قوي البنيه.. صوته مخيف عالي.. لا يتحدث مع أحد بسهوله.. دائمًا وحيد يجلس في هدوء عجيب أمام دكانه.. في الخمسين من عمره.. يجلس على كرسي خشب قصير القامه أمام طشت كبير يمتلىء بالجاز والشحن.. تتحرك أهالي الحاره أمام دكانه في صمت طالما هو جالس أمام طشت الجاز يغسل معدات وأجزاء الموتوسيكل الخاص به.. يومه معروف بالنسبه لأطفال الحاره تمامًا.. يبدأ من السابعه صباحًاَ.. نسمع نباح كلبه يعلن عن نزول عم صابر من بيته.. بالمناسبه هو بيت غريب مظلم لا نور داخله إلا فيما ندر.. يسكن البيت هو وأمه وشقيقته المطلقه وزوجته التي لم يراها أحد فهي لا تصاحب أحد ولا تتحدث مع أحد.. عنده توأم من الأولاد... قطط صابر كبروا قطط صابر داخلوا المدرسة.. نراقب عم صابر وهو يفتح دكانه.. وهو دكان دراجات معظمها قديم متهالك... لا يقبل عليه أحد خارج الحاره خوفًا من رعد كلب م صابر الضخم الشرس الذي يجلس بجوار عم صابر منذ الصباح وحتى يغلق دكانه.... يجلس على مقعده الصغير ويبدأ في فك الموتوسيكل ويغسل أجزاءه بالجاز في هدوء قد تستغرق هذه العملية اليوميه ثلاث ساعات لا يجرىء أحد من أطفال الحاره طلب دراجه أو حتى الحديث مع عم صابر فهو في كامل تركيزه أمام أجزاء الموتوسيكل... يتابعه الكلب رعد في متابعة ومشاهده كانه يتعلم كيف يغسل عم صابر أجزاء الموتوسيكل... ونحن نقف على بعد كومه من الأطفال نتابع الكلب رعد وهو يحرك رأسه مع حركة يد عم صابر كم يشاهد مباراة تنس في الملاعب الحمراء.... ويأتي العصر ليصلي عم صابر داخل دكانه... لا أحد يرى دكان عم صابر من الداخل أبدًا فلها عمق وباب من الداخل إلى شقته وسكنه مباشرًا ثم يخرج ويعيد أجزاء الموتوسيكل كما كانت ويأتي دور تجريب الموتوسيكل كأنها معركة حقيقية صوت موتور مخيف وطلقات شديدة الانفجار من الموتوسيكل.... الموتوسيكل وعم صابر فوق الموتوسيكل حتى يهدىء الموتور فينطلق بالموتوسيكل حول دكانه والكلب رعد يجري بجوار الموتوسيكل الذي يقوده عم صابر كحرس شخصي. نصف ساعه يوميه يقود عم صابر الموتوسيكل ولا أحد يجرىء على لمس دراجه من دراجاته داخل الدكان أبدًا... حتى يعود عم صابر من رحلته اليوميه داخل حواري روض الفرج. وفي السابعة مساءًا يغلق عم صابر الدكان من الداخل تاركًا بقع الجاز والزيت علامات أصيله أمام دكانه الغريب.... وتأتي الأجازه ونقرر تأجير دراجات عم صابر فيذهب أكبرنا "كيشو" يطلب منه في أدب تأجير خمس دراجات مدة نصف ساعة... يصمت عم صابر.. ينظر إلى كيشو الذي يرتجف في خوف من صوت الكلب رعد وزمجرته ومن طول صمت عم صابر وهو ينظر إلى وجه كيشو الذي لف رأسه تجاه كتلتنا يتمنى الاختفاء ونحن ننكمش خلف سياره قديمه تقف في الحاره قبل بناءها مغطاه لا أحد يعلم أي شىء عنها ولا أحد يسأل حتى عن صاحبها كلما تشير اليها يتجاهل الجميع السؤال... ويرفع عم صابر يده في رضا وهو يتلفت تجاهنا ( خدوا العجل بس محدش يطلع على الكورنيش ولا يدخل الحكر واللي ها يدخل حكر أبو دومه وتتاخد منه العجله هخلي رعد يتصرف معاه... يوافق كيشو وهو يشير الينا لنأخذ العجل ونحن لا نتحرك لا نريد العجل ولا نريد الاصطدام برعد ونقرر الهروب والرجوع إلى بيوتنا سالمين لكن عم صابرله رأي آخر... بمجرد وقوفه والإشاره علينا (تعالوا خدوا العجل) نجري تجاهه ويأخذ كل واحد منا دراجته... وبمجرد الخروج من دائرة عم صابر والكلب رعد ننسى حالة الرعب ونبدأ في التسابق واللعب والإستعراض أمام بنات الحي بالدراجات السريعة وننسى أيضًا تعليمات عم صابر وننطلق بالدرجات إلى كورنيش النيل نتسابق مع السيارات المارقه ونصعد إلى كوبري إمبابه... بل ونجري فوق أقواس الكوبري بالدراجات في متعه لا أجد مثلها إلى الآن... حيث نقود الدراجات فوق القوس كأننا نصعد