يظل الأديب الراحل يحيى الطاهر عبد الله علامة بارزة في جيل أدباء الستينات، ومثّل أدبه تحطيمًا للكثير من التابوهات المسكوت عنها، كاشفًا للكثير من أسرار الحياة اليومية؛ ومُظهرًا لعالمه الجنوبي الساحر، فحفر في ذاكرة القارئ مفرداته الخاصة، ليمتد عمر كلماته حتى الآن. جاء يحيي الطاهر إلى عالمنا في 30 أبريل عام 1938، ولد في قرية الكرنك بمحافظة قنا، وماتت أمه سريعًا لتتولى خالته مسئولية تربيته، وحصل على دبلوم الزراعة المتوسطة وعمل موظفًا بوزارة الزراعة، حتى انتقل إلى مدينة قنا، ليُقابل هناك الراحلين عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل، اللذان شاركهم السكن لثلاث سنوات. بدأ الطاهر مشواره الأدبي عام 1961، فنشر أولى قصصه القصيرة "محبوب الشمس"، وأعقبتها "جبل الشاي الأخضر"، وظّل مُقيمًا في قنا لعامين، ليلحق بعدها بالأبنودي الذي سبقه وانتقل إلى القاهرة حيث الحركة الأدبية النشطة، وأقام معه في شقة بحي بولاق أبو العلا، التي شهدت كتابة بقية قصص مجموعته الأولى "ثلاث شجرات كبيرة تُثمر برتقالًا". كان الطاهر يرى أن الكتابة في حد ذاتها انحياز لوجهة نظر في قضايا بعينها، وكانت كتاباته تشرح ارتباط الناس بالمكان وما يحويه من حياة وحكايات ومعتقدات وأساطير، وكان الحكي بالنسبة له إعادة بناء لعلاقة البشر بالحياة والمكان، المبنية على تراكم الخبرات والثقافة؛ وكان كذلك شديد الحرص على أن تعكس الكتابة تجربته الشخصية، ولكنه لم يكن يركز على الأحداث التي يمر بها في حياته، ولكن كان الأهم أن تعكس فهمه لأحداث الحياة؛ وجاءت أعماله مُتمردة على القوالب الثابتة في القصة، فأوجد لغة خاصة به يمتزج فيها سرده، أو الحكي، بلغة شاعرية وإيقاعات منغمة، فأطلق عليه عدد من النقاد "شاعر القصة"، في الوقت الذي أطلق البعض الآخر على أدبه "القصة القصيدة". توغل أدب الطاهر في مناطق غير مأهولة، وكشف عن مناطق مجهولة ومسكوت عنها في الحياة اليومية في قرى الجنوب، والعوالم السفلية لصعاليك المدينة التي برع في التوغل فيها منذ انتقل ليُقيم في القاهرة، ومزج بين الحكي والأسرار والتابوهات على خلفية من التراث، كما تمّيز عالمه بحضور قوي لعالم الأسطورة والخرافة، حيث كان يستخدم الرمز ببراعة في أعماله، وكان بتلك الرمزية، في نظام شمولي وآلة أمنية قمعية، يستطيع التعبير عن مدى انسحاق المواطن البسيط تحت وطأة آلات القهر والظلم. توفيَّ يحيى الطاهر عبد الله في التاسع من أبريل عام 1981 إثر حادث سيارة أثناء عودته من الواحات، فصعدت روحه في سيارة الإسعاف بسبب اختناق مروري في شارع الهرم.