«البوابة» التقت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حيث أبدت بعض التحفظ حول قضايا المرأة المعاصرة، فهي ترى أنه ليس من حقها تولى مناصب قيادية حتى لا تنشغل عن أسرتها، فضلًا عن إلقائها اللوم على المرأة في انتشار «التحرش». ■ بداية.. كيف تقيمين وضع الحرية في مصر بالنسبة إلى المرأة؟ - أعتقد أن هناك خلطا كبيرا في مفاهيم الحرية بالنسبة للمجتمع المصرى، فهو لا يفرق بين الحرية والانحلال، فالحرية أصبحت إما إلحادًا أو شذوذا أو عريا، فمعظم النساء أصبحن يعتقدن أن الحرية هي أن يسرن عرايا والشياطين تنهش في أجسادهن، وتقولك «اللى مش عاوز يشوف هو اللى يغمض عينيه»، حتى إن مفهوم الحرية بالنسبة للمرأة أصبح مستوردًا. ■ ماذا عن وضع المرأة على مستوى تولى مناصب حكومية أو غيره؟ - أنا أرى أن الله عز وجل خلق الرجل والمرأة لكى يكونا نواة لأسرة، مما يترتب عليه التناسل والإنجاب بهدف تعمير الأرض، ودور الرجل تحدد في سورة «آدم» في قول الله عز وجل: «فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى»، فهو خص الرجل بالشقاء، رغم أن الجزء الأول من الآية تحدث بصيغة المثنى لكليهما، لكن «الشقاء» للرجل لأنه هو الذي سينفق ويتولى أمور الأسرة المادية، ومن ناحية أخرى فإن دور المرأة جاء في سورة «الروم»: «ومن آياته أن خلق لكم أزواجًا لتسكنوا إليها».. إذًا وظيفة الأنثى هي تهيئة سبل الراحة لزوجها حتى يستطيع التغلب على مصاعب الحياة، ولذلك من الصعب أن تتولى المرأة بعض الوظائف الصعبة، والمناصب القيادية لأنها ستنشغل إما عن أسرتها وبيتها بإدارة أمور منصبها، إما ستنشغل عن مكانتها ودورها بأسرتها. ■ لكن هناك بعض النماذج النسائية التي أكدت جدارتها في تولى مناصب قيادية.. ما تعليقك؟ - عمل المرأة وانشغالها بالحياة العامة مباح لكنه ليس واجبا عليها، لأن في معظم الوقت ستقصر تجاه حياتها الأسرية، والإسلام يبيح للمرأة أن تعمل في كل المجالات وحتى رئيسة جمهورية، لكن دورها الاجتماعى هو الذي يمنعها عن ذلك. ■ على الرغم من وجود أستاذات «أزهر» صاحبات فكر.. لماذا يقتصر منصب شيخ الأزهر على الرجال؟ - بالفعل هناك الكثير من الأستاذات على درجة كبيرة من العلم في أمور الدين، كما أنهن لهن دور كبير في الأزهر، لكن هناك تعصبا ضد المرأة داخل الأزهر، ومن ناحية أخرى أنا أرى أنه عندما يموت «الرجالة»، وقتها تتولى هذه المناصب امرأة. ■ هل تعتقدين أن المجتمع المصرى «متعصب» ضد المرأة؟ - ليس بشكل كبير، كما أننى لا أريد التوسع في الحديث حول هذه القضية لأنها ستخدم المجلس القومى للمرأة، الذي يسهم في إذكاء التعصب، فأنا حاولت بكل السبل الممكنة، التواصل مع السفيرة ميرفت التلاوى رئيس المجلس، غير أنه كان هناك رفض بتكبر للتواصل معى، وطلبت منها إبداء اعتراضها على وثيقة الأزهر للمرأة التي تحدثت عنها في برنامجى على إحدى القنوات الفضائية، لكنها بمنتهى التكبر والتجبر «ما عبرتنيش»، ولهذا أنا أكن لها مشاعر كره وبغض شديدة، لأنها تعتمد في إدارة المجلس على «الشللية» وتسعى طيلة الوقت لتجنب بعض النماذج النسائية من أهل الدين، من المساهمة في خدمة قضايا المرأة كما تفعل على سبيل المثال مع الدكتورة «آمنة نصير». ■ هل يمكن تشكيل كيان مواز للمجلس القومى للمرأة يشكل من أساتذة الأزهر؟ - من الضرورى تشكيل كيان من شخصيات نسائية إسلامية يقوم بخدمة قضايا المرأة المسلمة في مصر ويعمل على تنقية الدين من تفسيرات المتطرفين، لكن بكل أسف لن يكون لهذا الكيان مستقبل، ولن يحظى بقبول أو بتشجيع من أي جهة، فإنشاؤه يحتاج في بداية الأمر أن يكون مدعومًا من جانب الدولة، خاصة أن البعض سيعتقدون أنه سوف يثير فتنة و«الكلام الفاضى ده»، فمثلًا قد شكلنا من قبل جماعة من بعض أساتذة الأزهر لكى تقف ضد الإسفاف الذي ينشر في الإعلام، وطالبنا بوقف برنامج عن «الرقص» على إحدى المحطات، ولكن لم يسمع أحد منا وكان في المقابل هجوم من بعض التيارات الليبرالية واتهامات بالتدخل في حرية الإعلام. ■ ما ردك على مطالبة البعض بعدم تدخل «الأزهر» في شئون الإعلام؟ - أنا أرفض ذلك بشدة، فلا بد أن يقف الأزهر رقيبًا على كل المؤسسات لكى يضمن عدم البعد عن الأخلاق والدين، «مش ممكن يعنى نسيب برنامج يعرض 30 يوما من الإسفاف وقلة الأدب»، كيف لا نتدخل لوقف تحويل مصر الأزهر إلى مصر الراقصات؟ لكن الإعلام أصبح منحلًا. ■ ما رأيك في اتهام الأزهر بتشكيل «كهنوت»؟ - ما يقوم به الأزهر ليس تدخلا، وإنما هو تنظيف للفكر من المشوهين أخلاقيًا، فعندما يدعى البعض أنهم يجتهدون في الدين دون أي علاقة لهم بالدراسة الفقهية، فلابد من أن ينظفهم «الأزهر»، فالاجتهاد في الدين يتم بناء على وجود لجنة مشكلة تكمل بعضها البعض، من العلماء المتخصصين في العقيدة والتفسير. ■ كيف تفسرين ظاهرة انتماء معظم طلاب «الأزهر» إلى جماعة الإخوان المسلمين؟ - هذا يرجع لدراستهم منذ الصغر لكتب التراث، كما أن معظم تلك الكتب يحتاج إلى تنقية من بعض الأفكار المتطرفة، لكن هذه التنقية لابد أن تتم عن طريق متخصصين، فأنا أستغرب مثلًا إن أنا منذ أكثر من 30 عامًا في مجال الفقه المقارن، ومع هذا مستبعدة من التدريس، ومع ذلك يستعينون بمدرسين آخرين لأنهم أيضًا لا يثقون في المرأة. ■ ما تعليقك على الفتاوى التي تخرج عن بعض شيوخ التيار السلفي؟ - تلك الفتاوى أدت إلى حدوث نفور الكثير من علماء الدين، وكله بسبب فتاوى شيوخ «الوهابية» أمثال ياسر برهامى وغيره، فهؤلاء الشيوخ فتواهم تتسم بالتشدد والتطرف بشكل عام، والنظرة الدونية للمرأة بشكل خاص، نتيجة للأفكار التي تشبعوا بها أثناء وجودهم في السعودية منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأصبحوا يمولون من هناك لكى ينشروا الفكر الوهابى المتطرف وإقحامه في بلد الأزهر صاحب الدعوة الوسطية، وبالمناسبة هم كثيرًا ما يشنون هجوما علىّ بسبب آرائى التي تغايرهم في التطرف، فلابد من تدخل الأزهر وشيوخه للرد على هؤلاء بالقرآن والسنة لكى نثبت خطأهم. ■ ما رأيك في الدعوات التي خرجت في الآونة الأخيرة تطالب بخلع المرأة للحجاب؟ - من يقول بأن القرآن لم ينص على فرضية الحجاب، وعلى ضرورة تغطية المرأة لرأسها فإنه يتقول على كتاب الله ما ليس فيه، فهناك العديد من الآيات القرآنية التي أكدت فرضية الحجاب، وأكدت ضرورة عدم إبداء السيدات لزيناتهن إلا لأزواجهن، والشعر يعد من زينة وفتنة المرأة، لذا لابد من تغطيته وعدم كشفه إلا أمام المحارم. ■ هناك بعض «الشيوخ» أكدوا أن «الاغتصاب الزوجى» ليس حراما وأن حالة المرأة النفسية ليست عذرا في امتناعها عن «المعاشرة الزوجية».. ما رأيك؟ - هذا الكلام يخالف الإسلام جملة وتفصيلًا، فمن حق المرأة الامتناع عن المعاشرة الزوجية إذا لم تكن في مزاج جيد لذلك، وليس من حق الزوج إطلاقا أن يجبرها على إقامة العلاقة الزوجية معه إذا كانت غير راغبة في الوقت الحالى، لأن هذه العلاقة لابد أن تكون مقبولة من كليهما، وليس من حق أي من هما الرفض أو القبول بدون عذر، والمزاج السيئ والحالة النفسية تقع ضمن الأعذار المقبولة في رفض المرأة، طبعا من حقها تقوله «ماليش مزاج النهارده». ■ ما رأيك في الاختلاط بين الطلاب والطالبات في مراحل التعليم؟ - الاختلاط في التعليم نتيجته واضحة بما يحدث في الجامعات، حيث كثيرًا ما نجد الطلاب والطالبات في أوضاع فاضحة مع بعضهم في المحارم الجامعية، كما أن هذا الاختلاط السبب في الوقوع في الآلاف من حوادث الزواج العرفى في الجامعات، فالاختلاط يستوجب رقابة شديدة جدًا تبدأ من الطلاب أنفسهم، وهذا لا يحدث، لذا فإن الاختلاط لا يليق بمجتمعاتنا الإسلامية، كما أن في الإسلام لا يمكن الاختلاط بعد سن البلوغ. ■ لكن بعض علماء النفس يؤكدون أن الفصل بين الطلاب والطالبات من أحد عوامل انتشار «الشذوذ الجنسى» و«التحرش» في المجتمعات؟ - «دى تلاكيك عشان نقر الاختلاط وعدم الفصل»، لأن السبب الرئيسى في انتشار التحرش يعود إلى النشأة الأسرية، فمثلًا الرسول أكد ضرورة الفصل بين الأبناء عند وصولهم سن البلوغ، لكن في مصر تجد أن الأسرة كلها تنام في غرفة واحدة، والأدهى من ذلك أنهم يسمعون الأم والأب وهما يعاشران بعضهما، فمن الطبيعى أن يكون لدى الأبناء كبت جنسى، من ناحية أخرى لما تجد الأم تترك ابنتها تخرج بملابس تكشف كل تفاصيل جسمها، وكأنها تدعو الرجال للاعتداء عليها، ثم يلقون اللوم على الشباب ويتحدثون عن التحرش، لابد أن تحافظ البنت على نفسها أولًا. ■ صرحت من قبل بأنه «من حق المحتل الإسلامى الاستمتاع بنساء الدولة المحتلة».. ألا ترين أن هذا يشجع ما يقوم به «داعش» تجاه النساء بسوريا والعراق؟ - مبدئيًا أنا كنت أتحدث عن الوضع في حال الانتصار على الجيوش الإسرائيلية أو الأمريكية، فمن حق الجيش المسلم الاستمتاع بنسائهم، وما يحدث في سوريا والعراق هو حرب مسلمين ضد مسلمين وليس مسلمين ضد كفار، ثم إن مسألة «ملك اليمين» هي مذكورة في القرآن، ومن حقنا اللجوء إليها في الحروب الإسلامية. ■ ما حكم الإسلام في «جهاد النكاح»؟ - لا يوجد في الإسلام ما يسمى بذلك، وهذا تلاعب من الإخوان والمتشددين بهدف إغرائهم للبقاء في الاعتصامات واستمرار الولاء للجماعات الإرهابية، ولكن في النهاية فإن هذا الأمر ليس إلا «زنا». ■ ماذا عن تأكيدك على أن «نمص الحواجب» ليس حراما؟ - ترفيع الحواجب ليس تغييرًا في خلق الله، وإزالة الزوائد وتنظيف الحاجب جائزان شرعًا، ومن يحرمها هم شيوخ السلفية المتطرفون والمتشددون.. «أصل اللى بترفع حواجبها مش زى اللى بتعمل عمليات تجميل وتغير شكلها». ■ كيف يمكن تجديد الخطاب الدينى بشكل يخدم قضايا المرأة؟ - أولًا.. لابد من استيعاب مفهوم الخطاب الدينى وتحديده، وثانيًا لابد من تقسيم هذا الخطاب إلى عدة خطابات نوعية «خطاب يتعلق بالأسرة»، و«خطاب علاقة الرجل بالمرأة»، و«علاقة الحاكم بالناس»، وأخيرًا خطاب يتعلق بشعائر الدين، وتوضيح أن الذي يحتاج إلى تغيير هو التفسيرات التي لم تعد تلائم العصر، وليس تجديد خطاب ربنا لعباده.