يحتل فرانز كافكا مكانة مُتميزة في الأدب العالمي، فأعماله التي نُشرت جميعها بعد وفاته، وخطاباته التي احتفظت بها إحدى عشيقاته، أبرزا أن للأديب التشيكي أسلوبًا متفردًا في العمل الأدبي، والذي ترك القانون من أجله وغاص فيه مُستعرضًا ذكرياته وخبراته التي وصفها البعض بالسوداوية، إلا أن الجميع اتفقوا في النهاية أن أعمال كافكا حالة خاصة في الأدب العالمي. ولد فرانز كافكا في 3 يوليو 1883 بالقرب من ساحة المدينة القديمة في براغ، والتي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية، وكان ابنًا لعائلة ألمانية من الطبقة الوسطى تنحدر من أصول يهودية؛ وكان والداه لهما ستة أبناء وفرانز كان البكر، وكان في طفولته وحيدًا بعض الشيء، حيث أن والداه كانا يغيبان كثيرًا وينشغلان بالأعمال التجارية للعائلة، وكانت أمه تعمل لما يصل إلى 12 ساعة يوميًا، أما الأطفال فكان يهتم بهم الخدم؛ هكذا جاءت علاقة كافكا بوالده المضطربة واضحة في كتابه "رسالة إلى أبيه" في أكثر من 100 صفحة، الذي ذكر فيه أنه تأثر بشدة بشخصية والده الإستبدادية المتطلبة، ويظهر تأثير شخصية والده كما وصفها واضحًا في أعماله، بينما كانت والدته هادئة وتتصف بالخجل. ارتاد فرانز مدرسة ابتدائية ألمانية للبنين، إلى جانب تلقيه دروسًا دينية يهودية انتهت ببلوغه الثالثة عشر واحتفاله بالبلوغ، بعد ذلك التحق بمدرسة ثانوية أكاديمية داخل قصر كينسكي في ساحة المدينة القديمة في براغ، وكانت الألمانية هي لغة التدريس، ومع ذلك فقد كان قادرًا على التحدث والكتابة بالتشيكية، وظل يدرس في الثانوية لمدة ثمان سنوات؛ ثُم درس بجامعة شارلز- فيردناند الألمانية في براغ، وبدأ بدراسة الكيمياء، ولكنه سرعان ما تحول إلى دراسة القانون بعد أسبوعين، وبرغم أن المجال لا يريحه لكنه فعلها حسبما أراد والده، وكان يدرس بالتوازي فصول في تاريخ الفن والدراسات الألمانية، وانضم إلى نادي طلابي عُرف باسم "قاعة قراءة ومحاضرات الطلاب الألمان"، والذي عمل على تنظيم عدد من النشاطات الأدبية. مع نهاية العام الأول في الدراسة كان كافكا قد التقى ماكس برود، زميله في دراسة القانون الذي سيصير فيما بعد صديقه المقرب مدى الحياة، والذي عندما لاحظ نهم صديقه للقراءة طوال حياته، قاما بقراءة حوار "بروتاجوراس" من تأليف بلاتو بلغته الأصلية الإغريقية تحت اقتراح برود، وكذلك رواية الفرنسي جوستاف فلوبير "التربية العاطفية"، وأيضًا روايته الأخرى "تجربة القديس أنطونيوس"، واعتبر كافكا كلًا من فيودور دوستويفسكي، جوستاف فلوبير، فرانس جريلبارتسر، هاينريش فون كلايست وكأنهم إخوته بالدم"، كذلك اهتم كافكا بالأدب التشيكي، وأولع بأعمال يوهان جوته؛ في الوقت نفسه أكمل دراسته وحصل على درجة الدكتوراة في القانون، واضطر لمدة سنة على العمل بدون أجر كخدمة إلزامية في المحاكم المدنية والجنائية. بعد خدمته الإلزامية عمل كافكا في شركة تأمين إيطالية في مكتبها في براغ، غير أنه خلال هذه الفترة كان من الصعب عليه التركيز على الكتابة التي ازداد اهتمامه بها، وأدى ذلك في النهاية إلى استقالته من العمل لينتقل إلى "مؤسسة التأمين على حوادث العمال"، والتي كانت مواعيدها تسمح له بممارسة الكتابة بحرية. ازداد مرض كافكا سوءًا فعاد إلى براغ بعدما كان متواجدًا في برلين،حيث قامت عائلته وخاصة أخته أوتلا بالاهتمام به ورعايته. ومن ثم ذهب كافكا للعلاج إلى مصحة بالقرب من فيينا، وتوفي هناك في 3 يونيو عام 1924 وهو يقترب من سن الحادية والأربعين، وبعد وفاته نُقلت جثته إلى براغ حيث دُفن هناك. أجمع الكثيرون أن كافكا يُعتبر من أهم الكتاب في القرن الماضي، فقد لقب ب "دانتي القرن العشرين"، وله تأثير عميق على مسيرة الادب والفن بشكل عام، حيث تأثر به كبار مثل جان بول سارتر، وجابريل جارسيا ماركيز، وتناول العديد من المواضيع من أهمها البيرقراطية وتأثيرها على حياة المواطن، ولولا أن صديقه "ماكس برود" خالف وصيته التي تقتضي بحرق جميع أعماله بعد موته، وأن بعض مذكراته ومسوداته حفظتها إحدى عشيقاته ما كانت أعماله لتصل إلى القارئ. وتُعد أشهر وأهم أعمال كافكا هي رواية "المُحاكمة" التي تحكي قصة شخص يدعى "جوزيف كي" الذي يستيقظ ليجد بالباب رجلين يخبرانه بأنه مطلوب للمحاكمة، ولكنهما لم يبينا له نوع جريمته التي يستوجب عليها المحاكمة؛ وتتطور الاحداث ليحاول بشتى الطرق أن يحصل على حكم ببراءته، سواءً بنفسه أو من خلال محاميه ولكن دون أن يعرف تهمته، وتتحرك عجلة الاحداث بشكل سريع ومتواصل؛ حيث كان كافكا من خلال كتاباته يُقّدم منظورًا جديدًا كليًا، من خلال منظور مُميز، وكان في أعماله الكثير من النقد للبيروقراطية.