المفتي السابق يعد الإستراتيجية الكاملة ل"التجديد الديني" بالتعاون مع أسامة الأزهري.. وتقارير أمام الرئيس تطلب تعيينه بديلًا ل"الطيب" "الشيخ" يلعب دور "المرشد الديني" لمؤسسات الدولة بعد "30 يونيو" سألنا مسئولًا في الدولة: هل يكون شيخًا للأزهر؟ فرد: "غير مستبعد" كان لافتًا بالنسبة لى أن كثيرًا ممن أعرفهم إذا سألتهم عن اسم مفتى الديار المصرية الحالى سيقولون إنه الشيخ على جمعة، قد يكون العيب فيهم، لكن حالة الربط بين المنصب الرفيع واسم الدكتور على جمعة محفزة على التفكير. سلم الدكتور على جمعة منصبه للدكتور شوقى علام، في 11 فبراير 2013، بعد اقتراع سرى خلال اجتماع لهيئة كبار العلماء، غير أنه بقى محتفظًا ب«قيمة ومكانة» في «الوعى المصرى». أسس ل«علاقة خاصة» بين رجل الدين والسياسي، وشكل نموذجه: «عالم الدين يجب أن يبتعد عن السياسة الحزبية لكنه لا يبخل عن إسداء النصح للسياسيين». حاول «إرهابيون» تفجير فيلته على شاطئ بحيرة قارون في الفيوم، لكنه لم يتراجع، هو لا يحمى كلماته ب«بوليصة تأمين»، ولا يرى نفسه «مفتيًا للسلطان» أو «شيخًا للعسكر» على ما تقول الحملات الممنهجة ضده. داخل الغرف المغلقة تدور أحاديث كثيرة حول الدور الذي يلعبه الدكتور جمعة في مصر الآن، ومحاولة «فك لغز» علاقته بمؤسسات الدولة وخاصة الجيش أغرت كثيرين - نحن منهم - بالبحث وراءها. هنا نقدم ما توصلنا إليه من معلومات، لا نقول إنها «معصومة»، فحالة «السيولة» و«الغموض» التي تحيط بكل الملفات حولنا تجعل كل ما يقال قابلًا للتشكيك فيه. ■ ■ ■ في خضم المواجهة مع «الإخوان المسلمين» كانت الدولة في حاجة إلى «مرشد دينى» يدحض «ادعاءات الجماعة»، وقد استطاع أن يملأ «الفراغ» الذي خلفه غياب القائمين على أكبر مؤسسة دينية في البلاد. بحسب معلومات فإن هناك اتجاهًا داخل الدولة يريد أن يكون للدكتور جمعة «دور ديني كبير» في «إطار مؤسسى»، فهو يشكل رقمًا صعبًا في «حرب التجديد الدينى»، وهناك في «الجهات» من يراه «رأس الحربة» المناسب لقيادة «الثورة الدينية» المنتظرة. تقول مصادر مطلعة إنه تجرى الآن ما يمكن وصفه ب«عملية تجهيز» للرجل حتى يشغل منصبًا دينيًا كبيرًا، لم تفصح عنه المصادر، وحين سألت: «هل يكون شيخًا للأزهر مثلًا؟» كانت الإجابة «غير مستبعد». تربط علاقة خاصة - تبدت في أكثر من موضع - بين عبد الفتاح السيسى وعلى جمعة، فكان الشيخ داعمًا ومؤيدًا للرئيس في كل الخطوات حتى قبل توليه الرئاسة. هل نعود إلى الوراء قليلًا؟ في الأوراق الخاصة ل«السيسى» معلومة «عابرة» لم يلتفت إليها كثيرون، فأسرته يرجع نسبها إلى قبيلة «الأشراف المغازية»، أحفاد قبيلة «بنى سليم» بالمدينة المنورة، الذين نزلوا قرية «كمشوش»، التابعة لمركز منوف محافظة المنوفية، مسقط رأس الرئيس. لم يذكر «السيسى» هذه المعلومة في أي مناسبة، لكن «لمحة صوفية» ظهرت بين أحاديثه، تحدث هو عنها في أول حوار تليفزيونى أجراه مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدى، حين ذكر أنه كان مستمعًا جيدًا للشيخ إسماعيل صادق العدوى، إضافة إلى الشيخ محمد متولى الشعراوى. الشيخ إسماعيل صادق العدوى الذي ظل لسنوات طويلة خطيبًا للجامع