بعد أن خابت محاولة اغتيال الرئيس مبارك التي تعرض لها في أديس أبابا في بداية التسعينيات، سعى له الجميع ليقدموا له التهئنة بسلامة النجاة، وكان من بين هؤلاء علماء الدين، الذين وقف بينهم الشيخ محمد الغزالى ليقول للرئيس مبارك: «لقد ضحكت الأقدار عندما خاب الشيطان، وعندما تمخض تآمرهم عن ضياع، وشاء الله أن نلتقى هنا لكى تقدم الأفئدة عما أكنه الله فيها، كى نؤدى واجب الشكر لمن يستحق الشكر». هذا هو المشهد الذي دار أمام الناس، وبدا فيه الشيخ محمد الغزالى رقيقا رفيقا بالرئيس مبارك، لكن ما دار خلف الكواليس أمر آخر، حكاه الشيخ الغزالى لصديقه الدكتور محمد سليم العوا، كما تؤكد ذلك مواقع إلكترونية عديدة، أي أن الشاهد الوحيد عليها هو الدكتور العوا الذي طلب منه الغزالى ألا يحكى ما جرى إلا بعد وفاته. فبعد انتهاء الجميع من الكلام طبقا لما جاء في هذه الرواية جاء مندوب من مكتب الرئيس ليطلب من الشيخ الغزالى والشيخ الشعراوى، والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر اللذين سبقا الشيخ الغزالى بالكلام أمام الرئيس، فانتظروا في غرفة جلسوا فيها ودخل الرئيس مبارك عليهم. كان المكان الخالى على أريكة في ناحية فيها الشيخ الغزالى، وجلس الرئيس في الناحية الأخرى، وبعد مجاملات معتادة قال الرئيس للشيخ الغزالي، وهو يربت على ركبته: ادع لى يا شيخ غزالى، أنا حملى ثقيل، أنا مطلوب منى كل يوم الصبح أوكل سبعين مليون. قال له الشيخ الغزالى مندهشا: ماذا تقول يا سيادة الرئيس؟ أعاد الرئيس ما قاله مرة ثانية: أنا مطلوب منى كل يوم أوكل سبعين مليون. يقول الغزالى: وجدت نفسى أقول له: الله هو الذي يرزق الجميع ففى السماء رزقكم وما توعدون. فرد الرئيس: أنا أتكلم عن المسئولية التي علىّ. فقال الغزالى: إحنا كلنا في إيد ربنا. وضع الرئيس مبارك يده على ركبة الشيخ وقال له: استنى يا شيخ محمد، استنى، أنت يمكن مش فاهمني. فقال له الغزالي: يا سيادة الرئيس، الله يقول: (وفى السماء رزقكم وما توعدون). ويقول:(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، ويقول: (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون). نظر الشيخ محمد الغزالى إلى الشيخين الشعراوى وجاد الحق، فوجد أكبرهما سنًا قد أسند ذقنه على عصاه، وأغمض عينيه، ووجد أكبرهما مقامًا قد أسند رأسه إلى مقعده وأغمض عينيه تحت نظارته التي نصفها ملون ونصفها الآخر أبيض. يقول الشيخ الغزالى: قمنا لنخرج فأوصلنا الرئيس إلى باب السيارة، فأسرع أحد الشيخين فجلس إلى جوار السائق، ودار الثانى ليركب من الباب خلف السائق، وكنت أنا أبطأهم خطوة، فمشى الرئيس إلى جوارى حتى بلغنا باب السيارة فمددت يدى لأفتحه، فإذا بالرئيس يسبقنى ليفتحه لى، فحاولت منعه من ذلك، وأمسكت بيده وقلت له: أرجوك يا سيادة الرئيس لا تفعل، فقال: هذا مقامك يا شيخ محمد... أنا والله أحبك يا شيخ محمد ادع لى. لا يمكن أن تصدق هذه الرواية جملة ولا تفصيلا، فهى تخالف المنطق، قد يكون هناك من يصدقها، إن الرواية كما يحكيها مريدو الشيخ الغزالى ساخنة وملتهبة ومثيرة وفيها من الكلام ما لا يليق، وقد ترددت في نشرها لأننى لا أثق في تفاصيلها، من ناحية أن الظرف الذي قيلت فيه لم يكن مناسبا، فهؤلاء رجال ذهبوا ليباركوا نجاة الرئيس، فليس طبيعيا أن يغلظ أحدهم له القول. ثم وهذا هو المهم أن هناك من يرغب في صنع مواقف أسطورية لا مكان فيها للحقيقة، وهى حيلة في الغالب إخوانية، ورغم أن الشيخ الغزالى ترك جماعة الإخوان مبكرا جدا، إلا أنه كان له مريدون ودراويش داخل الجماعة يظنون فيه وفى قدرته على مواجهة السلاطين. وليس بعيدا أن يكون هذا الموقف كله من خيال أحدهم، ونسبه إلى الشيخ الغزالى، دون أن يكون حدث أو أن الشيخ يعرف عنه شيئا من الأساس. لقد كانت كلمة الشيخ الغزالى هي الأضعف في الكلمات التي ألقيت في مناسبة نجاة الرئيس، وقد يكون هناك من أراد أن يعزز موقف شيخه بأن وضع على لسانه هذه المواجهة التي لا تزال في حاجة إلى تحقيق خاصة أن هناك من استأمنه الشيخ الغزالى عليها وهو الدكتور العوا. فهل يتحدث أم يظل هكذا صامتا، يسرب الحكاية في جلسات خاصة لتنتشر بعد ذلك فتكون حكاية عرفية أكثر منها حكاية موثقة؟. ثم إن هناك سببا مهما آخر يجعلنا لا نصدق هذه الحكاية من الأساس، فعلى موقع اليوتيوب تسجيل كامل للواقعة، فعندما خرج المشايخ من على المسرح الذي خطبوا فيه أمام الرئيس، لم يتجهوا إلى غرفة خاصة، ولكنهم خرجوا على الفور، فعلى ما يبدو أن وفود المهنئين لم تترك فرصة لأحد أن ينفرد بالرئيس ولو لدقائق قليلة.