عندما قررت «البوابة» فتح ملف وصف مصر، كنا على علم تام بأن كنوز هذا البلد العريق لا تنضب، وأننا لا نعرف سوى النزر اليسير جدا من تاريخها الذى تحكى فصوله كل حبة رمل على أرضه. هذه الحقيقة جعلتنا نطوف حول كعبة الوطن، أملا فى اكتشاف أسرار الزمان وعبقرية المكان، وفهم طبيعة الإنسان، ذلك العملاق الذى بنى حضارة قادت الدنيا يومًا، وتحدث التاريخ عنها حتى خضع بين يديها مستسلما منذ خمسة آلاف عام. خاضت «البوابة» التجربة، فوقفت عند المدخل الجنوبى لمصر تسجل عجائب المجتمع النوبى وروعته، مخترقة حجب الحياة الصعبة فى مدينة حلايب والشلاتين. ومن هناك عدنا إلى حيث الشمال الساحر وتحديدا عند المدينة الأكثر إثارة للجدل على البحر المتوسط، وهى بورسعيد، المدينة الباسلة بلد أبو العربى. لكن هل يمكن أن تكتمل ملامح الشخصية المصرية، أو يصبح «وصف مصر» مصطلحا أمينا، دون الحديث عن القلب؟ وهل يمكن أن يكون هذا القلب غير الفلاح؟! وهل يمكن الحديث عن الفلاح المصرى الذى يمتد تاريخه متوازيا مع التاريخ، إلا بذكر محافظة الشرقية، أم الفلاح المصرى، وسيدة الدلتا. كثيرون هم من لا يعرفون عن الشرقية سوى أنها البلد الذى «عزم أهلها ركاب القطار على الإفطار»، لكن هناك الكثير من الكنوز التى يضمها تاريخ هذا البلد العريق؛ لذا كان لابد من الانطلاق خلف مفاتيح الشخصية الشرقاوية، التى تعد سرا من أسرار هذا الوطن. ذهبت إلى هناك وفى ذهنى تساؤلات عدة، هل مازال الريف يحافظ على هويته وبيئته الجغرافية وتركيبته السكانية؟! أم أن طموحات الريفيين الجدد مع جراح الريف الغائرة، عصفت بهويته وغيرت كل شىء؟! ولماذا لم تخطط الحكومة للحفاظ على طراز القرية المصرية. ويبقى السؤال الأهم على الإطلاق، وهو: لماذا أصبحت الشرقية على وجه الخصوص معقلا للإخوان، وجامعتها مفرخة لهم، وتربة خصبة للسلفيين ومرتعا للتكفيريين وهوسًا للصوفيين وزاوية للشيعة؟ وكيف يمكن لبلد واحد أن يحوى فى مجتمعه كل هذه الأفكار المتناقضة أحيانا، والمتعارضة غالبا؟. منذ الوهلة الأولى لوضع قدميك على تراب أول قرى ريف الشرقية المبهر، يخالجك انطباع بأن الريف المصرى صار موطنا لعقول معطلة وأجساد أنهكها المرض، وتكشف عن أن الريفيين صاروا أبعد الناس عن تقاليدهم، بعد أن زحفت إليهم المدنية ووطأت بأقدامها الثقيلة أرواحهم فمسختها، فصار الجد مختلفا عن الأب، وكلاهما لا يشبه أبدا الابن الذى بات واحدا من الريفيين الجدد، لا سيما فى ظل انتشار الإنترنت وتوغله فى كل بيت، وهو الأمر الذى كان سببا فى التغير الهائل فى حياة أبناء الريف وبخاصة الشباب، وظهر من يمكن أن نطلق عليه «الفلاح الكيوت»، وهو ذلك الذى لا علاقة له بمعنى كلمة الفلاح، وإنما هى صفة اكتسبها، بسبب انتمائه إلى عائلة من الفلاحين، بينما هو تحوّل إلى شخص بلا هوية. وينقسم ريف الشرقية إلى قسمين، الأول وهو الجزء الشمالى من الإقليم الذى ما زال يحتفظ بعذريته الريفية، ويضم مدن «ههيا وأبوكبير، والإبراهيمية، وكفر صقر، والحسينية، وفاقوس وصان الحجر»، وبه قرى وعزب سقطت من حسابات الدولة وأجهزتها كقريتى «غصن الزيتون» و«أكياد»، وهناك القسم الجنوبى الذى صار ريفا مدنيا تملكت منه المبانى الشاهقة فأخفت