على الرغم من عمره الأدبي الذي لا يتجاوز عشرين عاماً، فإن الأديب الراحل يحيى الطاهر عبدالله هو واحد من علامات الأدب العربي في جيل الستينيات، فكانت أعماله المُميزة وأسلوبه المختلف دفعت الجميع للاهتمام به كظاهرة أدبية، ولقّبوه ب"شاعر القصة". مُعاناة يحيي بدأت مع ميلاده في 30 أبريل عام 1938 بقرية الكرنك بمحافظة قنا، حيث ماتت أمه وهو صغير فتولت خالته تربيته، وتلقي تعليماً بسيطاً بقريته، فحصل على دبلوم متوسط ليعمل موظفاً بوزارة الزراعة لفترة قصيرة، حتى انتقل إلى مدينة قنا وهو لايزال في التاسعة عشرة، وهناك التقى الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والراحل أمل دنقل، لتجمعهم بعد ذلك رحلة صداقة طويلة. بدأ يحيى عام 1961 مشواره الأدبي، فكتب أولي قصصه القصيرة "محبوب الشمس"، وأعقبتها "جبل الشاي الأخضر" وكان عليه بعدها أن يتحمل فراق مؤقت لصديقيه، ففي نهاية شتاء عام 1962 انتقل الأبنودي إلى القاهرة، بينما انتقل دنقل إلى الإسكندرية، وظّل الطاهر مُقيمًا في قنا لعامين، ليلحق بعدها بالأبنودي في القاهرة، وأقام معه في شقة بحي بولاق أبوالعلا، شهدت بقية قصص مجموعته الأولى "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً". جاء انتقال يحيي الطاهر إلى القاهرة كشرارة انطلاق لمشواره الأدبي، وأخذ يتردد على المقاهي والمنتديات الثقافية ليُعرف خلالها كظاهرة فنية متميزة، وكان يلقي قصصه التي كان يحفظها بذاكرة قوية إلى حد الغرابة، وكأنها قصائد محاولاً بذلك تقريب المسافة بين كاتب القصة والرواة الشعبيين، وكانت صدفة مُهمة في حياته عندما كان يُلقي إحدي قصصه في مقهى ريش بوسط القاهرة، فاستمع له الأديب الراحل يوسف إدريس، ليُقدمه بعدها في مجلة الكاتب، وكذلك قدمه عبد الفتاح الجمل في الملحق الأدبي لجريدة "المساء"، لتلتفت إليه الأوساط الثقافية والأدبية في مصر. جاءت أعمال يحيي الطاهر لتتمرد على القوالب الثابتة في القصة، فأوجد لغة خاصة به يمتزج فيها الحكي بلغة شاعرية وإيقاعات منغمة، فأطلق عليه عدد من النقاد "شاعر القصة"، في الوقت الذي أطلق البعض الآخر على أدبه "القصة القصيدة"؛ حيث توغل في مناطق غير مأهولة أدبياً، وكشف عن مناطق مجهولة ومسكوت عنها في الحياة اليومية في قري الجنوب، والعوالم السفلية لصعاليك المدينة، ومزج بين الحكي والأسرار والتابوهات على خلفية من التراث، وحضور قوي لعالم الأسطورة والخرافة، مُستخدماً الرمز ببراعة في أعماله. ومن أهم الأعمال المتميزة ليحيي الطاهر عبدالله "تصاوير من الماء والتراب والشمس"، والتي تتعلق بين القصة الطويلة والرواية القصيرة، فاختار أشخاصًا وواقعًا يصعب تصويرهما متناولاً الواقع المسكوت عنه للمجتمع، والذي تنعدم فيه أدني وسائل المعيشة الإنسانية؛ كما يُعتبر فيلم "الطوق والأسورة" المأخوذ عن أحد أعماله أحد أهم أفلام السينما المصرية. توفيَّ يحيى الطاهر عبد الله في التاسع من أبريل عام 1981 إثر حادث سيارة أثناء عودته من الواحات، فصعدت روحه في سيارة الإسعاف بسبب اختناق مروري بشارع الهرم.