دروس التاريخ تعلمنا دروس التاريخ أن الأمم والدول التي تتعرض لتهديدات معادية مشتركة، يتحتم عليها أن توحد جهودها لتشترك في مواجهة ودفع هذه التهديدات.. هكذا كان الحال عندما تعرضت الأمة العربية للغزوة الصليبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، عندما نجح صلاح الدين الأيوبي في توحيد الجيش المصري والسوري في مواجهة الجيوش الصليبية، فنجح في هزيمتهم في معركة حطين عام 1187م، وتم استعادة القدس بعد هذه المعركة بعدة شهور. وقد فعل الأمر نفسه سيف الدين قطز حاكم مصر في زمن اكتساح التتار لبلدان آسيا والمشرق العربي في القرن الثاني عشر، وتقدم إلى غزة مستهدفين دخول مصر، فتصدى لهم الجيش المصري في غزة وطاردهم حتى وقعت المعركة الرئيسية ضدهم في عين جالوت الشهيرة، بعد أن أمن قطز تحركات الجيش المصري بالاتفاق مع أمراء فلسطين والشام. واذا انتقلنا الى العصر الحديث، فقد تعرضت البلدان الاوربية في أربعينات القرن الماضي الى غزوات الجيوش النازية الالمانية بقيادة هتلر، واحتل عدة بلدان كبرى منها ابرزها فرنسا، فماذا فعلت الدول الاوربية؟ تحالفت جميعها مع الولاياتالمتحدة لضرب قوات النازي وطردهم من بلدانهم الى المانيا حيث تم اسقاط الدولة النازية في اغسطس 1945، وقد ضم هذا التحالف دول متناقضة ايدلوجيا مثل روسيا الشيوعية –ولكن جمعتهم ووحدتهم جميعا، وحدة التهديدات النازية ضدهم. وعلى المستوى العربي في العصر الحديث، لعل الانتصار الأكبر الذي حققه الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 باشتراك الجيش السوري معه في الحرب ضد اسرائيل، واجبار الأخيرة على القتال في جبهتين على عكس نظرية امنها التي ترفض ذلك، خير دليل على اهمية التعاون العسكري العربي في مواجهة عدد مشترك.. لا سيما وقد شاركت دول عربية اخرى في الحرب بجهود أخرى، منها اليمن التي ساعدت مصر في إغلاق مضيق تيران، ومنها السعودية التي استخدمت سلاح النفط في المعركة ضد امريكا وأوروبا، والجزائر التي ساعدت بالتمويل في استعواض الخسائر في الأسلحة والمعدات، فضلا عن مشاركة الكويت والسودان والمغرب بقوات لتأمين العمق الاستراتيجي والاتزان العسكري في مسرح العمليات. ومن هنا يتأكد انا اهمية التعاون العسكري العربي –بل وحتميته – بين الدول العربية لمواجهة العدائيات المشتركة، وما أكثرها في زمننا الحالي. حيث تضم الارهاب الذي يضرب جنبات الدول العربية في داخلها وايران التي تريد إقامة امبراطورية فارسية على حساب الدول العربية، وتركيا التي تريد استعادة الامبراطورية العثمانية القديمة، واسرائيل التي تريد أن تكون القوة الإقليمية العظمى الوحيدة في المنطقة واقامة دولة اسرائيل الكبرى على حساب الدول العربية، ومساندة أمريكا التي تريد يسطر هيمنتها على المنطقة من خلال مشروع الشرق الاوسط الجديد بأسلوب الفوضى الخلاقة، واعتمادا على منظمات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي لا تعترف بالأوطان وعلى استعداد لبيعها مقابل أن تضم لهم أمريكا استمرار حكمهم. حتمية المشاركة العربية ومع تزايد التهديدات والمخاطر والعدائيات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي اليوم في الداخل ومن الخارج، كان لابد من تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة وفاعلة، قادرة على مواجهة التحديات، والعمل "كرأس ريح" او "مفرزة متقدمة" للجيوش العربية، بعد أن وصل الأمر إلى اغتصاب السلطة الشرعية في بعض الدول العربية –مثل ليبيا واليمن –لصالح قوى معادية في الدائرتين الاقليمية والدولية.. وقد دق الرئيس عبد الفتاح السيسي ناقوس الخطر في نوفمبر الماضي مطالبا بتشكيل قوة انتشار سريع، وهو الاقتراح الذي استجابت له معظم الدول