خاض «حربًا بلا رصاص» ضد الجماعة وكشف «الأخونة» وبيع قناة السويس والعمالة لقطر فضح «ورم مرسي» وأكاذيبه وتخابره وهروبه من السجن قضى على «المنظومة الفكرية للإخوان» وأنهى «أكذوبة المظلومية» أدرك الإخوان المسلمون بعد توليهم السلطة «مواضع الخطر» على دولتهم «المزعومة» فسعوا للقضاء عليها، دخلوا في «مواجهة مفتوحة» مع الإعلام، علقوا صورًا لإعلاميين معارضين لجماعتهم على «مشانق»، وضعوا «قوائم اغتيالات» لكتاب وصحفيين، تمنوا لو توقفت الشاشات عن البث، وعند هذه اللحظة تكون السلطة قد دانت لهم. هل صمت الإعلام؟ من أول يوم خاض الإعلام - نستثنى هنا بعض المنتسبين إليه ممن اكتشفوا فجأة أنهم إخوان - حربًا بلا رصاص مع الجماعة، اشتبك معها من دون مواربة، فضح مخططاتها، خسف الأرض برموزها، أعلنها صريحة: «يسقط حكم المرشد». لم تكن اللحظة التي وصل فيها محمد مرسي إلى قصر الاتحادية تحتاج إلى أي «حياد»، كان الاختيار بين الوطن أو الجماعة، الأمة أو العشيرة، الظلام أو النور، فإذا كان الحياد «فضيلة إعلامية» فإنه يصبح «خطيئة وطنية» إذا تعلق الأمر بالمواجهة مع «الإخوان». كان مشهد حصار مئات من عناصر الجماعة بقيادة المحامى حازم صلاح أبوإسماعيل مدينة الإنتاج الإعلامي دالًا بدرجة كبيرة، فالجماعة أرادت أن تكست معارضيها، ولأنها تعرف من هم معارضوها الحقيقيون ذهبت إلى بيتهم لتحاصره، معلنة عن اعتصام «مدفوع اللحمة مقدمًا». بعد أسبوع على عزل محمد مرسي عن حكم البلاد نشرت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» تقريرًا تحت عنوان: «هل أطاح الإعلام بمحمد مرسي من حكم مصر؟»، تحدثت فيه عن دور الإعلام في إسقاط «مرسي»، وكيف كان «مشعلا أضاء الطريق للشعب وكشف سوءات النظام السابق»، بحسب تعبير الرئيس السابق المستشار عدلى منصور. ذكر التقرير أنه «كلما كان مرسي أو أحد قيادات حزب الحرية والعدالة يتحدث كان يتهم الإعلام الخاص بالتربص ونشر الشائعات والتحامل على الحكومة»، مدللة باتهامه لرجلى الأعمال محمد الأمين، وأحمد بهجت بتحريض قناتيهما الفضائيتين «سي بي سي، ودريم» تجاه الهجوم على الرئيس بعد فتح ملفات تهربهما من الضرائب. كيف أسقط الإعلام محمد مرسي؟ بداية المواجهة الحقيقية مع «مرسي» كانت في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية 2012، إذ كشفت وسائل الإعلام وقتها أول أكاذيب الرجل فيما يتعلق بحالته الصحية. في مناظرته الشهيرة مع عمرو موسى قبل الانتخابات الرئاسية تحدث الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عن الحالة الصحية لبعض منافسيه، فذكر أن أحدهم أجرى جراحة لإزالة ورم في المخ، وأن الآخر مصاب بفيروس الالتهاب الكبدى الوبائى «سى». لم يحدد «أبوالفتوح» الأسماء فبدأت عمليات «التخمين»، وجرى «تسريب» معلومة بأن المرشح الذي أجرى جراحة في المخ هو