائح لم ترق للرئيس الراحل، فراح عبدالناصر- نفسه- يوسوس للشيطان بما سوف يفعله انتقاما من الشعب، هنا اسقط فى يد الشيطان الذي صرخ فى الزعيم: يا أخى اتقى الله أنت مفيش فى قلبك رحمة؟! أيضا أعيد إنتاج تلك النكتة فى عهد السادات، بعد أن حل الناصريون محل "الشعب" فى نكتة ناصر، فيما حل الإخوان محل الناصريين فى ذات النكتة، بعد تقيفها - أي تكييفها - لتناسب مبارك. أما المثال الأبرز، فكان لنكتة تقول إن عبدالناصر سأل صديق عمره المشير عبدالحكيم عامر: قولى يا عامر أنا أفضل أم محمد نجيب، فقال عامر: أنت يا ريس، فهو كان يخشى إسرائيل، فسأله ناصر: أنا أفضل أم الملك فاروق؟ فرد عامر: أنت طبعا، فهو كان يخشى الإنجليز، فسأله: أنا أفضل أم سيدنا عمر بن الخطاب، فقال عامر: قطعا.. أنت يا ريس، فسيدنا عمر كان يخاف من الله! وهكذا تكرر الأمر مع السادات، ثم مبارك، حيث تم استبدال محمد نجيب بعبد عبد الناصر نفسه، وحل السادات محل الملك فاروق فى النكتة السابقة. وإليك هذه النكتة.. ذهب الرئيس إلى مدرسة ابتدائية فقال للتلاميذ إنه على استعداد لإجابة أى سؤال يطرحونه، فقام طفل يدعى "تامر"، وقال أن لديه ثلاثة أسئلة، ثم واصل: من فضلك يا ريس إنت ليه بقالك فى الحكم كتير، ومش عايز تخلع، ثانيا- ليه الفساد منتشر فى عصرك، ثالثا- ليه مصر دولة فقيرة.. هنا إن جرس الفسحة وبعدها وقف تلميذ آخر وقال للرئيس أن لديه أربعة أسئلة: إنت ليه بقالك فى الحكم كتير، ومش عايز تخلع، ثانيا- ليه الفساد منتشر فى عصرك، ثالثا- ليه مصر دولة فقيرة، رابعا- هو "تامر" راح فين؟! والنكتة السابقة نسخة حديثة من النكتة التالية التى أطلقت على عبدالناصر، حيث يقال إنه كان يلقى خطابا فسأله أحد المواطنين: يا ريس، فين مجوهرات أسرة محمد علي، وفلوس الحراسات، وصفايح الدهب اللي جت من اليمن؟..فرد عبدالناصر: هجاوبك بعد الخطاب، تعالى اطلع عندي.. وفي نهاية خطابه، قاطعه مواطن آخر: يا ريس، فين مجوهرات أسرة محمد علي، وفلوس الحراسات، وصفايح الدهب اللي جت من اليمن.. والمواطن اللي طلع عندك من شوية؟! وذات مرة استقل الرئيس برفقة عائلته طائرة، فاخرج من جيبه ورقة بنكنوت من فئة المائة جنيه، وقال إنه سيلقى بها من شباك الطائرة ليسعد بها الشخص الذى سيجدها، فقال له ابنه أن الأفضل أن يلقى بورقتين فئة الخمسين جنيها ليسعَد شخصان، لكن الزوجة اقترحت أن يفك المائة جنيه بأوراق من فئة العشرين جنيها ليسعَد خمسة أشخاص، وهنا صاح كابتن الطائرة: الأفضل يا ريس أن تلقى بنفسك من الطائرة لتسعد الشعب كله. وقيل إن مواطنا فى عصر عبدالناصر ظل يردد: عاش عبدالناصر موحد الأديان، إلى أن قبض عليه وقيل له: ألا تعرف أن مصر بها يهود، ومسيحيون ومسلمون، فكيف تقول أن الزعيم وحد الأديان، فقال الرجل: بل هو موحد الأديان؛ لأنه كفرنا جميعا. وقطعاً لسنا فى حاجة للقول بأن النكتة أعيد إنتاجها دون تغيير، أو تحريف، اللهم