وزيرة التنمية المحلية: الانتهاء من مقابلات المتقدمين للوظائف القيادية خلال الأسبوع المقبل    أسعار الحديد والأسمنت مساء اليوم الخميس 15 مايو 2025    رئيس جهاز حماية المستهلك يشهد ختام برنامج "TOT" لتأهيل المدربين ورفع كفاءة الكوادر البشرية    رابطة العالم الإسلامي: رفع العقوبات عن سوريا انتصار للدبلوماسية السعودية    الخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات.. ما قصة مؤسسة غزة الإنسانية؟ ومن أعضائها؟    عصام كامل يكشف عن تصريح مهين من ترامب لدول الخليج (فيديو)    تعادل سلبي بين نيجيريا وجنوب إفريقيا في نصف نهائي أمم أفريقيا للشباب    حادث ميكروباص يتسبب في تكدس مروري أعلى المحور    أحمد سعد يحيي حفلين خيريين في أستراليا لصالح مؤسسة راعي مصر    مصر تتصدر قائمة ال101 الأكثر تأثيراً في صناعة السينما العربية | صور    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على ذكرى النكبة    وزير الصحة يبحث مع وفد من الإمارات تطوير الخدمات الطبية بمستشفيي الشيخ زايد التخصصي وآل نهيان    ضبط سيدة تنتحل صفة طبيبة وتدير مركز تجميل في البحيرة    الإعدام شنقا لربة منزل والمؤبد لآخر بتهمة قتل زوجها فى التجمع الأول    استعدادًا للصيف.. وزير الكهرباء يراجع خطة تأمين واستدامة التغذية الكهربائية    محافظ الجيزة: عمال مصر الركيزة الأساسية لكل تقدم اقتصادي وتنموي    تحديد فترة غياب مهاجم الزمالك عن الفريق    أمام يسرا.. ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة فيلم «الست لما»    إحالة 3 مفتشين و17 إداريًا في أوقاف بني سويف للتحقيق    لن تفقد الوزن بدونها- 9 أطعمة أساسية في الرجيم    بوكيه ورد وصرف فوري.. التأمينات تعتذر عن إيقاف معاش عبد الرحمن أبو زهرة    جامعة حلوان تطلق ملتقى لتمكين طالبات علوم الرياضة وربطهن بسوق العمل    ملائكة الرحمة بالصفوف الأولى.. "أورام الأقصر" تحتفل بصنّاع الأمل في اليوم العالمي للتمريض    تصل ل42.. توقعات حالة الطقس غدا الجمعة 16 مايو.. الأرصاد تحذر: أجواء شديدة الحرارة نهارا    محافظ الجيزة يكرم 280 عاملا متميزا بمختلف القطاعات    الاحتلال الإسرائيلى يواصل حصار قريتين فلسطينيتين بعد مقتل مُستوطنة فى الضفة    ماريسكا: جيمس جاهز لقمة اليونايتد وجاكسون أعترف بخطأه    ضمن خطة تطوير الخط الأول للمترو.. تفاصيل وصول أول قطار مكيف من صفقة 55 قطارًا فرنسيًا    زيلينسكي: وفد التفاوض الروسى لا يمتلك صلاحيات وموسكو غير جادة بشأن السلام    فقدان السيطرة.. ما الذي يخشاه برج الجدي في حياته؟    موريتانيا.. فتوى رسمية بتحريم تناول الدجاج الوارد من الصين    وزير السياحة يبحث المنظومة الجديدة للحصول على التأشيرة الاضطرارية بمنافذ الوصول الجوية    محسن صالح يكشف لأول مرة تفاصيل الصدام بين حسام غالي وكولر    افتتاح جلسة "مستقبل المستشفيات الجامعية" ضمن فعاليات المؤتمر الدولي السنوي الثالث عشر لجامعة عين شمس    محافظ الإسكندرية يشهد ندوة توعوية موسعة حول الوقاية والعلاج بديوان المحافظة    "فشل في اغتصابها فقتلها".. تفاصيل قضية "فتاة البراجيل" ضحية ابن عمتها    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    أشرف صبحي: توفير مجموعة من البرامج والمشروعات التي تدعم تطلعات الشباب    تحت رعاية السيدة انتصار السيسي.. وزير الثقافة يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الخامسة    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    