أستاذ بجامعة الأزهر: مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى يُعزز الاستقرار داخل المجتمع    وزير الإسكان يبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين مصر واليابان    «النواب» يوافق على منحة الاتحاد الأوروبي لدعم استراتيجية مصر للسكان    توفير 706 فرصة عمل للخريجين بأسيوط ضمن مشروع توزيع البوتاجاز    عاجل|كتائب القسام تنسق مع الصليب الأحمر لإطلاق سراح عيدان ألكسندر مساء اليوم    "كل الملفات مغلقة".. البنك يكشف ل "يلا كورة" حقيقة عرض الأهلي لضم أحمد ربيع    أمم إفريقيا للشباب – أسامة نبيه يعلن تشكيل مصر أمام غانا    العثور على جثة شخص مجهولة الهوية في ترعة بالفيوم    العثور على جثة شخص داخل مقابر الإباجية بالمقطم    نيابة كفرالشيخ تحبس تيكتوكر 4 أيام على ذمة التحقيق    الفنانة جوري بكر أمام مكتب تسوية المنازعات 20 مايو    قافلة طبية مجانية تجرى الكشف على 1640 مواطنًا بنزلة باقور بأسيوط    مستقبل وطن: زيادة تحويلات المصريين بالخارج تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية    رفض إستئناف متهم بالإنضمام لجماعة ارهابية ببولاق الدكرور    تفاصيل تأمين «الثانوية العامة»| زيادة أفراد التفتيش أمام اللجان والعصا الإلكترونية    وزارة الداخلية المصرية ترسل شحنات ملابس شرطية إلى الصومال    فيلم الجرح لسلوى الكوني يمثل جناح المغرب بمهرجان كان السينمائي الدولي    النواب يعترضون على كلمة مؤسس اتحاد مستأجري مصر.. الجعار يستخدم آية قرآنية ويستشهد بالمادة الثانية من الدستور    نقابة الأطباء تحتفل ب"يوم الطبيب المصري".. وتكرم المتميزين في مختلف التخصصات الطبية.. "عميرة": نسعى للنهوض بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    منظمة الصحة العالمية تطلق تقرير حالة التمريض في العالم لعام 2025    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء.. مصر تخطو بثبات نحو الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدر لأكثر من 147 دولة.. 180 مستحضرًا و129 مادة فعالة.. وتحقيق وفر بمئات الملايين.. إنفو جراف    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    مصروفات كلية الطب البشري بالجامعات الخاصة والأهلية 2025-2026    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    الشروط والحالات المستفادة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة مايو 2025 بالزيادة    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    وفاة أحد أشهر المصارعين الأمريكيين عن عمر ناهز 60 عاما    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت الأحمر.. عمليات اغتيال المصريين بالمواد السرطانية
نشر في البوابة يوم 29 - 04 - 2015

أول أكسيد الكربون ينتج من أفران الحديد والكروم من مكونات الأسمنت وكلاهما قاتل
هانى الناظر: تراب المصانع يصيب العاملين بأكزيما التلامس والسرطان وتحجر الرئة
خبراء: استخدام الفحم بمصانع الأسمنت «قنبلة موقوتة» إذا لم تطبق الاشتراطات الصحية الآمنة
هل تقتصر أسباب موت المصريين على سقوط مساكنهم فوق رءوسهم؟ بالطبع لا.. فهناك أكثر من طريقة للموت بل أكثر من سبب كلها تمت مناقشتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما نشرناه في الحلقة الأولى من هذا التحقيق، الذي استقصينا فيه عن سر خلطة الأسمنت، التي تعتبر البطل فيما نحن بصدده في التحقيق في وجهه الأعم، حيث أسرار موت المصريين وفقدانهم لحيواتهم، سواء اتصلت بالخلطة كلها أو ببعض المواد التي تدخل في صناعتها، وأهمها الحديد والأسمنت، وكلتاهما تحمل الموت السريع للمواطن حيثما كان، بدءا من المشاركة في عملية تصنيعها، وانتهاء بالسكنى بين جدران تصل المواطن بأسباب الموت، خاصة إذا كانت العمارة حديثة البناء.
لا تزال حركة التمازج الكيماوى بين عناصر الخلطة في أشد مراحلها قبيل الخمود التام، الذي لا يحدث إلا إذا اقتحم السرطان، وما هو على شاكلته من أمراض فتاكة لأجساد السكان، إلا أننا اكتشفنا أيضًا عبر الدراسات العلمية وآراء الخبراء، أن ما يتسبب في تلك الأمراض، تحصل عليه الشركات المنتجة للموت مدعومًا من الحكومات المتعاقبة، التي كان مفترضا عليها الحفاظ على أرواح رعاياها، بدلا من الاستدانة أو طلب التبرع لعلاجهم بعد أن أمرضهم من ترعاهم الحكومة ذاتها!.