محمد مرسي. عند مواجهة «مرسي» بمرضه راوغ في الحديث، مؤكدًا أن «ليس لديه ما يمنع ترشحه للرئاسة»، وأن «حالته الصحية جيدة.. يمشى نحو 20 كيلو بسبب الجولات الانتخابية». ولأن هناك في الإعلام من يدرك خطورة «الإخوان» ويسعى لإبعادهم من السلطة بأى طريقة، ولأن كل الطرق شريفة طالما كانت الحرب مع الجماعة، جرى نشر التقرير الطبى الحقيقى ل«مرسي»، ليكشف أنه يعانى من ورم في المخ، ويحتاج إلى جراحة لاستئصاله في الخارج «أجراها في الخارج»، بخلاف معاناته من سكر الدم والتهاب في الأعصاب الطرفية. كانت الأهمية هنا في كشف «أكاذيب الإخوان»، فربما كانت الحالة الصحية ل«مرسي» بعد إجراء الجراحة جيدة، لكنه كذب حينما تحدث عن وضعه الصحى، ليدق الإعلام أول مسمار في «نعش الإخوان»، ويبدأ ترديد شعار «الإخوان الكاذبون» لأول مرة. كان دخول محمد مرسي قصر الرئاسة اختبارًا حقيقيًا لوسائل الإعلام، هل تخضع للنظام الجديد وتهادن وهى تعلم مدى خطورة وجوده في السلطة أم تبدأ المواجهة الحقيقية. اختار الإعلام المواجهة، فخرج أول عدد من صحيفة «الفجر» بعد رئاسة «مرسي» يحمل عنوانًا صادمًا «الفاشى في قصر الرئاسة»، وهو عنوان مقال لمستشار تحرير الصحيفة السابق، الكاتب الصحفى محمد الباز، الذي يذكر أنه فعل ذلك قبل أن يدخل الرجل القصر، ليس من باب التنجيم، أو الرغبة في المعارضة، لكن لأنه ظل سنوات طويلة دارسًا للجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ويعلم أنها جماعة فاشية تسعى إلى الهيمنة والسيطرة والاستبداد، وتقوم على السمع والطاعة، ولأن «مرسي» ابن بار من أبنائها، كان طبيعيا ألا يخرج عن صفها، بل سيحاول جاهدا أن يسيطر على كل شىء لصالح الجماعة. اخترت العنوان السابق كمثال على المواجهة بين الإعلام والجماعة لأنه يحمل أهمية خاصة، فقد هاجمت وسائل إعلام كثيرة الإخوان حتى قبل ثورة «25 يناير»، لكنها لم تدخل إلى «منطقة الخطر» بالحديث عن «فاشية الإخوان»، وسعيها للسيطرة على البلاد، وفرض مفهومها للدين على المواطنين، وهى الفاشية بعينها. وضعت وسائل الإعلام إستراتيجية لمواجهة الجماعة تضمنت عناصر أسهمت في تغيير رأى الشعب في «الإخوان»، فهم ليسوا الأناس الودعاء الطيبين، بل هم مجموعة متكالبة على السلطة بكل قوة. أولى الخطوات كانت ب«تفكيك المنظومة الفكرية للإخوان»، وهنا أفردت وسائل الإعلام مساحات واسعة سواء ل«المنشقين» عن الجماعة للحديث عن تجربتهم داخل الإخوان، أو الباحثين في شئون الحركة الإسلامية، لكشف حقيقة أن «الإخوان» و«داعش» و«القاعدة» أوجه لعملة واحدة. بدأ التغير يظهر في وجهة النظر الشعبية تجاه «الإخوان»، ولننظر مثلا إلى حجم مبيعات كتاب «سر المعبد» للقيادى الإخوانى السابق ثروت الخرباوى، بعد أن تناولته وسائل الإعلام بشكل مكثف واستضافت صاحبه، وعرضه في بعض الصحف. انتخب الناس الإخوان وفقًا