عامل بمغسلة يهتك عرض طفلة داخل عقار سكني في بولاق الدكرور    إزالة 44 حالة تعدٍ بأسوان ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال26    مسئول تركي: نهاية حرب روسيا وأوكرانيا ستزيد حجم التجارة بالمنطقة    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    كرة يد.. مجموعة مصر في بطولة أوروبا المفتوحة للناشئين    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    تشكيل منتخب مصر تحت 16 سنة أمام بولندا فى دورة الاتحاد الأوروبى للتطوير    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    ترامب: الولايات المتحدة تجري مفاوضات جادة جدا مع إيران من أجل التوصل لسلام طويل الأمد    رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    تعديل قرار تعيين عدداً من القضاة لمحاكم استئناف أسيوط وقنا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    أمين الفتوى: لا يجوز صلاة المرأة خلف إمام المسجد وهي في منزلها    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر الشريف.. عندما يتحول الفنان لجسر بين ثقافتين
نشر في البوابة يوم 11 - 07 - 2015

لعل مسيرة الفنان المصري الراحل عمر الشريف في الفن والحياة تشكل نموذجا ملهما لمعنى الفن والفنان الذي تحول "لجسر ثقافي يربط بين الشرق والغرب".
وصاحب "الثلج الأخضر" و"السر الكبير" والحاصل على جائزة "الأسد الذهبي" لمهرجان فينيسيا السينمائي عن مجمل أعماله عرف في حياته الثرية بعض مشاهير الثقافة والفكر في الغرب مثل الفيلسوف الفرنسي الراحل جان بول سارتر، ومن الطريف أنه كان أيضا من كبار مشجعي فريق "هال سيتي" الإنجليزي لكرة القدم.
ونعت صحيفة نيويورك تايمز الممثل الكبير في فيلم "ليلة الجنرالات" و"صاحب الحضور الأنيق على الشاشة الكبيرة" والناطق بأكثر من لغة ولسان والواعي بالمعطيات الثقافية والمدرك للاختلافات بين السياقات الحضارية بما يمكنه من الأداء المريح لدوره في أي فيلم.
وكما توميء "نيويورك تايمز" إلى أن عمر الشريف كان مشاركا منذ فيلم لورنس العرب في صنع المشهد السينمائي العالمي في مركزه بهوليوود الستينيات فانها راحت تستعيد بعض أدواره في أعمال خالدة وذات قيمة ثقافية عالية مثل "سقوط الإمبراطورية الرومانية" و"الرولزرويس الصفراء" و"جيفارا".
ومن يطالع كبريات الصحف الغربية مثل "نيويورك تايمز" و"ذا جارديان" يمكنه أن يدرك مدى الدور الكبير الذي نهض به عمر الشريف لدعم التواصل والتفاهم بين ثقافات الشرق والغرب فيما تقول "ذا جارديان" إن هذا الفنان الكبير صاحب "دكتور زيفاجو" و"لورانس العرب" واحد من ثلة قليلة من الفنانين العرب الذين حققوا نجاحا على مستوى التيار الرئيسي في هوليوود.
ومن هنا حظى عمر الشريف باعجاب وتقدير أحد أقطاب السينما في الغرب وهو المخرج والمنتج البريطاني السير دافيد لين الذي قضي في لندن عام 1991 عن عمر ناهز 83 عاما تماما، مثل النجم المصري عمر الشريف الذي قضي في وطنه عن عمر مماثل.
ولئن كانت السينما المصرية قد قدمت في عصرها الذهبي نجوما مازال العالم يتذكر إبداعهم الفني وحضورهم الطاغي فإن عمر الشريف يظل الأشهر عالميا وهو الذي ترك بصمة لا تمحى في الثقافة الغربية وداخل هوليوود على حد تعبير مارلون براندو عراب السينما الأمريكية الراحل وأحد أعظم ممثلي القرن العشرين. اما المخرج الايرلندي جيم شيريدان فقد اعتبر أن عمر الشريف "يبقى بلا جدال أهم نجم سينمائي قدمه العالم العربي للدنيا كلها".