مع تزايد حالات الإصابة بهذا المرض الفتاك ووصولها في بعض الإحصائيات إلى ما يقرب من 150 ألف مصاب سنويا، طبقًا لإحصائيات السجل القومى للأورام، وكذلك اعتراف وزير الصحة د. عادل العدوى باحتياج الدولة لنحو 3 مليارات جنيه سنويا لعلاج مرضى السرطان، تكشف «البوابة» واحدا من مسببات المرض التي تستقر داخل مصانع الأسمنت، وهى مادة الكروم، التي تجعل ببساطة هذه الصناعة ضمن مسببات المرض الخبيث، وخطرًا يهدد حياة المصريين، وفقًا لما أكدته الدراسات العلمية التي أجريت بتوصيات من وكالة حماية البيئة الأمريكية، التي ذكرت أن مادة الكروم الموجودة في «تراب» أفران مصانع الأسمنت مادة سرطانية، إذا ما وجدت بكميات أكثر من الحد المعيارى، المطلوب عالميا أو محليا، واعتبرت معدن الكروم وبعض المواد الثقيلة سرطانية، كذلك يأتى ناتج احتراق الفحم كمسبب لما يسمى بالموت الأحمر، ففى حالة عدم اتباع اشتراطات الأمان المطلوبة، والتدخل البشرى بأي صورة، تبرز أعراض المرض الناتج من تشبع جسم المصاب من غاز أول أكسيد الكربون.
ثم تأتى كارثة عدم مطابقة إنتاج مصانع الأسمنت للمواصفات القياسية المصرية أو العالمية، باتباعها طريقة زيادة نسبة الكروم، المصنوع من الحجر الجيرى والطفلة لأكثر من 7٪، لتصبح سببًا للأمراض الخطيرة التي تصيب العمال، التي قد تصل للإصابة بالسرطان، وفقًا لما ذكره الدكتور سلمان الحملى، الأستاذ بقسم الأسمنت بالمركز القومى للبحوث، رغم امتلاك الشركات نفسها لمصانع في أوربا، وهى لا تجرؤ على مخالفة الأنظمة الأوربية بمواصفتها القياسية، فيما لا تتبع المصانع البالغ عددها 23 مصنعا في مصر الاشتراطات الأمنية التي تؤمن سلامة العاملين أو سكان المناطق المجاورة لها.
ما سبق يتطابق مع الدراسات العلمية الحديثة، الصادرة عن المركز القومى للبحوث، التي ذكرت بأن ما ينتج عن ال23 مصنعا للأسمنت، يعد أخطر الملوثات البيئية مثل «الكروم والزنك والنيكل والرصاص والزرنيخ والكادميوم»، الناتجة من تراب الأفران، كما ذكرت بأن عنصر الكروم هو الأكثر خطورة والأعلى تركيزا في أفران المصانع الثلاثة، التي جرت عليها الدراسة وهى «مصانع بورتلاند حلوان والقومية وأسمنت طرة» وكلها تسبب الإصابة بالسرطان، ذلك ما أكده الدكتور ياسر حسن إبراهيم، رئيس قسم تلوث بحوث الهواء بالمركز القومى للبحوث ذاكرًا خطورة الكروم الذي يتسبب في حالات الإصابة بالسرطان، إذا كان غير متحد مع عناصر أخرى، أو غير مشبع لأنه في حالة اتحاده مع عناصر أخرى تعمل على وقف نشاطه، لكن تكمن الخطورة في الكروم الثلاثى والسداسى، الذي يتفاعل مع العناصر المغايرة ويصيب بحالات التسمم، وإصابة العاملين بالمصانع بالالتهابات الجلدية، التي تبدأ بظهور فقاعات مائية مع حرقان وهرش شديد، قد يصل لتقرحات جلدية، في حالة زيادة بكتيريا الأسمنت، خاصة في الخلطات الخرسانية، التي تصيب الجلد ويكون لها تأثير حارق قد يصل للسرطان، وفقًا لما ذكرة الدكتور هانى الناظر، أستاذ الأمراض الجلدية، رئيس المركز القومى للبحوث سابقا، مضيفا: «يتسبب الأسمنت في حدوث أكزيما التلامس الحادة والمزمنة، خاصة أن العاملين في مصر لا يستخدمون أي عوامل أمان صناعى من بدل أو قفازات، رغم تسبب تراب مصانع الأسمنت الذي تزيد فيه نسبة الكروم، والملوثات العالقة في تحجر وسرطان الرئة».
