خلص أحد عشر باحثا متخصصا في الشئون الإفريقية بعد دراسة متأنية إلى التشابه بين الآبارتيد (نظام التمييز العنصري) الذي شهدته جنوب إفريقيا حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي ، والوضع الحالي بين إسرائيل وفلسطين. وسلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على هذه الدراسة التى تندرج في إطار النقاش المستفيض حول العلاقات بين إسرائيل وفلسطين داخل أروقة الجامعات في أمريكا الشمالية وجنوب إفريقيا ، كما أنها تحث البعض على الترويج للحملة الدولية السلمية المعروفة باسم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل والتي انطلقت في يوليو 2005. ويؤكد معظم المشاركين في الدراسة التشابه المزعج بين الآبارتيد في جنوب إفريقيا والسياسة التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين إذ يقول المؤرخ روبين كيلي (من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس) "لا جدال في أن سياسة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي تندرج ضمن تعريف الآبارتيد وفقا لمعايير الأممالمتحدة". ويشدد الباحثون المتضامنون مع الفلسطينيين على عملية الغزو والاستيطان التي تمارسها إسرائيل استنادا إلى دعامتين أساسيتين وهما الدين والقومية الإثنية ، ومن ثم العمل على إبعاد الفلسطينيين من أراضيهم التي كانوا أول من سكنوها فضلا عن سن مجموعة من القوانين القائمة على التمييز لأسباب عرقية أو إثنية. ويوضح آشيل مبيمبي ، وهو باحث من أصل كاميروني في دراسات ما بعد الاستعمار ، " أراهن على أنه سيكون من الصعوبة البالغة أن نجد في فلسطين شخصا لم يفقد قريبا أو فردا من عائلته أو صديقا أو أبا أو أما أو جارا ، كما سيكون من الصعوبة البالغة أن نجد شخصا لا يعلم المعنى الحقيقي لكلمة "خسائر جانبية"، وأراهن عن اقتناع أن الوضع أسوأ مما كان يحدث قديما في البانتوستونات (مناطق معزولة كان يعيش فيها السود إبان نظام الفصل العنصري) في جنوب إفريقيا". وباستثناء مجموعة صغيرة من المنظمات المؤيدة للصهيونية، يجد هذا التشابه قبولا كبيرا في جنوب إفريقيا حتى أن شخصيات بارزة مناهضة لنظام الآبارتيد مثل كبير أساقفة جنوب إفريقيا الحائز على جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو أو نائب رئيس الوزراء السابق في جنوب إفريقيا روني كاسريلز ، المعروف بنضاله في محاربة الفصل العنصري - هو من أصول يهودية - أعلنت في أكثر من مناسبة أن أوضاع المعيشة في الضفة الغربية وقطاع غزة "أسوأ مما كانت عليه إبان نظام الآبارتيد". وإذا كان المدافعون عن إسرائيل يشددون في حديثهم على الحقوق المدنية التي يتمتع بها عرب إسرائيل ، فإن العديد من المراقبين يرون أن هذه الحقوق محدودة جدا وتتلاشى تدريجيا. كما أن البعض يميل إلى قراءة مغايرة بعيدا عن عقد مثل هذه المقارنات بهدف صرف الأنظار عن الاحتلال غير القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة ، وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة ، وقصف المدنيين ، واحتجاز وتعذيب النشطاء ، وبغض النظر عن تبرئة ساحة الدولة العبرية مما ترتكبه من سياسات وممارسات بحق الشعب الفلسطيني ، تعمل الخلافات بين المعسكرين (المعارض والمؤيد للسياسة الإسرائيلية) على إظهار الوضع المأساوي غير المقبول الذي يعيشه الفلسطينيون. وظلت الحركة المناهضة للآبارتيد هي النقطة الفاصلة في تعبئة المجتمع المدني دوليا طوال القرن العشرين ، وما إذا تمت تنحية الأخطاء والانقسامات الداخلية جانبا ، يمكن الاعتراف فعليا بأن هذه الحركة نجحت في توحيد مختلف التيارات وإضعاف شوكة نظام الحكم آنذاك في جنوب إفريقيا . من هنا ينطلق الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية والنشطاء في سعيهم إذ يحدوهم الأمل أن يبعث هذا الماضي من جديد.