ومنذ أمس "الجمعة" تظهر تعليقات القراء على خبر وفاة عمر الشريف في المواقع الإلكترونية لكبريات الصحف الغربية شعورا بالتقدير الكبير لهذا الفنان المبدع الذي رشح لجائزة أوسكار عن دوره في فيلم "لورنس العرب"، وفاز غير مرة بجائزة جولدن جلوب الذهبية وحصل على شهادة تقديرية من جامعة هال عام 2010.
كما تكشف هذه التعليقات شعورا بالفقد لعمر الشريف الذي قضي بأزمة قلبية كقامة وقيمة فنية مع إشارات دالة على صراحته وابتعاده عن الغرور وهو الذي سلم في مقابلة مع صحيفة "ذا جارديان" عام 2004 بأنه لايمكنه أن يزعم أن كل أفلامه كانت روائع سينمائية فيما يولي أهمية واضحة لعنصر الحوار في الأفلام.
ولاريب أن تأمل مسيرة حياة عمر الشريف يكشف عن تكوين ثقافي ثري لهذا الفنان الذي درس بكلية فيكتوريا الشهيرة في الإسكندرية وانضم للمسرح المدرسي منذ كان في الثانية عشرة من عمره وكان زميلا للمخرج الكبير يوسف شاهين، الذي كان أول من أسند أدوار البطولة السينمائية لعمر الشريف وقدمه في فيلم "صراع في الوادي" لتبدأ مسيرته الكبيرة في الحياة والفن مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.
وأدى الشريف دور البطولة الأول في أفلام ناطقة بالإنجليزية بفيلم "لورنس العرب" بعد أن ظهر في أكثر من 20 فيلما مصريا، ومن الطريف أنه أفضى في مقابلة مع صحيفة "ذا جارديان" عام 2012 بمخاوفه التي ساورته بشدة عند قيامه ببطولة هذا الفيلم في هوليوود معتبرا بأخلاق تفصح عن قيمة الوفاء أن النجاح الذي حققه إنما يرجع للمخرج الكبير دافيد لين والذي وصفه "بالرجل العظيم".
وبعد نحو ثلاثة أعوام من هذا الفيلم أي في عام 1965 التقى عمر الشريف مجددا مع المخرج دافيد لين في فيلم "دكتور زيفاجو" الذي منحه مجددا جائزة جولدن جلوب الذهبية فيما كان قد قدم روائع أخرى على الشاشة الكبيرة مثل فيلم "جنكيز خان" وراح يتبارى فنيا مع مشاهير هوليوود مثل انطوني كوين وجريجوري بيك وصوفيا لورين ناهيك عن باربرا سترايسند التي قاسمته عام 1968 بطولة فيلم "فتاة مرحة".
وفيما قال الفنان العالمي أنطونيو بانديرس في سياق نعيه لعمر الشريف:"سوف أفتقده دائما"، وأضاف أنه "كان واحدا من أفضل الشخصيات" التي عرفتها، فإن صاحب "الوادي الأخير" و"بذور التمر الهندي" بالتأكيد أحد أهم من منحوا السينما المصرية مكانتها التاريخية المرموقة.
والسينما المصرية -كما تقول ذاكرتها الموثقة- حققت منذ ثلاثينيات القرن العشرين مكانة فنية وثقافية بارزة لمصر في محيطها العربي والإقليمي والقاري، بل أن الفيلم المصري كان موضع ترحيب في دور العرض السينمائي بدول مثل فرنسا واليونان وإيطاليا وبريطانيا والنمسا وألمانيا وسويسرا وحتى البرازيل فيما حظت السينما المصرية بمزيد من الحضور بفضل نجوم كبار كعمر الشريف.
ويوما ما قيل بحق في سياق مقاومة التطبيع إن مصر لا يمكن أن تخشى من الثقافة الإسرائيلية وإن العكس هو الصحيح بحكم التفوق الحضاري- الثقافي المصري وأصالته الضاربة في جذور التاريخ، ولاجدال أن الدراما المصورة المصرية كانت دوما صاحبة السبق في تلك المنطقة.