ويقول أيضا: «أما مسألة استخدام الفحم كطاقة بديلة لمصانع الأسمنت، فتمثل «قنبلة موقوتة» إذا ما لم تتبع وسائل التحكم الآمنة والتكنولوجيا المناسبة، على حسب الفحم المستورد سواء «الصينى والألمانى»، ويحذر من تدخل العنصر البشرى لأن احتراق الفحم ينتج عنه أول أكسيد الكربون، الذي يصيب ب«الموت الأحمر»، لأنه يتفاعل مباشرة مع الدم ويصيب بحالة تشبع تام للجسم، بهذا الغاز الذي يؤدى لموت الشخص فورًا، وقد يسبب «الرصاص» لين عظام للأطفال وتكثر حالات الإصابة في الصناعات الثقيلة المتربة «حديد وصلب وأسمنت وسيراميك».
فيما يقول الدكتور خالد يسرى، نائب رئيس المركز القومى لبحوث الإسكان ردًا على تساؤلنا عن جودة الأسمنت المصرى: «إن الهيئة العامة للمواصفات والجودة تشرف على معايير ومواصفات الأسمنت المنتج من المصانع ولكن تختلف نوعية التربة بما فيها من الكبريتات والكلوريدات، التي تختلف من تربة لأخرى عن طريق تحديد كمية الخلطة الخرسانية، لعمل القواعد والأساسات ويتم أخذ العينات للإشراف عليها، كما أكد بأنه تمت مخاطبة كليات الطب بالجامعات للوصول إلى النسبة التي لا تؤثر بالسلب على حياة العاملين دون أن يذكرها أو الإدلاء بتصريح حول الوصول للحل المناسب، حاليا يتم عمل كود مصرى تراعى فيه هذه النسبة.
مفارقات حكومية
الغريب أن دعم الدولة لهذه الصناعات، يأتى كأنها تدعم بنفسها ما يُمرض رعاياها، دون أن تراقب أو تعلى من شأن الثروة التي تبيعها، فلا هي حصلت على مكافئ رقمى من المال، يوفر لها القدرة على تلافى الآثار الجانبية لهذه الصناعة، ولا هي راقبت معايير الأمان التي يمكنها تقليل العائد الأسود للمتعاملين معها داخل المصانع أو البيوت، لذا فإن عرض المفارقة التي تحدث في كواليس هذه الصناعة يصبح واجبًا لتبيان الجانب الحكومى في هذه المسألة بدءًا من المادة الخام من الحجر الجيرى، وصولا لإذعانها بالموافقة على استخدام الفحم.
وهنا يقول الدكتور يحيى القزاز، أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان: «صناعة الأسمنت في مصر يجب أن تكون أرخص المنتجات، حيث يدخل في مكوناتها الحجر الجيرى بنسبة 76٪ وتحصل عليه الشركات بسعر 15 مليما للطن طبقا لقانون 86 لعام 1956م، كما أن مكوناته هي «الطفلة - الجبس - الرملة - الدولمايت» تدخل في صناعة الأسمنت بنسبة 3 أطنان حجر جيرى لإنتاج طن واحد أسمنت، بتكلفة 4.5 قرش، وبقية ال24٪ لاستكمال الإنتاج في حدود 20 قرشا، ونستنتج أن الكمية المطلوبة لخامات صناعة الأسمنت لا تتجاوز طبقا للقانون 50 قرشا، إضافة للطاقة المدعومة، رغم إمكانية استخدام الطاقة البديلة أو إعادة تدوير المخلفات، ومن هنا نكتشف أن صناعة طن الأسمنت في مصر لا تتجاوز ال180 جنيهًا رغم أنه متداول في سوقنا ب800 جنيه».