العربية واقرته القمة الأخيرة، بحيث تكون المشاركة في هذه القوة اختياريا، وعلى أن يجمع رؤساء أركان جيوش الدول التي وافقت على المشاركة خلال شهر لبحث الموضوع، وتقديم تقريرهم الى رئاسة القمة خلال ثلاثة أشهر بحيث يشمل آليات تنفيذ قرار القمة في هذا الشأن، وقد عارضت كل من العراق والجزائر وتونس وقطر هذا القرار، خشيته أن تكون مثل هذه القوة العربية المشتركة طرفا في أي خلافات داخلية، سواء داخل الدولة المعرضة للتهديد أو بين الدول العربية بعضها بعضا، وهو الوضع القائم حاليا في اليمن وليبيا وسوريا. ومن الواضح أن الأزمة اليمنية، ومحاولة الحوثيين حصار عدن لمنع عودة الرئيس منصور هادي لها، هو جزء من خيارات الحل العسكري للأزمة اليمنية، والذي صار الحل الوحيد الباقي لحلها بعد أن فشلت جميع الطرق السلمية، حيث استمرت الحوارات عدة شهور بلا نتائج، وثبت أن الحوثيين يريدون الاستفادة من الوقت في توسيع دائرة انتشارهم ونفوذهم في اليمن، والحصول على مزيد من الأسلحة والذخائر والمعدات من إيران وتكديسها في جبال اليمن استعدادا لحرب طويلة، ناهيك عن تهديداتهم المكشوفة باكتساح السعودية والوصول الى المقدسات الاسلامية في مكة المكرمة وبسط هيمنتهم عليها، وهو ما ترجموه بنشر صواريخ بالستية ووحدات مدفعية موجهة نحو جنوب السعودية حيث اصبح التهديد الحوثي داهما ودافعا ، خاصة أنه سبق في عام 2011 أن اعتدى الحوثيون في قوات حرس الحدود السعودي في مناطق جيزان ونجران القريبة من شمال اليمن معقل الحوثين في صعدة. أما في ليبيا فإن الوضع لا يختلف كثيرا عن الوضع في اليمن، وإن اختلفت وتعددت القوى اللاعبة فيها ز فرغم وجود برلمان منتخب بأسلوب ديمقراطي، وحكومة وطنية وجيش وطني ، فقد نجحت الجماعات الارهابية المتأسلمة.. خاصة "انصار الشريعة" و "فجر ليبيا" في اجبار الحكومة والبرلمان على مغادرة طرابلس ونقل مقر اعمالهم الى طبرق، وصال القتال يوميا بين الجيش الليبي الوطني بقيادة الفريق خليفة حفتر والجماعات الإرهابية في بنغازي من اجل رغبة الاخيرة في السيطرة على حقول النفط ومنشآته وموانئ تصديره في شرق ليبيا، وحيث تتلقى هذه الجماعات دعما بشريا وتسليحيا وتمويليا من قطر وتركيا والسودان، بل وأيضا مرتزقين آفارقة من مالي وتشاد ودول إفريقية أخرى يتم نقلهم إلى طرابلس ومصراتة، وقد فشلت جهود المبعوث الدولي من أجل الوصول بالجواز إلى حل هذه الأزمة وقد زادت خطورة الأمر في ليبيا أن قوى دولية على رأسها الولاياتالمتحدة وقوى اقليمية على رأسها تركيا وقطر، ودول أخرى مجاورة لليبيا –تونس والجزائر – ترفضان المطلب المصري بتسليح الجيش الوطني الليبي ليكون قادرا على حسم الصراع مع الجماعات الإرهابية في ليبيا والتي تعدت 500 جماعة جميعها تحصل على الدعم المالي والتسليحي من خارج ليبيا، بل ويطالبون بحل سياسي يؤمن اشراك هذه الجماعات الإرهابية بصورة أو أخرى في الحكم، وهو ما يعد تكريسا لفكرة تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات.. دويلة برقة في الشرق، ودويلة فزان في الوسط والجنوب، ودويلة طرابلس في الغرب.. من هنا جاء تصدي مصر لهذا المخطط التأمري، لاسيما بعد أن أعلن الإرهابيون في درنة التي تقع على مسافة 65كم من الحدود المصرية مبايعتها لزعيم داعش، وصارت تتلقى التكليفات من داعش لارتكاب أعمال إرهابية ضد مصر كان اخطرها واكثرها وحشية اعدام 21مصريا منذ شهرين في درنة، وهو ماردت عليه مصر بشن ضربة جوية مركزة ضد معاقل داعش في هذه المنطقة، وصارت مصر وحدها هي المتكلفة بتسليح ودعم جيش ليبيا الوطني. قوة دفاعية وليست هجومية أشارت وكالة اسوشيتد برس في تحليلها لخبر تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة أن هذه