ومن هنا يقول المطرب الجزائري الأصل والعالمي الشهرة "الشاب خالد" أن مصر هي المدرسة الكبيرة التي يتعلم منها كل المطربين والفنانين العرب" واذا كانت هذه الدراما هي التي شكلت الوجدان المصري والعربي لسنوات طويلة فمن المفيد الآن استعادة ماقاله المؤرخ الأمريكي هوارد زن في كتابه "قصص لاتحكيها هوليوود ابدا" أن مهمة المبدع سواء كان يكتب أو يخرج أو ينتج أو يمثل في افلام أو يعزف موسيقى ليست فحسب الهام الناس وتقديم السعادة لهم وانما تعليم الجيل الصاعد أهمية تغيير العالم.
ولعل مسيرة عمر الشريف في الفن كانت تنطوي على فهم لهذه المقولة دون تكلف أو ادعاءات فارغة بقدر ما كانت هذه المسيرة بمثابة جسر ثقافي فني يربط مابين الشرق والغرب.
وإذا كان المخرج الإيطالي "انطونيني" هو صاحب مقولة "أكثر ما يثير انتباهي في هذا العالم هو الإنسان وتلك هي المغامرة الوحيدة لكل منا في الحياة"، فإن عمر الشريف لم يكن أيضا بعيدا عن هذا المعنى النبيل كما أن للدراما المصرية اليوم أن تركز على هذا الإنسان وأن تتطور أكثر خاصة أن الجماهير المصرية والعربية تؤازرها، إنها الجماهير التي تعشق "زمن عمر الشريف وفاتن حمامة " الذي ينساب على الشاشة كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة اقوى من الزمن والنسيان.
وهذه هي "شرعية عمر الشريف وقوته في الوجدان المصري والعربي وهكذا يمكن وصفه بلا مبالغة بأنه "من المقومات الوجدانية لأجيال من المصريين والعرب ككل من المحيط إلى الخليج"..فهو كزوجته السابقة فاتن حمامة التي دخلت عالم الفن السابع منذ أن كانت طفلة في السابعة من عمرها المديد بات جزءا من ثقافة رجل الشارع المصري الذي يهوى مشاهدة فيلم من افلام عمر الشريفوهو يشعر بالفقد والحنين لزمنه الجميل.
إنه زمن نجيب محفوظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف شاهين ويوسف إدريس ومصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وجمال حمدان وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وسيد مكاوي وعبدالكريم صقر وصالح سليم وصلاح أبوسيف وعشرات الأسماء الأخرى من أصحاب القامات العالية في المجالات الإبداعية المتعددة التي صنعت عن جدارة "القوة المصرية الناعمة" وصورة مصر كما يحبها المصريون ويهواها العالم.
وما زالت "أفلام الأبيض والأسود" لعمر الشريف تشكل واحة رومانسية لكل من يشده الحنين لعصر الرومانسية ويذوب شوقا لمرحلة ذهبية في الفن المصري امتزجت فيها ملامح الجمال الهاديء بألحان وأوتار وأنغام وأغاني عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي.. هل كان ذلك كله ماوصفته فاتن حمامة "بزمن الروقان"؟!!..هل كانت القبلات جزءا من "زمن الروقان" وهل تختلف قبلة فاتن حمامة وعمر الشريف الشهيرة في فيلم "صراع في الوادي" عن القبلات في زمن الوجبات السريعة ؟!....وهل لابد من القبلات؟!.
طريف هذا الكتاب الذي قد يقدم بعض الاجابات في بذخ اهتمام بالقبلات بعد رحيل سيدة الشاشة العربية التي كانت ترفض القبلات الا قبلة عمر الشريف!.. والكتاب الجديد الصادر بالانجليزية بعنوان "تاريخ القبلة: مولد ثقافة شعبية" يتناول فيه المؤلف مارسيل دانيسي وهو مؤرخ كندي في حقل الثقافة الشعبية القبلات من منظوره الثقافي.