طبيعة ساحرة بديعة ويضم «بلبيس، أبوحماد، منيا القمح، مشتول السوق»، وهى المراكز الأكثر قربا للقاهرة، إذ لا يفصلها عنها سوى 60 كيلومترا. ملامح الريف الأصيل هى أول ما تشاهده فى شمال الشرقية وتحديدا فى الحسينية، حيث الخضرة اليانعة على مدد الشوف، والمياه الجارية وزقزقة العصافير، وسط الشجر والبيوت المبنية من الطمى، وهؤلاء الذين يعملون وسط الحقول والزراعات كخلايا النحل، فالأسرة (الزوج والزوجة والأبناء) تتجمع فى موسم الحصاد، وكل منهم له دور، وهو ما يتعلم منه الأطفال المسئولية، والتعاون والاعتماد على النفس، وهو ما يفسر انعكاس البيئة على الشخصية، مما أنتج لنا مشاهير فى الفن والأدب والسياسة. الحاج عبدالعزيز البطل، موظف، 40 سنة، يشعر بخيبة أمل من حال الريف هذه الأيام، قائلا: «إن أغلب البيوت أصبحت تُبنى بالطوب الأحمر والأعمدة الأسمنتية، وحولها تزرع الأشجار وهو ما بدل نشاط الناس ونمط المعيشة، فانشغلوا بالتجارة والأنشطة الأخرى، بعد أن باع معظمهم أرضه، ليفتح محلا أو يشترى سيارة أجرة، فى حين أصبحت البيوت حتى تلك التى ظلت من الطين باتت مجهزة بالوسائل الحديثة». وفى أثناء التجول بالقرية وجدنا منزلا من الطوب اللبن مكونا من طابق واحد، وبجواره منزل من عدة طوابق على الطراز الحديث، اقتربت ومعى الحاج عبدالعزيز، الذى أخذ يصفق على يديه وينادى «يا أهل الدار.. دستور يا أسيادنا»، فهكذا ينادى الجار على جاره، رغم أن أبواب البيوت مفتوحة على مصراعيها. خرجت إلينا سيدة مسنة، تدعى محاسن، رحبت بنا وأصرت على أن ندخل معها إلى المنزل المكون من ثلاث غرف، تفتح على صالة «الدهليز»، وجلسنا فى المندرة المخصصة للضيوف والغرباء، وعرفت منها أن الحجرة من الداخل تسمى القاعة، وأن نهاية المنزل بها حظيرة المواشى والطيور، وبادرتنا الست محاسن قائلة: «ده خير البيت بنلاقى بيضة حتة الفرخة بدل ما نشترى بالغلا والكوا، وبعدين بابعت لبناتى فى المواسم». وتطوع الحاج عبدالعزيز ليشرح لى أن «الموسم» عبارة عن عادة اجتماعية تحرص عليها الأسرة الريفية، وخلاله ترسل الأسرة إلى البنت منذ لحظة زواجها خزينا للمنزل من مختلف اللوازم (الطيور، الغلة، الحلويات، الفاكهة) فى المناسبات مثل عاشوراء والمولد النبوى، وشهور رجب وشعبان ورمضان، وكذلك فى العيدين، وهى عادة متوارثة، ويتولاها الأخ تجاه أخواته بعد وفاة الأب والأم». فجأة ظهرت علامات التأثر على ملامح الست محاسن وقالت فى حزن وحسرة: «ريف إيه يا بنتى اللى جاية تدورى عليه هو ده ريف»، وتنهدت بعمق للحظات استدعت خلالها شريط ذكرياتها القديمة مضيفة: «فين احنا من ريف زمان اللى مابقاش فى حاجة منه دلوقتى وكل شىء طعمه تغير، علشان الريف نفسه انقلب حاله، والفلاح بقت ذمته واسعة، وبقى يغش كل حاجة، ما هو كمان حاله اتعوج زى كل حاجة ما اتعوجت فى البلد، ومافيش بركة فى أى حاجة»، وتابعت: «الناس أهملوا الزراعة وبقى شغلهم الأول المبانى والمشاريع، شوفى زمان كنا ناكل الفاكهة لها طعم وريحة، دلوقتى الفاكهة مغشوشة وتجيب المرض، والناس استغلت فترة الثورة وبوروا الأراضى الزراعية، وبنوا عليها، واللى عنده بهيمة باعها وجاب توك توك». لم تكد محاسن تكمل جملتها