شهدت الأعوام الثلاثة التي أعقبت المؤتمر العام للإخوان في 1945، تناميًا ملحوظًا للجماعة على المستوى التنظيمي والحركي والفاعلية السياسية، وتشابكت خيوط العلاقات الإخوانية مع القوى والأحزاب السياسية والقصر، وشهدت تلك الفترة تزايد وتيرة المنافسة والعداء بين حزب الوفد والإخوان. زاد التوتر في تلك العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع ما ظهر من تقارب بين الجناح التقدمي في الوفد والذي حظي بنفوذ داخل الحزب وصحافته بالأخص في محيطه الشبابي والطلابي، والقوى اليسارية من الاشتراكين والشيوعيين الذين اتسع مجال نفوذهم في المجتمع المصري، خاصة بين صفوف العمال والطلاب والمثقفين، وحدث نوع من التحالف والتنسيق بين الوفد واليسار خاصة في الجامعات. ورغم حدوث تقارب بين الإخوان وحكومات الأقلية التي تعاقبت على الحكم عقب الحرب العالمية الثانية (السعديين والمستقلين) في المواجهة الشاملة والشرسة التي أقدمت عليها تلك الحكومات خاصة حكومة إسماعيل صدقي في مواجهة الشيوعية والخطر الشيوعي، وبما عرف من عداوة الإخوان الصارمة للشيوعية.. إلا أن البنا، خلافًا لسنوات سابقة، وافق صراحة أو ضمنًا على استخدام الجماعة في المواجهات الدائرة بين الوفد والقصر، كان طموحه أمام تنامي الجماعة واتساع نفوذها أن يلعب منفردًا وفقًا لمصالح الجماعة أولاً: وفيما يختص بالبنا كان هناك بعد آخر، فبعد أن وجد الآن التنظيم القوي الذي يؤيده أصبح في مقدوره لا أن يدافع بحزم عن الأهداف التي كرس لها كل طاقاته فحسب، إصلاح مصر من خلال تحويلها إلى مجتمع إسلامي حقيقي وإجلاء البريطانيين، بل أصبح في مقدوره أيضًا أن يفكر بتحديد أكثر في الوسائل التي تلزم لتحقيق تلك الأهداف. أي أن يسعى للوصول إلى السلطة والمشاركة فيها. وفي ظل هذا المناخ الملتهب سياسيًا وصراع الفرقاء بين قوى سياسية لها رصيد ونفوذ في الشارع (الوفد – الإخوان- الشيوعيين) والقصر وأحزاب الأقلية التي يسند لها الملك تشكيل الوزارات، ومع بداية استخدام الإخوان لتنظيمهم الخاص المسلح والذي جعل منهم قوة سياسية ذات جناح عسكري. وكانت عمليات اغتيال القاضي الخازندار والسيارة الجيب وقمتها اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي عقابًا له على قراره الحاسم بحل جماعة الإخوان، والذي جاء تعبيرًا عن مخاوف جدية تولدت عند الحكومة من احتمال قيام انقلاب إخواني عسكري يطيح بالعرش مع تصاعد العمليات شبه اليومية للجهاز السري للإخوان، والذي رأت فيه الحكومة إسقاطًا لهيبة جهاز الدولة الأمني، وبررت الحكومة قرار حل تنظيم الإخوان بدعوى تشكيل فريق منها لعصابة إجرامية “,”الجهاز السري“,”. وكان النقراشي- بما عرف عنه- حازمًا حريصًا على تنفيذ إجراءات الحل بصرامة، وفشلت معه كل المحاولات التي حاولها حسن البنا للحوار والتهدئة، مثل عرضه على القصر بتحول الجماعة إلى جمعية دينية تكون عونًا كبيرًا للملك والعرش في مقاومة الشيوعية غير أن الملك كان قد فقد آخر ثقة له بالبنا، ولم يجد في هذا العرض إلا أسلوبًا من أساليب الشيخ التقليدية في المراوغة والخداع، وقد سبق للملك، منذ نهاية عام 1944 على الأقل، أن اتهم البنا بالمراوغة والخداع. وأمام عنف الضربات التي تلقتها الجماعة من إجراءات الحكومة بحلها، ازداد نفوذ الجهاز السري كما أن البنا الذي سبق له أن انتقم من أحمد ماهر باشا عام 1945باغتياله لإسقاطه مرشحي الجماعة في الانتخابات النيابية، ربما فكر في استخدام الدواء نفسه مع النقراشي.. وهكذا تقدم شاب يرتدي ملابس ضابط شرطة برتبة ملازم أول من النقراشي باشا في 28 أكتوبر 1948 في وزارة الداخلية وأراده قتيلا.. وقد حدد الشاب دوافعه في أن النقراشي خائن للوطن ومتهادن في قضية فلسطين ويحارب الإسلام وحل جماعة الإخوان المسلمين وإن أنكر أية صلة له بالجماعة. إلا أن البيان الذي أصدره حسن البنا “,”بيان للناس“,” والذي أدان فيه الجريمة ومرتكبيها ووصفه للاغتيال بالحادث المروع وللنقراشي “,”بأنه مثل طيب للنزاهة والوطنية والعفة“,” جعل قاتل النقراشي ينهار ويعترف بمسئولية الجماعة.!!! تصاعدت الأحداث ونفذ الجهاز السري للإخوان محاولة نسف محكمة الاستئناف للتخلص من الوثائق والمستندات التي تم ضبطها في “,”السيارة الجيب“,” والتي تدين الإخوان، وأصدر البنا بيانه الشهير “,”ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين“,”، وتعطلت كل محاولات وفرص التفاهم بين البنا والحكومة. وهكذا، تم استدراج البنا إلى المركز العام لجمعية الشبان المسلمين بحجة مواصلة المفاوضات والحوار مع الحكومة. وتم اغتياله مساء السبت 12 فبراير 1949. وواصلت السلطات اعتقال كوادر الجماعة ومداهمة أوكار الجهاز السري، الذي حاول بدوره اغتيال رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي، ولم تخف حدة المواجهة/ المحنة إلا بقرار الملك إقالة حكومة إبراهيم عبد الهادي في يوليو 1949.