وثمة أسئلة طريفة ودالة في هذا الكتاب مثل: "لماذا تحظى القبلات بكل هذا التأثير العاطفي القوى والدلالات الرمزية المفعمة بمعاني الحب"؟!.."ولماذا يتحول فعل هو بالمقاييس المادية البحتة غير صحي إلى فعل رومانسي جميل وبديع"؟!.
وهي اسئلة من وحي نقاشاته مع طلابه يعترف البروفيسور مارسيل دانيسي بأنها أثارت حيرته لأول وهلة مع أن الكتاب يقدم في الواقع إجابات بعضها يفتن الألباب !..وبالطبع كان لهذا الكندي المتخصص في الثقافة الشعبية أن يقلل من الشروح والايضاحات البيولوجية وهو يتناول "اصل القبلة".
وهاهو يتجه بدلا من ذلك للتركيز في كتابه على الجوانب الرومانسية للقبلة التي باتت في العصور الوسطى ترمز للحب الصادق في مواجهة التكلف أو العلاقات المفروضة عنوة..انها "القبلة التي جاءت بشيرا بعصر الاستقلال الرومانسي" على حد التعبير الطريف لمارسيل دانيسي فيما باتت قبلة فاتن حمامة وعمر الشرف في خمسينيات القرن العشرين جزءا لايتجزأ من "مذهب الرومانسية المصرية".
ولكن البروفيسور دانيسي ذهب بعيدا في حماسه للقبلات لحد أنه يتحدث عن "الآثار المزلزلة للقبلات وسطوتها على القصص والحكايات حتى انها اسهمت في مولد الثقافة الشعبية ذاتها"..تقاليد الحب العذري كما يقول مؤلف الكتاب كانت التجلي الأول للكتابات الثقافية الشعبية وقد مضى في تقصي مواضع القبلات عبر الأدب مثل القبلة القاتلة في رائعة وليام شكسبير "روميو وجولييت".
وكذلك راح مارسيل دانيسي يتقصى ويسرد تاريخ القبلات عبر الصور وافلام السينما كما هو الحال في قبلة الممثل الأمريكي ليوناردو دي كابريو وكيت وينسليت في فيلم تيتانيك، ولعله لو رأى الفيلم المصري الشهير "صراع في الوادي " وعرف مااثارته قبلة عمر الشريف وفاتن حمامة من جدل لأدرجه على نحو ما في هذا السياق قبل أن يواصل مسيرته للقبلات في العصر الرقمي أو الحب في زمن الإنترنت!.
وإذا كان عمر الشريف قد ارتبط بأقوى علاقات الصداقة مع الفنان أحمد رمزي ومايسترو الكرة المصرية الراحل صالح سليم فإنها عرف أيضا النجم عادل امام الذي شاركه بطولة فيلم "حسن ومرقص" فيما حق له أن يصف رحيله "بالخسارة الكبيرة للفن العربي والعالمي".
إنه عادل امام الذي تساءل بإعجاب في مهرجان سينمائي عقد بمراكش منذ فترة ليست بالبعيدة:"ماهذا الاختراع الرائع، السينما العظيمة التي دخلنا في اعماقها ومن خلالها احببنا الخير وكرهنا الشر، رأينا الطباع الإنسانية الجميلة " ؟! وكأنه في الواقع يتحدث عن جوهر السينما أو "الفن السابع" الذي كان عمر الشريف من افضل من فهموا ماهيته ودوره الكبير في بلاد "الفن فيها متأصل من ايام الفراعنة" معيدا للأذهان أن "السينما المصرية هي ام السينما العربية".
ولئن كان فيلم يحقق نجاحا كبيرا في الغرب مثل "جتسبي العظيم" المأخوذ عن رواية كتبها فرانسيس سكوت فيتزجيرالد يعيد للأذهان العلاقة الوثيقة بين الأدب والسينما والدور الذي يمكن أن تقوم به الرواية في رفد الفن السابع بكل ماهو مثير للدهشة ومحقق للنجاح حتى بالمعايير التجارية التي باتت مهيمنة بشدة على السينما المصرية فان فيلم "دكتور زيفاجو" وهو علامة في مسيرة عمر الشريف اخذ أيضا عن قصة للأديب الروسي بوريس باسترناك.