ويضيف القزاز: «كان لزاما على الدولة طالما هناك أزمة طاقة، بدلا من استخدام الفحم أن تفتح باب الاستيراد الذي يوفر طن الأسمنت بأقل من 400 جنيه، وطن الحديد بأقل من 5 آلاف جنيه، لتيسير صناعة البناء وتقليل تكلفة السكن للشباب، كما حدث في السودان عندما رفض التجار الجشعون خفض أسعار هذه الصناعات، فقامت الدولة بالاستيراد حفاظًا على المواطنين»، وأضاف: «القانون رقم 86 يهدر مليارات الجنيهات على الدولة، ويؤجر المناجم بأسعار عام 1956، وينهب الثروات المعدنية للبلاد بالقانون، الذي يفترض أنه يحمى الثروات ويوقف عمليات النهب، لا أن يسهم في إهدار مليارات الدولة لصالح قلة من المنتفعين، ليكون الناتج غير إهدار المال العام إهدارًا من نوع آخر هو إهدار الصحة العامة أيضا، دون أن يفكر مسئول واحد في الحكومة، أو في الحكومات السابقة، في السعى لتغييره إلا في الفترة الأخيرة، رغم مطالبات هيئة الثروة المعدنية العديدة بضرورة ذلك، والآن يُعرض القانون على مجلس الوزراء في محاولة للتغلب على بنوده المجحفة، نظرًا لأن مصر تمتلك 254 منجمًا لا تزيد قيمتها الإيجارية على نصف مليون جنيه فقط لا غير، في الوقت الذي يجنى فيه المستأجرون من وراء هذه المناجم نحو 6 مليارات جنيه سنويا حسب تقدير الخبراء.
ويواصل «القزاز» بأن القانون 86 هو المنظم لعمليات استغلال وتأجير المناجم، وتم وضعه بشكل دقيق جدا، لتنظيم العلاقة بين الدولة والمستأجرين، وضمان حقوق الطرفين، إلا أن استمرار تطبيقه حتى الوقت الحالى، فيما يتعلق بالحقوق المالية للدولة يعد ظلما فادحا، حيث يتم حساب القيمة الإيجارية للمناجم طبقا لأسعار عام 1956، وهو عام صدور القانون، بل وعند تقديم طلب استئجار منجم، يقوم صاحب الطلب بدفع رسوم الطلب بتكلفة لا تزيد على جنيهين، وتتم دراسة الطلب في المساحة الجيولوجية وتحديد مساحة المنجم، التي تبلغ نحو 16 كيلو مترا مربعا للمنجم الواحد، وبعد ذلك يتم تحديد القيمة الإيجارية السنوية للمنجم على أساس المساحة، وتُحتسب القيمة الإيجارية للكيلو متر المربع بسعر 500 جنيه، بمعدل 5 جنيهات للهكتار، أي 10 كيلو مترات.
كما أن القيمة الإيجارية المحددة تشمل كل المناجم على اختلاف إنتاجها، وهو ما يعد تقييما ظالما بالمقارنة بتراخيص المحاجر التابعة للمحليات، مثل محاجر الرمل والزلط والرخام، والحجر الجيرى والجبس الخاص بمصانع الأسمنت، وبالمقارنة بالقيمة الكبيرة للخامات التي يتم استخراجها من هذه المناجم، حيث نجد أن إيجار الكيلو متر المربع من المحليات يبلغ نحو مليون جنيه سنويا، ووصل الأمر إلى أن تكلفة إيجار 10000 متر لمحجر رخام تبلغ مليون جنيه، وبالمقارنة أيضا بسعر الرمل الكولينى، الذي تبلغ تكلفته 140 ألف جنيه، في الوقت الذي تحتسب فيه القيمة الإيجارية للرمل الأبيض على أساس سعر الهكتار، وهو 5 جنيهات فقط.! وبالرغم من المحاولات المستمرة لتغيير القانون إلا أن ما تسرب منه هو تقنين إشراف المحليات على المحاجر وهو الأمر الخطير الذي يهدر موارد الدولة كما كان سابقا، وللأسف أعطى القانون الجديد المزمع إصداره حق إصدار التراخيص للمحافظ، وكنا نطالب بأن تكون الولاية على الثروة المعدنية لهيئة الثروة المعدنية على أن يكون بكل محافظة مكتب للثروة المعدنية لتيسير إجراءات الترخيص.
وفى دراسة علمية حديثة ووفقا لأحدث التقارير الصادرة عن المحليات وهيئة الثروة المعدنية ووزارة البترول عن صناعة الأسمنت، التي يدخل فيها الحجر الجيرى المكون من الطفلة والدولمايت والجبس كمكون أساسى لها، وحتى نعلم الكارثة التي تصيب المصريين في أموالهم وصحتهم، يجب أن نعلم أن المحاجر التي يخرج منها هذا المكون الرهيب، تنتج ما يقرب من 300 طن سنويا، تحصل المحليات على مبلغ 12 جنيها للطن الواحد، فيما لا يزيد ما يصل لخزينة الدولة على مليم ونصف عن كل طن، وهو ما يعنى إهدارا للمال العام، تكون نتيجته إهدارا للصحة العامة أيضا، تؤدى في النهاية لحالة التسول التي تمارسها الدولة بحثا عن المال الذي تعالج به ضحايا هذه الصناعة.