الأخيرة، فإذا بنا نفاجأ بصوت أوكا وأورتيجا يدوى فى آذاننا، منطلقا من توك توك مر بجوار المنزل، ودفع هذا الست محاسن إلى الحديث عن أن التوك التوك والتروسيكل اللذين صارا حلم كل الفلاحين البسطاء، وأنه حل محل الحمار الذى كان وسيلة المواصلات الوحيدة داخل العزب والقرى والبلاد، وأضافت: «دلوقتى اللى عايز يروح السوق ياخد توك توك، واللى عايز يروح الغيط ياخد التوك توك، واللى عايز ينقل حاجة يركب التروسيكل». غادرنا منزل الست محاسن بعد أن شكرناها على حسن الضيافة، وفى أثناء السير فى قلب القرية، وجدنا الشىء الوحيد الذى لم يتغير هو الهواء الذى ما زال محملا بروائح الماشية ومخلفاتها، ودخان حرق بعض فروع الأشجار من قبل بعض الفلاحين، وتحدث لنا الحاج عبد العزيز عن أهم ما يتمتع به الريف من عادات فى المناسبات الاجتماعية المختلفة. من أهم العادات التكافلية بين الفلاحين فكرة النقوط فى الأفراح وفى المناسبات المختلفة، فلا يمنع الجار عن جاره شيئا، ويتبادلون المجاملات فى مناسبات الفرح، والنقوط إما مالى وإما عينى، وهناك أشياء تحملها السيدات بعضها لبعض، ويتم رد النقوط فى مناسبات شبيهة، لكن يجب أن يرد بزيادة، فإذا تم رد النقوط بنفس القدر فإن هذا يعنى أنهم يرفضون التواصل مرة أخرى. عروسة الحسد عروسة الحسد هى عروسة من الورق يعتقد أنها تبعد ضرر العين الحاسدة، ويغرز فيها الإبر مرات عديدة مع ذكر: «من عين اللى شافوك ولا صلوا على النبى»، ثم يتم ذكر أسماء كل من يتوقع أن يكونوا من الحسادين، ثم يُبخر المحسود بهذه الورقة مع الملح والفسوخة، ويمر عليها المحسود ويجب على المحسود أن يرتدى (الفانلة الداخلية) بالمقلوب. السبوع يوم الشموع السبوع هو يوم الاحتفال بمرور سبعة أيام على ميلاد الطفل، وهناك مجموعة من العادات التى تحكم هذا اليوم المبهج، ويمر بها كافة المواليد، ويبدأ دائما عقب صلاة المغرب يتم فيها إشعال الشموع لاختيار اسم المولود، وتوزيع لحوم العقيقة، وهى طقس إسلامى يتم من خلاله الذبح والتوزيع على المحتاجين، ومن أول طقوس هذا اليوم استحمام الطفل لأول مرة منذ ولادته، وأن يرتدى ملابس مستعملة (شحاتة)، خوفا عليه من أذى القرين، بحسب المعتقد الريفى، وتقوم «الداية»، حتى ولو لم تكن هى من قامت بتوليد السيدة، بغسل الطفل فى المياه مساء اليوم السابع مستخدمة الطشت، بعد أن توضع به «قُلة» إذا كان المولود فتاة، و«إبريق» إذا كان ذكرا، وتوضع حبات الفول حتى تصبح لينة ويتم عمل سبحة منها وتعلق على صدر المولود ومنها «الحرز» ويلقى الحضور بالعملة المعدنية «نقوط السبوع»، فى مياه الاستحمام من كل من يزور المولود، وفى النهاية تكون من نصيب الداية، وبعد ذلك يتم تكحيل الطفل، سواء كان ذكرا أو أنثى بكحل الحجر الأسود، بعد استحمام الطفل، وذلك عن طريق غرس الكحلة فى البصل، ثم وضع الكحل عليها، ثم يكحل به الطفل رغم صراخه، اعتقادا أن التكحيل يساعد على اتساع العين وطول الرموش. كما أن لكل شىء فى الحياة الفلاحى طقوسا فإن للوفاة أيضا طقوسا تبدأ عند لحظة الموت، ولا تنتهى بانتهاء مراسم الدفن، حيث يشهد اليوم الثانى للوفاة الخروج على المتوفى، ويكون اليوم الثالث هو يوم الغسيل، وفيه يتم غسل ملابس