الأزهر كان قطبًا من «أقطاب الصوفية»، ومما يروى عنه أن كان «شديد الكرامات»، متحيزًا للفقراء والمساكين فلقبه زملاؤه ب«قطب الفقراء». إذا تحدثنا عنه بشكل آخر فإنه كان مجاهدًا بعلمه وجسده أيضًا، سافر كثيرًا إلى «جبهة القتال» في عام 1973، ثم ذهب إلى سيناء يخطب في الجنود تحت خط النار محرضًا على النصر أو الشهادة. يمكن أن تقول إن «السيسى» يرى في على جمعة امتدادًا لشيخه إسماعيل، فعلاقتهما الخاصة أكبر من أي توقع، وعصية على التفسير. على أرضية واحدة يسير الرئيس والشيخ، يجمعها مفهوم واحد يرى في التصوف أصل الإسلام، منهج ينبذ القتل باسم الدين أو الخوض في السياسة باسم الله. بعد «30 يونيو» اقترب الدكتور جمعة من الجيش، خاض المعركة معه من أول يوم، لأنه مقتنع بصحة موقف الطرف الذي يقف في صفه، كان مساندًا، موجودًا على مسرح العمليات بأكثر من أي شخص آخر، أو بالأدق من أي رجل دين آخر. حاضر كثيرًا لجنود وضباط الجيش، ذهب إلى المعسكرات متحدثًا عن الحرب مع الإرهاب والمواجهة مع من يقتلون باسم الدين، مفندًا مزاعم «الإخوان المسلمين». حينما حاول معارضوه الإجهاز عليه - بعد أن فشلوا في الاعتداء عليه داخل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة - سربوا له «مقطع فيديو» يتحدث فيه لمجموعة من العسكريين، عن الحرب التي يخوضونها، ليتهم بعدها بالتحريض على القتل، بعد أن خرج الفيديو مقتطعًا من سياقه. لم يكن غريبًا أن يكون هو خطيب الجمعة في الاحتفال بنصر العاشر من رمضان، ويجلس الفريق أول (آنذاك) عبدالفتاح السيسى وقيادات القوات المسلحة مستمعين، أو في المرات الذي ذهب فيها «السيسى» لصلاة الجمعة مع القوات المسلحة. ■ ■ ■ أين الشيخ أحمد الطيب من كل ذلك؟ ليس خافيًا أن غضبًا يتزايد داخل بعض جهات الدولة تجاه أداء الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، من واقع تقارير سيادية فإنه لا يمتلك «قوة الدفع» المطلوبة للمرحلة الحالية، زيادة على انتقادات كثيرة حول تمسكه بعدد من رجال جماعة الإخوان المسلمين داخل المشيخة. من بين ما رفع للرئيس تقرير تضمن تحليلًا لأداء الشيخ الطيب ركز على نقطتين رئيسيتين أولاهما أن موقفه بعد عملية فض اعتصام «رابعة العدوية» شابه جانب من «الخذلان» للدولة وقياداتها. بعد ساعات من فض الاعتصام خرج «الإمام» ببيان صوتى: «زوال الدنيا وما فيها أهون من دم المسلم واستخدام العنف»، داعيًا جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتغليب صوت الحكمة والحفاظ على الدماء الزكية بكل السبل والاستجابة للجهود الوطنية لتحقيق المصالحة، وفى النهاية أكد أن الأزهر لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام. أراد الشيخ الطيب أن يخرج نفسه من اللعبة فساوى بحسن نية كما نعتقد بين الدولة وبين جماعة الإخوان بمسلحيها الذين أطلقوا النار فأوقعوا أول قتيل في الميدان، قبل أن يخرج مرة ثانية عارضًا أن تقوم الدولة بدفع الدية لمن قتلوا في «رابعة». هناك من رأى في هذا الموقف خذلانًا، وازدادت الأمور سوءًا بتقرير سيادى آخر حول «لوبى يحكم مؤسسة الأزهر» (النقطة الثانية) يقف عائقًا أمام قيام المؤسسة بدورها في مواجهة