فالروايات والقصص العظيمة تشكل معينا لاينضب للسينما مثل "دكتور زيفاجو" حيث يتجلى عنفوان هذا النوع الأدبي وحضوره بالتلاقح الابداعي بين الكلمة المكتوبة والأطياف الساحرة على الشاشة الكبيرة.
ولئن كان عمر الشريف بتواضعه العظيم لم يزعم أنه صاحب رؤى ثقافية عميقة فإنها في الحقيقة كان يمتلك هذه الرؤية بعفوية وأصالة كما أن الساحة الفنية المصرية عرفت دوما مثقفين وأصحاب رؤى عميقة مثل المخرج الراحل يوسف شاهين والممثلة محسنة توفيق والراحل العظيم محمود مرسي والفنان حمدي أحمد والممثل المبدع يحيى الفخراني.
وعرف عمر الشريف بعلاقاته الوثيقة بعدد من أبرز المثقفين والفنانين مثل أنيس منصور ونجيب محفوظ وصولا لوزير الآثار الأسبق زاهي حواس الذي قال إن هذا الفنان الكبير قضى في مصحة لرعاية كبار السن بمنطقة حلوان وكشف عن أنه كان قد امتنع عن الطعام والشراب خلال الأيام العشرة الأخيرة في حياته الحافلة بالمدهشات والعطاء.
وإذا كان عمر الشريف قد أحجم عن الانصياع لرغبة والده في العمل مثله بتجارة الأخشاب، فيبدو أن الفنان الحقيقى يحمل في جيناته الثقافية نوعا من الاحتجاج أو التمرد على حد الوصف الذي استخدمه مارك ايليوت كعنوان لكتابه عن السيرة الذاتية للفنان كلينت ايستوود وهى السيرة التي صدرت مؤخرا بعنوان:"المتمرد الأمريكى".
وفنان مثل عمر الشريف بحاجة لكتب على مستوى رفيع مثل هذا الكتاب عن كلينت ايستوود بطل الفيلم الشهير "من أجل حفنة دولارات" والذي عرف بمواقفه المعارضة للرئيس الأمريكي باراك أوباما ومع ذلك فقد قال أوباما أنه من أكثر المعجبين بكلينت ايستوود "فهو ممثل ومخرج عظيم أيضا " معربا عن اعتقاده بأن افلامه الأخيرة تعتبر افلاما رائعة.
ومن المنظور الثقافى يبدو جليا أن المنجز الفنى الثرى لعمر الشريف والذي تضمن الكثير من الأفلام الرفيعة المستوى والمشوقة في آن واحد ومن هنا استحق هذا الفنان الكبير كتبا جادة تشكل إضافة لثقافة الفن وتقدم دروسا للأجيال الصاعدة.
أن تاريخ الفن السابع لن ينسى عمر الشريف كما لن ينسى اسماء مصرية مثل فاتن حمامة ويوسف شاهين وشادي عبد السلام وصلاح أبو سيف وسعيد مرزوق وصلاح مرعي الذي كان أحد اعظم مهندسي الديكور في السينما المصرية أن لم يكن السينما العالمية.
عمر الشريف: "المسافر" وصاحب "ايوب" و"السيد إبراهيم وازهار القرآن".. ما أروع النموذج الإنساني الطيب الذي زرعته في الأفئدة وماأحلى صورتك العذبة في ذاكرة الملايين وماأعذب جسرك الثقافي الواصل بين الشرق والغرب ليبلسم آلام الناس !!.... شكرا لمن شيد لنا عالما فاتنا جذابا وعلمنا الافتتان بكل ماهو جميل وباق..شكرا لمن اسهم بابداعه في صنع زمن جميل لايبارح القلب !..شكرا لمن رحل بالجسد لكنها ترك لنا مذهبا كاملا في الحياة وجسرا من المحبة يربط بين ثقافتين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.