يترقب اللبنانيون بقلق بالغ، تطور مباحثات المجتمع الدولي بشأن سوريا، وما قد تُسفر عنه الأزمة إذا لم يلتزم بشار الأسد بالمبادرة الروسية الأمريكية من حيث وضع الأسلحة الكيماوية تحت رقابة دولية، وبالتالي تطور الأمور لتوجيه ضربة عسكرية محتمة . الضربة العسكرية ضد سوريا إذًا باتت مؤجلة وربما لن تحدث إذا التزم نظام الأسد، لكن هذا لم يمنع اللبنانيين من التحسب لمزيد من تدهور الأنشطة الاقتصادية التي عانت على مدار العامين ونصف الماضيين أي طيلة الصراع السوري . إذا يرتبط لبنان جغرافيا وسياسيا واقتصادية بجارته سوريا، بل ثمة تعاون تاريخي مشترك بينهما في قطاعات النقل والمواصلات والتجارة والسياحة والزراعة والتشييد، تجعل لما يحدث في دمشق صدى قويا في بيروت . وانعكس الصراع في سوريا سلبا على الأوضاع الداخلية في لبنان وكان له تداعيات على الأوضاع الأمنية وحدوث عمليات تفجير واختطاف واغتيال، مما أدى إلى تراجع النشاط السياحي الذي يعد من أهم روافد الدخل القومي . وبالفعل، تعرضت السياحة اللبنانية لخسائر متواصلة على مستوى عدد السياح خاصة الخليجيين الذين ينفقون بمعدلات عالية، وكذا حجم الإيرادات أو العاملين في هذا القطاع الذين فقد معظمهم وظائفهم . ويتوقع تقرير لوزارة السياحة اللبنانية أن تتراجع ايرادات السياحة هذا العام لتصل إلى أربعة مليارات دولار مقارنة بنحو ثمانية مليارات دولار عام 2010 . وهذا التراجع في إيرادات السياحة التي تمثل ما نسبته 25% من الدخل القومي سيؤدي إلى مزيد من الركود في لبنان التي يغلب عليها الاقتصاد الريعي وليس الإنتاجي . وتتوقع دراسة لصندوق النقد الدولي أن يزيد إجمالي الناتج المحلي للبنان بنسبة 2% هذا العام مقارنة بنحو 1.5% خلال العامين السابقين، وكان قد حقق نسبة 7% عام 2010 . وعرقلت الأحداث السورية الطرق البرية المؤدية من لبنان إلى سوريا وكانت تشكل المعبر الأساسي للمنتجات السورية القادمة من ميناء بيروت إلى أسواق منطقة الخليج . اللاجئون السوريون إلى لبنان الذين تجاوز عددهم ربع سكان لبنان أي اكثر من مليون لاجئ أصبحوا يمثلون عبئا على موارد البلاد على الرغم من أنهم أنعشوا قطاع العقارات، كما أن العمالة السورية الرخيصة أثرت سلبا على مستويات أجور العمالة اللبنانية . وفي هذا الإطار أعلن جيم يانج كيم رئيس البنك الدولي أن البنك سيساعد لبنان على إعداد طلب للحصول على معونة دولية لمواجهة التكاليف العالية لتدفق اللاجئين السوريين . وأوضح أن الحكومة اللبنانية طلبت من البنك الدولي أن يتولى الريادة في إعداد تقييم سريع للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للحرب في سوريا، وسيتم تقديم الدراسة في اجتماع يعقد في 25 سبتمبر الجاري لمجموعة دولية للمعونة من أجل لبنان في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة . ويأمل لبنان أن يؤدي اعتماد البنك الدولي لهذا التقييم إلى دعم طلبها للمعونة من الدول المانحة والوكالات الدولية، وهذا التقييم سيدرس الضغوط الهائلة التي يتعرض لها المواطن العادي في لبنان في قطاعات مثل السياحة والتجارة والصحة والتعليم من جراء الصراع السوري . وذكرت دراسة لمجلة بيزنس ويك الأمريكية أن القطاع الوحيد الذي شهد نموا في لبنان هو النقل البحري بحيث تضاعف عدد السفن التي تصل إلى ميناء بيروت مقارنة بمطلع العام الحالي، والسبب أن التجار يتحاشون طرق النقل البري المحفوفة بالمخاطر، كما أن الطلب الداخلي على السلع تزايد أيضا مع نمو عد اللاجئين، وشهد الميناء زيادة في الإيرادات بنسبة 24% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي . ويلقي تحليل لمركز كارنيجي الأمريكي للدراسات الاستراتيجية الضوء على العلاقة بين الأزمة السورية والتطورات في لبنان، فيقول إن الأزمة أدت إلى حدوث ركود اقتصادي في لبنان ولكن لم يحدث انهيار اقتصادي واسع النطاق تكون له عواقبه السياسية وربما الأمنية، فقد تراجع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي وتراجعت حركة السياحة بنسبة 50% عام 2012 مقارنة بالعام السابق، كما انخفضت الصادرات خلال نفس الفترة بنسبة 20%، واضطرت مئات الاعمال التجارية إلى الإغلاق لتضيف آلاف العاملين فيها إلى قائمة البطالة، وأضيرت الصادرات اللبنانية بسبب إغلاق الطرق البرية المؤدية إلى سوريا وهي مهمة بشكل خاص لنقل السلع إلى تركيا والعراق والأردن، وتم الانتقال إلى الطرق البحرية كبديل على الرغم من أنها تضيف إلى تكلفة النقل . وأضاف تحليل مركز كارينجي أن النشاط المصرفي الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد اللبناني واجه تحديات خطيرة، فقد بلغ حجم الودائع حوالي 120 مليار دولار تعادل تقريبا ما نسبته 250% من إجمالي الناتج المحلي مما يجعله ميزان استقرار للاقتصاد . وتخشى المصارف اللبنانية من حدوث إجراءات محتملة من جانب وزارة الخزانة الأمريكية في ظل الحملة الأمريكية ضد تمويل حزب الله ومن تبعات العقوبات الدولية ضد إيران والعقوبات الأمريكية ضد سوريا، كما يخشى المصرفيون اللبنانيون من استهداف البنوك اللبنانية حيث أن حدوث ضغوط خطيرة على المصارف يمكن أن يحطم العمود الفقري للاقتصاد ويؤدي إلى أزمة حادة في إدارة الدين العام وفي تمويل نمو القطاع الخاص . ومع ذلك فإن التحويلات المالية الكبيرة التي يبعث بها العاملون اللبنانيون في الخارج الذين يصل عددهم إلى نصف المليون إلى جانب أداء القطاع الخاص الذي لديه خبرة مهمة في امتصاص الصدمات السياسية والأمنية بالإضافة إلى القطاع المصرفي الذي يتمتع بإيداعات مالية ضخمة كل هذه العوامل حمت الاقتصاد من الانهيار . الأناضول