الميت، لاعتقاد أهله أن روحه تظل معلقة فى ملابسه، وأنها تصعد فى اليوم الثالث، لذا لا يتم غسل الملابس قبل هذا اليوم، وتعتبر زيارة القبور بالشرقية طقسا يمارسه الجميع، ويصطحبون فيه الأطفال، ويوجد بالمقابر الباعة الذين يتنقلون بين الموالد، حتى يستفيدوا من رحلات الأسر إلى المقابر، خصوصا فى الخميس الصغير وهو ثانى خميس بعد الوفاة. وهناك الخميس الكبير، والأربعين، الذى تجرى فيه الزيارة بمناسبة مرور أربعين يوما على الوفاة، ويأخذ الأهل عددا من الأسبتة، ويحرصون على أن يكون العدد فرديا وغالبا سبعة أسبتة، ويضعون فيها القرص (القبورى)، والتمر لتوزيعها على الموجودين بالمقابر أو القرافة، كما يطلقون عليها، ويوجد الفقى، وهو المقرئ المتخصص بالمقابر ويقرأ على المتوفى سورة ياسين، مقابل الفطير أو التمر وأحيانا مقابل النقود، ويمر على القبور ليبحث عن أهالى المتوفين، وأحيانا يفرض نفسه وبخاصة أن هناك مجموعات منهم يمتهنون هذه المهنة، ويتنافسون على الزبائن بلا حرج، ويخرج الفلاحون للمقابر فى المناسبات الدينية، فى وقفة العيدين وعاشوراء وليلة النصف من شعبان مصطحبين الأطفال فيما يشبه الاحتفالية. وللعزاء أيضا طقوسه الخاصة، فلكل عائلة دوار أو رحبة وتسمى الآن «دار مناسبات»، ينصب بها صوان العزاء والذى يستمر ثلاثة أيام، والغريب أن الفترة الأخيرة وبخاصة مع انتشار الفكر السلفى، والتعصب الدينى فى الريف، أصبح هناك من يحرم العزاء، وبالتالى تقوم مكبرات الصوت فى أثناء نعى المتوفى بتحديد أن مكان العزاء قاصرا على تشييع الجنازة دون إقامة سرادق، رغم أن ذلك يعتبر نقيصة فى حق عائلة المتوفى. ومن العادات الطيبة فى القرية مشاركة جيران المتوفى لعائلته فى إطعام المعزين والمقرئ، لا سيما القادمين من سفر بعيد، ومن عاداتهم عدم الإبقاء داخل منزل المتوفى على الخبز أو اللحم، ويتم توزيع الفائض على الفقراء، ومن العادات القديمة، والتى بدأت فى الانقراض بالقرية الريفية أن أهل المتوفى لا يشاهدون التليفزيون أو يسمعون الأغانى أو يضيفون الزهرة الزرقاء إلى الملابس البيضاء أو يقيمون الأفراح والمناسبات، قبل مرور عام على الوفاة، لكن الأمر الآن أصبح بعد الأربعين فقط. تلتقط طرف الخيط سيدة تبلغ من العمر 70 سنة تسمى فاطمة كانت من بين من يستمعون لما يرويه الحاج عبد العزيز البطل، وتحكى قصة ما يعرف بفتح الكتاب، مؤكدة أنه من عادات الفلاحين، حيث يتم أخذ قطعة من ملابس الفرد بشرط أن تكون غير مغسولة وبها رائحته وتسمى «الأتر»، ومن خلال اسمه واسم والدته وشهر ميلاده العربى، ويتم بهذه الإجراءات فتح كتاب الشخص ومعرفة طالعه، وما أصابه من مكروه، يتم فتح الكتاب بمعرفة شيوخ متخصصين. ويلجأ الأهالى إلى فتح كتاب من يمرضون فجأة وتتغير أحوالهم فيفتحون لهم الكتاب لمعرفة ما جرى، ويمكن فتح كتب الأطفال الذين يبكون كثيرا دون سبب، أو الذين يقعون على أعتاب المنازل، فهم يعتقدون أن لكل شخص قرينا يسكن معه وقد يحافظ عليه أو يؤذيه، لذلك عندما يقع الطفل يقولون «اسم الله على اختك قبلك»، ويعتقدون أنه عندما سقط على عتبة المنزل أصبح متعارضا، أى خطا فوق جنى، وهم يعتقدون عدم جواز الاعتداء على القطط ليلا، لأن هذا يجلب