للسماء وندخل في خيال جميل يحملنا الهواء وتصاحبنا آشعة الشمس التي تغرب كل يوم.. وتنزل من بين السحاب إلى الكورنيش مرة ثانية تجرى بجوار النهر الذي يحمل خلاصنا جميعا.. فعادة اهل الحارة كلما رزقت بمولود نأخذ خلاصه وتتجه به إلى نهر النيل نرمى الخلاص داخل النيل ونعود في تهليل بان النهر قبل خلاص المولود.. يشير يوسف اكثرنا دقة ونظاما إلى قرب انتهاء الوقت المحدد.. لكن نشوة التسابق تشتعل فيجرى كيشو دون عقل في اتجاه حكر أبو دومه.. اما نحن فنقف في ذهول لا نستطيع أن نجارى كيشو في هذه الخطوة المجنونة.. يتوتر يوسف فيجب أن نعود بالدراجات إلى عم صابر.. ننتهى بعد انتهاء الوقت إلى الرجوع بالدراجات ناقصة ويتحمل كيشو عاقبة ما فعل.. ونقترب من الدكان ونرمى الدراجات امامها بينما لا يتحرك عم صابر ينظر في صمت ويأمر رعد بالصمت.. ويأتى الليل ونختفى في بيوتنا ونحن لا نعلم مصير كيشو.. ويأتى الصباح وصوت رعد يعلن عن فتح الدكان.. جريت إلى شباكى.. كان الهدهد صديقى يحلق امامى كأنه يخبرنى عما حل بكيشو..نزلت للحارة وتجمعنا فوجدنا كيشو يقترب بجواره امه وهو يبكى وتخبرنا امه ( قد عضه رعد وقررالطبيب اعطاء كيشو واحد وعشرين ابرة ) لم يستطيع كيشو أن يذهب كل يوم لأخذ الحقنة من عضه رعد لذلك هرب وادعى لأمه أنه منتظم ولكن الحقيقه كنا نتقابل ونتداول في حوش البيت.. نتخيل كيف سيتحول صوت كيشو إلى نباح.. نضحك ساعة ونرتجف من الخوف إلى أن قرر كيشو أن ينتقم من رعد.. تقابلنا عند ميدان السوق.. ذهبنا إلى عم حمدى والد كيشو وهو مكانجى عرض سينمائى داخل سينما ألف ليلة وليلة في ميدان روض الفرج.. دخلنا غرفة المكانجى عم حمدى فيأخذ كيشو نقود منه.. تسللت كعادتى إلى الكوة التي تطلق آشعة الخيال وتوقعه على الشاشة البعيدة شاهدت سعاد حسنى وهى تنظر إلى بحب ودلال يشدنى عم حمدى من الكوة حتى يكمل عمله.. لكن نظرة سعاد حسنى لم تتركنى ولم انساها إلى الآن..جمع كيشو باقى النقود المطلوبة ليشترى بها لحمة رأس ثم إلى الصيدلية ليشترى سم فيران وخلف العربة الغامضة المركونة وضع كيشو ورقة اللحم بسم الفيران بالقرب من رعد.. الذي ترك مكانه تجاه العربة واختفى تحت الغطاء يأكل الطعام المسمم في هدوء ونهرب إلى بيوتنا بلا سلام أو كلام.. ولا أحد يجرؤ أن يرد على صوت عم صابر الجهورى القوى ينادى رعد.. يصرخ وسط الحارة رعد.. رعد يتحرك كالمجنون إلى نهاية الحارة.. يركب الموتوسيكل وينطلق بين الحوارى والاحياء في شبرا وروض الفرج.. يومين يا عم صابر وانت بتبحث عن رعد ونحن نزداد حزنا وخوفا تزداد تعاطفا وحبا لعم صابر وننكمش من الرعب مما فعلنا.. إلى أن جاء اليوم الموعود الذي وجد فيه عم صابر الكلب رعد تحت غطاء السيارة يكف الغطاء لنرى السيارة القديمة لأول مرة ويخرج الكلب رعد من تحتها..في لحظة خروج أهالي الحارة بلا اتفاق حتى العجائز الجميع خرج على صوت بكاء عم صابر وهو يحمل على يديه الكلب رعد.. خرج بكاؤه المسموع يهز قلوب الجميع ويعصره عصرا تبكى امى وينظر اليه ابى في مهابه ونحن نصطف أهالي الحارة صفين حول عم صابر الذي يفترش التراب في وسط الحارة يبكى رعد ويحتضنه ويقبله يخفيه في حضنه ويهدهده بينما تخرج زوجته واخته التوأم القطط حول عم صابر عينهم تبكى رعد.. وكأن الوقت توقف تماما حتى يحمل عم صابر رعد ويركب الموتوسيكل ويختفي به لا نعلم أين ذهب به... ولم تعد صباح الأيام التاليه كأيام رعد... ساد الصمت كل صباح ونحن نسمع همهمات الأهالي وهي تشير إلى دكان عم صابر الذي عرضه للبيع.. وتتغير الحاره بعد عم صابر ورعد... سرقت السياره الغامضه وسكن الحاره الأغراب والبلطجيه والقتله فلم تعد كما كانت آمنه... رحم الله عم صابر وكلبه وأعاد للحاره الآمان. تمت بحمد الله،،،،