قال وزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبد الحميد إن الألم في أبسط تعريفاته هو إحساس غير مريح بالمرة تحدثه مثيرات داخلية كالأمراض الجسمية والنفسية، أو خارجية كالإصابات العضوية الناتجة عن الحوادث والحرائق والأمراض والحرمان ...إلخ، والإبداع في أبسط تعريفاته هو إنتاج جديد مفيد. وأضاف عبد الحميد -في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط-"هناك نوعان من الألم (ألم جسدي وألم نفسي، وقد يعاني المبدع من هذين النوعين وقد يتغلب على أحدهما ويفشل في التغلب على الآخر، وقد يكون الألم النفسي أشد وطأة وإيلامًا من الألم الجسدي وقد يكون سببًا في حدوث آلام جسدية كما في حالة الأمراض السيكوباتية، ويتوقف الأمر على ظروف كثيرة بعضها ملائم والآخر ليس كذلك، كما يتوقف كذلك على أسلوب المبدع في مواجهة الألم. وأشار إلى أن مبدعين كثيرين عانوا من الأمراض الجسمية والنفسية، تلك التي أنشبت أظفارها وأنيابها في عقولهم وأبدانهم، لكنهم قاوموها وقاوموا آلامها بأساليب مواجهة إيجابية، أحيانًا كانوا ينجحون وأخري يفشلون، وعبر الكثير منهم في أعماله عن مثل تلك الآلام ومنهم "على فان جوخ وماتيس وكاندنسكي والبرخت دورر وفريدا كالو (في الفن التشكيلي) وبتهوفن وموتسارت وشومان ومالر (في الموسيقى) ومايكل فارادي واسحق نيوتن وجوناثان كبلر (في العلم) وهولدرلين وسترندبرج ورامبو وإدجار آلان بو وموباسان، وازرا باوند، وت.س. إليوت، وفرجينيا وولف وسيلفيا بلاث ووليم بليك وهمنجواي وبودلير والسياب وأمل دنقل (في الأدب)، ومن الفلاسفة شوبنهور ونيتشة. وأضاف " إن الفنانة المكسكية فريدا كالو (1907 – 1954) تعتبر نمطا آخر من الفنانين الذين واجهوا الألم المبرح بالفن الجميل، لقد حدثت لها إعاقة جسدية منذ طفولتها متمثلة في إصابتها بشلل الأطفال (الذي أصاب الفنان الفرنسي تولوز لوتريك أيضًا)، ثم أصيبت في حادث بعد ذلك تركها شبه مدمرة جسديًا ونفسيًا، لقد كانت محطمة الساقين والضلوع وتم تركيب أجزاء معدنية في جسدها لدعمه وخضعت لعمليات جراحية عديدة وبتر وإجهاض وألم ملأ حياتها ولوحاتها. وكما قال عنها الأديب المكسيكي كارلوس فوينتيس "فإن حياتها تكونت من 29 سنة من الألم، وقد كان وجهها موجودًا دائمًا وقابلاً لتعرفه في لوحاتها"، كذلك كان جسدها وكانت علاقتها بالفنان المكسيكي المعروف دييجو ريفيرا محورًا أساسيًا في ألمها وسعادتها أيضًا، وقد جسدت السينما هذه العلاقة في فيلم معروف بعنوان "فريدا" من بطولة سلمى حايك". وقال عبد الحميد: "كان الفنان الفرنسي الشهير هنري ماتيس (1869 – 1954) يقول دائمًا "إنني غير قادر على التمييز بين شعوري بالحياة وطريقتي في ترجمة هذا الشعور في أعمال فنية، إن التعبير لا يكمن، بالنسبة لي، في العواطف المتوجهة في الوجه الإنساني، ولا يتجلى أيضًا في الحركة العنيفة. وأضاف: "لقد كتب ماتيس، في مرحلة من حياته، خطابًا إلى الشاعر لويس آراجون قال له فيه "عزيزي لوي.. لن أذهب إلى سويسرا هذا الصيف... إنني مشغول تمامًا بالمرض والأطباء... لدي فريقان من المعالجين... أحدهما يريد مني أن أخضع لعملية جراحية والآخر يقول إن قلبي لن يتحمل ذلك، إن من حقي أن أدافع عن جسدي.. إنني أفضل أن أتحمل نوبات متكررة من الألم وأتحاشى إجراء هذه العملية... أنا لن أتحمل ذلك". فما العملية التي كان ماتيس يرفض مرارًا وتكرارًا الخضوع لها؟ لقد كان يعاني من آلام شديدة بسبب حصوات المرارة، وعبر حياته، عانى من آلام الزائدة الدودية والتهاب الشعب الهوائية، والتي أدت إلى تغيرات واضحة في أسلوبه الفني، وفي سبعينيات عمره عانى ماتيس من سرطان القولون ورسم لوحات عدة تجسد حالته وألمه. وعبر عام كامل عانى ماتيس من نوبات حادة متكررة من الألم والحمى ومتاعب المرارة، لكن طبيعته المتفاخرة، أو بالأحرى اعتزازه الشديد بذاته، جعله يكت آلامه وشكواه إلا عن بعض المقربين منه، كما أنه كان يعمل بشكل منتظم في الفترات التي تخف فيها حدة المرض". وأوضح أن أسلوب المبدع في مواجهة الآلام والمشقات قد يكون هو الفيصل في التحمل للآلام والاستمرار في الإبداع، أو الشعور بالعبث واللاجدوى والتوقف عن العمل والاستسلام للألم والمرض.