إلا استبدال اسم الرئيس بمن يحكم فى الوقت الذي قيلت فيه النكتة. والأمر قد ينطبق على النكات التالية المنتجة حديثا، فربما يعاد إنتاجها لتلائم واحد أو أكثر من الرؤساء، الذين سيحكمون مصر خلال السنوات المقبلة، حيث يقال أن الرئيس– أى رئيس– أراد أن يستنسخ من نفسه نسخة جديدة ليتركها لشعبه بعد أن يموت، فذهب إلى ألمانيا، وهناك أخذوا منه خلية، وبعد أسبوع أرسلوا له المستنسخ المخلَّق من الخلية، فاتضح أنه حمار، فذهب إلى فرنسا فحصلوا منه على خلية، وبعد يومين فقط أرسلوا له المستنسخ وكان حمارا أيضا، فلما اشتد به الغضب ذهب إلى أمريكا، وهناك طلبوا منه أن يعود إلى مصر دون أن يأخذوا منه أى خلايا، و الغريب أنه فى اليوم التالى أرسلوا له مستنسخاً عبارة عن رجل يشبهه تماما، فلما سأل عن السر، قالوا له إنهم أخذوا خلية من حمار! ويقال أيضا، خرج رئيس الوزراء فى نزهة فوجد تمثالا للجندي المجهول يقف ممسكاً ببندقيته، فاقترب منه وأخذ يتأمله، فقال له التمثال: لقد تعبت من الوقوف فأحضر لي حصاناً امتطيه، فتعجب رئيس الوزراء مما حدث، وعندما عاد أخبر الرئيس بما جرى، فلم يصدقه، وطلب منه أن يذهبا سوياً للتحقق من الأمر، وعندما وصلا واقتربا من التمثال، قال التمثال لرئيس الوزراء: لقد طلبت منك حصاناً وليس حماراً. وفى نكتة أخرى، يقال إن رجلا كان يقود سيارته، ولما توقف فى إحدى إشارات المرور، فوجئ بشخص يقترب منه ويقول له: هناك عصابة اختطفت الرئيس، وطلبت فدية مليون جنيه، وإلا احرقوه، فبكم سوف تتبرع.. هنا سأله قائد السيارة: وتقريبا بكم يتبرع كل شخص؟.. فرد الرجل: من 2 إلى 5 لترات بنزين! والمثير أن هناك نكات مستوردة أعاد المصريون إنتاجها، وهناك نكات أخرى جمعت الواحدة منها أكثر من رئيس سابق، فمثلا عبدالناصر والسادات، ومبارك اجتمعوا وراح كل منهم يقول إنه كان محبوبا من الشعب أكثر من الاثنين الآخرين، فاتفقوا على أن يطلبوا من أفراد الشعب أن يلقوا بأنفسهم إلى البحر، إذا كانوا يحبون رئيسهم، فألقي نصف الشعب بنفسه حبا فى ناصر، و ربع الشعب فعلها من أجل السادات، بينما ألقى واحد منهم فقط بنفسه حبا فى مبارك، هنا أراد الرئيس المخلوع أن يكافئه فقال للمواطن: قول لى نفسك فى إيه، وأنا ألبي لك طلبك.. فقال الرجل: نفسى أعرف ابن كلب مين زقني فى البحر! وأخيرا هناك المثال الأحدث، فيقال إنه فى الآخرة تقابل مبارك بالسادات وناصر، فسألوه عن سبب تركه للحكم وقالوا: سم ولا رصاص، فقال : لأ، فيس بوك.. إشارة منه إلى أن موقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني الشهير كان أحد أسباب نجاح ثورة يناير فى الإطاحة به. وهكذا تتنوع النكات وتختلف، لكنها دائما فى انتظار «التقييف» لتناسب الرئيس– أى رئيس– وذلك إذا ما جار، وظلم، وتسلط على المصريين، مع الإشارة إلى أن هناك العشرات من النكات الجنسية التى أطلقت على الرئيس وأهل بيته ولا داعي لذكرها!