لرؤيتهم القديمة للجماعة التي تعرضت للظلم والقهر على مدى العقود السابقة، فكانت ضروريًا أن تتغير وجهة النظر هذه حتى نستطيع أن نقول اخرجوا إلى الشوارع لإسقاط محمد مرسي. الخطوة الثانية وهى الأكثر أهمية كانت ب«كشف مخططات الإخوان» تجاه البلاد، ورغبتهم في وضع مصر «تحت يد قطر»، فقد أفشل الإعلام مشروعا بيع قناة السويس لصالح الدوحة، بعد أن كشف المخطط، وهاجمه، فاضطرت الجماعة للتراجع. لقد كان الحديث عن قطر والإخوان سببًا رئيسًا في تزايد الغضب الشعبى تجاه الجماعة، يمكن للمصريين أن يتحملوا أي ظروف صعبة، لكن أن تصبح دولتهم رهنًا لإشارة من أمير لا يعرف إلا شهوتى الفرج والبطن فالموت دونها. ومن قطر إلى «حماس»، حيث كشفت وسائل الإعلام عن مخطط الإخوان ل«توطين أهل غزة في سيناء» وهنا أدرك الشعب أن من يحكمونه يمكن أن يبيعوا أي جزء من البلد من دون أي مقابل، لا لشيء إلا لأنهم لا يعترفون بالحدود أو الأوطان. بعد فترة قصيرة من رئاسة «مرسي» بدأت الجماعة في عملية «أخونة البلاد» بتعيين عدد هائل من عناصرها في مفاصل الدولة. كان يمكن لهذه العملية أن تمر، لنصحو فجأة وكل الدولة في يد الإخوان، خصوصًا أن عين الجماعة كانت على الأجهزة السيادية، لكن الإعلام لم يصمت. بدأت الصحف والقنوات التليفزيونية في رصد كل شيء عن «عملية الأخونة»، وخرجت «المانشيتات» تحمل هذه الكلمة مئات المرات، ومعها بدأ التخوف من أن تصبح مصر إخوانية يزداد لدى الشعب. هل كان الإعلام يضلل الشعب؟ تزعم جماعة الإخوان أن الإعلام مارس حربا شعواء عليها على غير الحقيقة، لكن الحقيقة فعلًا أن الإعلام لم يتحدث عن أي شيء لم يحدث، يمكن أن يكون هناك بعض «التهويل» لكن توقع الخطر أفضل من تجاهله، ولنعترف أن المواجهة مع الجماعة كانت تتطلب قدرًا من «التهويل» حتى يعرف الشعب حقيقتهم. من ضمن أخطر القرارات التي اتخذها «مرسي» كان إفراجه عن عدد من الإرهابيين الموجودين في السجون، أو تسهيله دخول عدد من الجهاديين القادمين من أفغانستان وسوريا إلى مصر. اعتقد «مرسي» أن قراره لن يحدث جدلا غير أن الإعلام كان له رأى آخر، لم نصمت على تحول مصر إلى «قبلة للإرهابيين»، كتبنا عن «راعى الإرهاب» الذي يسكن قصر الاتحادية، وعن تمكين الإرهاب في مصر. وعلى المستوى الشخصى أسهمت وسائل الإعلام في تدمير صورة «مرسي» لدى الشعب، فتحدثت عن أنه مجرد «تابع للمرشد»، ومبعوث الإخوان إلى قصر الاتحادية، وأخرجت أوراقًا جديدة تثبت أنه «شخص هارب من العدالة»، و«متخابر» من منظمات أجنبية ضد مصلحة البلاد، ونفس الأمر بالنسبة لرجاله فأزيح الستار عن فضيحة زواج المتحدث باسمه ياسر على عرفيًا من إحدى الصحفيات. ما كتبناه هنا مجرد جزء بسيط من تفاصيل معركة مقدسة خاضها الإعلام ضد جماعة الإخوان ليصبح عن حق «رأس الحربة» التي قادت إلى ثورة «30 يونيو». النسخة الورقية