التطرف، ضم: الشيخ الجزائرى محمد سليمانى، ويعمل مستشارًا للطيب، ومحمد عبدالسلام، وهو مستشار لشيخ الأزهر والجامعة وهيئة الأوقاف، وعباس شومان، وكيل المشيخة، وحسن الشافعى، والدكتور محمد عمارة. رشحت التقارير نفسها الدكتور على جمعة لشغل منصب شيخ الأزهر، ورأت فيه الشخص المناسب في هذا الموقع، غير أن سيناريو توليه مشيخة الأزهر غير محدد المعالم حتى الآن مع بقاء الشيخ الطيب في موقعه حتى لحظتنا هذه. من بين أبرز المشاهدة في أزمة شيخ الأزهر الأخيرة كان اتهام الدكتور جمعة بالوقوف وراء الهجمة على الشيخ الطيب، وهناك من صرح بذلك من المقربين ل«الإمام الأكبر». أراد الدكتور جمعة أن ينفى كل ذلك فاتصل بالشيخ الطيب ليبرئ نفسه من كل ما يدور في هذا الشأن، مؤكدًا احترامه الشديد ل«الإمام الأكبر» ووقوفه بجانبه. لا تتوقف «الأزمة» بين مؤسسة الرئاسة والأزهر عند هذين النقطتين فقط بل تمتد إلى «خلاف مكتوم» بين شيخ الأزهر والبابا تواضروس، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، حول بناء الكنائس. لا تزال تصريحات الشيخ الطيب عن حرية بناء الكنائس بما لا يضر بالأمن القومى للبلاد عالقة في الأذهان إلى الآخر، فقد أثارت غضبًا واسعًا بين الأقباط. قصة الخلاف الآن أن البابا يريد أن ينص في قانون بناء الكنائس على حرية بنائها دون الحصول على موافقات أمنية مثلما يحدث في بناء المساجد، وقدم «خريطة أولىة» لكنائس جديدة احتوت على 76 كنيسة على مستوى الجمهورية، وكان أن اعترض الأزهر ممثلًا في شيخه على هذا الطرح فشكا البابا لمؤسسة الرئاسة التي انحازت له ضد «الإمام». ■ ■ ■ تقترن دعوة الرئيس ل«تجديد الخطاب الدينى» وإحداث ما وصفه ب«ثورة دينية» بإستراتيجية ترى الدولة أنها تمثل خطوة أولى نحو الهدف المرجو، وهى إحلال «دعاة الإسلام السياسي» لصالح «دعاة الصوفية السنية». ولم يكن غريبًا في هذا الشأن أن تفسح مساحات واسعة في الإعلام الآن ل«علماء التصوف السُنى العلمى»، وعلى رأسهم الشيخ على جمعة، والدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والشيخ محمد عبدالباعث الكتانى، والشيخ أسامة الأزهرى، والحبيب على الجفرى. هذه الرؤية عرج عليها الدكتور ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامى، في مقال له بإحدى الصحف الخاصة، فهو يرى أن الفرصة الآن أصبحت مواتية تمامًا ل«الصوفية العلمية السنية» للقفز على كثير من الأماكن التي احتلتها جماعات الإسلام السياسي في الفترة الماضية، استنادًا إلى ميزة إضافية في الدعوة الصوفية نفسها، فكل دعاة التصوف يقيمون دعوتهم بالشراكة مع الحكام. ليس خافيًا أن إستراتيجية التجديد الدينى يقوم على وضعها الدكتور على جمعة والشيخ أسامة الأزهرى، وفى صمت تام يعمل الاثنان على الانتهاء من وضعها في أقرب فرصة حتى تدخل حيز التنفيذ، وفى الطريق إلى كل ذلك تظهر قناة «الناس» التي ستمثل الذراع الإعلامية ل«المشروع الكبير»، وهى خرجت إلى النور ب«ضوء أخضر» من جهات حكومية. الأيام المقبلة تحمل أقدارًا جديدة لأناس كثيرين على الساحة الآن، يقترب الدكتور جمعة ب«خُطى ثابتة» من موقع كبير، ربما يصبح الموقع الدينى الأول في البلاد. النسخة الورقية