محاجر الطفلة أيضا تساهم في كل ما سبق، فإنتاجها يصل إلى 50 مليون طن في العام، تحصل المحليات عنها ما مقداره 4 جنيهات للطن الواحد، في مقابل 50 مليما تدخل لخزانة الدولة، ومن ثم تحصل المحليات على 200 مليون مقابل 46 ألفًا و550 جنيها.
أما المكون الثالث ويأتى من محاجر «الجبس» التي يصل إنتاجها ل35 مليون طن، و5 ملايين طن من الأسمنت و30 مليونا صناعات أخرى تُحصل المحليات على جنيه إتاوة للطن لتدخل خزانتها 35 مليون جنيه في مقابل يدخل خزانة الدولة 50 مليما لتحصل على مليون و75 ألفًا وما يدخل بالفعل 9450.
أما المكون الرابع «محاجر الدولمايت، التي تنتج 150 مليون طن تحصل المحليات 8 جنيهات إتاوة للطن لتصل مكاسبها 1.2 مليار جنيه في مقابل لا يدخل خزانة الدولة سوى 75 مليما للطن فيصل قيمة ما يدخل الخزانة ل8 ملايين و55 ألف جنيه فقط، وما يدخل خزانة الدولة أقل بكثير حسب بيان وزارة البترول لا يزيد على 12332 جنيها.
أما محاجر الرمل التي يصل إنتاجها ل232 مليون طن تحصل المحليات إتاوة تصل ل50 قرشا لتحقق أرباحا تصل ل116 مليون جنيه، أما خزانة الدولة التي تحصل 20 مليما للطن فلا تحصل سوى على 464 مليونا في حين أن ما يورد فعليا فقط هو 2 مليون و200 ألف، ليصل إجمالى إيرادات المحليات من صناعة الأسمنت ل6 مليارات جنيه و491 مليون جنيه، في مقابل 21 مليونا و94 ألفا تدخل خزانة الدولة.
وفى نفس السياق يقول الدكتور عمرو طعيمة رئيس هيئة الثروة المعدنية: «من المفروض أن تتبع المحاجر بما فيها من ثروات معدنية، تبعية مباشرة لهيئة الثروة المعدنية، ويكون لها مكتب في كل محافظة، لكن قد تكون هناك رؤية أخرى وبعد اقتصادى أو سياسي لا نعلمه، حال بين هذا الأمر الذي طالبنا به مرارا وتكرارا، وأضاف «طعيمة»: «ما يهمنا كهيئة هو الإشراف الفنى للمناجم والمحاجر حتى لا تهدر الخامة، وتباع رملة الزجاج مثلا على أنها رمال بناء، وليس إصدار التراخيص وتوريد الأموال ولا يهمنا من يوردها».
حاولنا الوصول لرئيس الشعبة العامة لمواد البناء، المهندس أحمد الزينى، لنتفاجأ بأن الشعبة شكلت من 7 شهور مضت، وتم تشكيل مجلس إدارتها، ولم تعقد اجتماعا واحدا وغير معلوم أي قناة اتصال معه!.
ويضيف الدكتور ممدوح حمزة «أستاذ الهندسة المدنية ورئيس المجلس الوطنى» بأن ارتفاع سعر طن الأسمنت يتجاوز الضعف والذي لا يتعدى من 180 إلى 220 جنيها تتوقف على سعر الكهرباء والغاز، وأضاف «حمزة» يمكننا القول بأن مصانع الأسمنت «حرامية» فإذا كانت شركات العالم تربح 7٪ ففى مصر تتجاوز الأرباح ال50٪ فهى تأخذ المادة الخام مدعومة من الدولة وتبيع المنتج وفقا للأسعار العالمية، ومن المفروض على الدولة أن تتولى تسليم المادة الخام للمصانع، وتتسلم منها المنتج مقابل 120 جنيهًا للطن، خصوصًا بعد إقبال الدولة على مشروعات الطرق في الفترة القادمة وبناء الحوائط من الخرسانات.
هذا ما تدفعه الدولة إما برغبتها أو برغبة الآخرين، الذين يسعون في الأرض فسادا استغلالا لتغفيل الحكومات في مصر، وحرصها على دعم صناعة تأثيراتها الجانبية على المواطن البسيط سواء كان عاملا بها أو مستفيدا ومستخدما لها، ليس سوى مرض يجر الموت في أذياله، فيما هي تبحث عمن يرد يدها الممدودة تسولا بما تعالج به أمراضا نتجت عن الصناعات التي تدعمها.
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.