الأذى، لأنهم يعتقدون أن الجان يتشكل على هيئة القطط ليلا، كما يرفضون سكب المياه الساخنة على الأرض دون التسمية باسم الله حتى لا يقع الماء على جنى فيؤذيه، وهى جميعا حالات علاجها فتح الكتاب. ومن الأشياء الغريبة أنهم يخشون من كثرة النظر فى المرآة وخاصة الفتاة الجميلة، ويرددون حكاية السيدة التى كانت معجبة بجمالها وتطيل النظر بالمرأة، فخرج لها جنى من المرآة وطلب منها الزواج، وألا تبوح بالسر لأحد حتى لا يؤذيها، لكنها باحت بالسر فماتت. عدية يس طقس يستخدمه القرويون بالشرقية فى حياتهم، وهى من الموروثات، تحدثنا مع الشيخ على أبو سيدنا، الذى لديه فريق يضم أكثر من شيخ يقرأون عدية يس مقابل 600 جنيه معروف عنه الطيبة والورع، ويمتلك صوتا رائعا فى قراءة القرآن الكريم يلجأ إليه كل من سرق أو تعرض لظلم أو إتلاف شىء أو شكوى كيدية للانتقام له بقراءة عدية يس، يقول الشيخ إن لكل شىء قلب وقلب القرآن يس وفضل سورة يس معروف ولكل حرف من أحرف القرآن ملك وجن يسمى «خدام الآية» وعدية يس تحتاج أكثر من شيخ، فهناك يس الصغرى وتُقرأ 11 مرة، ويس الوسطى وتُقرأ 22 مرة، ويس الكبرى وتُقرأ 53 مرة، ولا بد من قراءتها قراءة صحيحة، ويجب أن يكونوا على طهارة، ولها دعاء، وحينما يأتى شخص طالبا منى قراءة عدية يس أطلب منه أن يخبر أهل البلدة عبر مكبرات الصوت، قائلا إن فلان سيقرأ عدية يس مثلا على من سرق، وفى غالب الأحوال يجد الشىء المسروق متروكا فى مكان قريب من منزله، وأطرف الحكايات فى البلد شخص معروف عنه أنه يقوم بعمل شكاوى كيدية فى الموظفين بمجلس المدينة، فقرر أحد الموظفين قراءة عدية يس، فتعهد بعدم القيام بهذه الفعلة مرة أخرى، ويتناقل الأهالى حكايات عن أشخاص أصيبوا بأمراض وماتوا بسبب قراءة عدية يس عليهم، لذا يُصاب الشخص برعب حينما يقال له سأقرأ عدية يس. أما كنس مقامات الأولياء فيلجأ إليها من يشعر بالظلم ضد من ظلمه، وغالبا ما تتم يومى الأربعاء والجمعة، ويخاف الفلاح ويرتعد حينما يقول له شخص «هاكنس عليك المقام»، ويتم كنس المقام بمقشة من جريد النخل، بحيث يتطاير التراب فى أثناء الكنس، ويخيم على المكان الغبار، فيعتقد أنه بذلك سيحدد الظالم الذى سيدخل التراب بعينه، وأنه سيعترف سريعا بما فعله ويعاقب. وتواصل الحاجة فاطمة حديثها بتوضيح أن طاسة الخضة هى إناء نحاسى يشبه الطبق يحفر عليه نصوص وطلاسم وتعويذات، ويعتقدون أنها من الممكن أن تشفى من الأمراض، والمس واللبس والسحر والخوف وبعض الأمراض النفسية كالصرع، ويوضع بها ماء أو تمر أو حليب، ثم تعرض فى أثناء الليل للندى، ويشرب منها المريض فى الصباح ويتكرر ذلك ثلاث مرات. ويتناقل الأهالى خرافات وأساطير عن الأماكن الأثرية، فهناك منطقة محاطة بسور يسمونها «السادات»، ويعتقدون أن بها ديكا حجريا، يخرج كل عام ويؤذن للفجر، وهم يخافون من هذه المنطقة وينسجون حولها حواديت الجان والعفاريت. بنت حكمون هى تمثال تل بسطا للسيدة العاقر وكانوا يذهبون بأبريق ويستحمون تحت تمثال سيدة فرعونية، وتمثال رمسيس، ويكسرون الإبريق بعدها، ولا بد أن يكون معها سيدة أخرى من قريباتها تحمل لها البشكير بجوار بئر يعتقدون أنه شرب منه السيد المسيح خلال رحلته المقدسة.