القوة سيكون من مهامها مواجهة المسلحين الإسلاميين، وضد انتشار وتمدد النفوذ الايراني، بل وردع ايران عن الاستمرار في سياستها التوسعية، وأضافت أن هذه القوة العربية المشتركة سيصل تعدادها الى حوالي 40.000 مقاتل من صفوة القوات، وأن مركزها سيكون في القاهرة او الرياض، وستدعمها مقاتلات جوية وسفن حربية وأسلحة خفيفة. ويتضح من الهدف الذي ستشكل من أجله هذه أنها ذات طابع دفاعي وليس هجوميا، وتستند الى اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي أبرمتها 58 دولة عربية سنة 1950، وهي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية آنذاك، وتقضي هذه الاتفاقية بدفاع الدول العربية عن بعضها البعض بواسطة جيش عربي موحد، وهو الذي تم تشكيله لمحاربة اسرائيل عام 1948. ثم اعقبت هذه المحاولة اتفاقيات ثنائية بين مصر والأردن، ومصر وسوريا بعد 1956 ضد عدوان اسرائيل كان متوقعا آنذاك، ثم اخذت الاتفاقية المصرية مع سوريا شكلا أعمق بعد إعلان الوحدة بين البلدين عام 1959 والتي انتهت بالفشل.. كما برزت تجربة فاشلة اخرى في اليمن.. عندما ارسلت مصر قواتها الى اليمن لدعم ثورتها عام 1962 واستمرت خمس سنوات حتى عام 1967، حيث تم سحبها عقب اتفاقية جدة بين ناصر وفيصل عام 1967 والتي قضت بسحب القوات المصرية كلها من اليمن . الا ان تجارب اخرى لتشكيل قوات عسكرية مشتركة نجحت في تحقيق أهدافها.. منها التحالف المصري – السوري في حرب 1973 ، وتجربة حرب تحرير الكويت عام 1990 عندما ارسلت مصر فرقتين احدهما ميكانيكية والاخرى مدرعة وقوات خاصة الى السعودية للاشتراك مع قوات عربية وغربية اخرى الى السعودية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي ونجحت في ذلك في مارس 1991 . وعلى الرغم م زوال الاتفاقيات الفرعية والثنائية، إلا أن اتفاقية الدفاع المشترك ما زالت قائمة ولم تزل حتى الآن، وان كانت غير مفعلة. إلا أنها لا تزال تشكل الاساس القانوني لاي تعاون عسكري عربي على اساس ثنائي أو ثلاثي أو جماعي جزئيا او كليا، ومن ذلك قرار القمة العربية الاخيرة بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة الذي اشار الى هذا الاساس القانوني، فضلا عن ميثاق الجامعة العربية . اما في دول الخليج التي تواجه عدو اخواني مشترك متمثل في ايران، وعددها 6 دول تقع جميعها على الساحل الغربي للخليج العربي في مواجهة التواجد الايراني على الساحل الشرقي للخليج وفي الجزر، كما تسيطر على مضيق هرمز، فضلا عن استيلائها على جزر حاكمة عند مدخل هذا المضيق وهي: ابو موسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى وهي السعودية والامارات والكويت وعمان وقطر، حيث شكلت قوات "درع الجزيرة" ذات قيادة موحدة للدفاع عن هذه الدول ، ويجري بينها تدريبات مشتركة ، وقد نجحت في دخول البحرين عام 2011 للمحافظة على امن واستقرار حكومة البحرين في مواجهة تحريض ايران لشيعة البحرين على القيام بانقلاب مسلح على النظام القائم واستبداله بنظام حكم شيعي موال لايران . لذلك لا تنطلق فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة من فراغ، وانما ترتبط بالتطورات القائمة والتي تتعلق بقيام دول عربية باضطلاع مهام أمنية خارج حدودها، سواء في صورة فردية أو ثنائية او جماعية وفي هذا الإطار يبرز التعامل المصري مع الحالة الليبية، وتشكيل تحالف اقليمي دولي للتعامل مع داعش في العراق وسوريا، كذلك في التحالف العربي لمواجهة الانقلاب الحوثي في اليمن، حيث أرسلت عشر دول عربية وحدات جوية وبحرية وبرية لمحاصرة الحوثيين، والعمل على إعادة الشرعية إليها. طبيعة القوات غالبا ما ستكون قوات القوة المعنية المشتركة ذات طبيعة دائمة وليست تجمعات عسكرية مؤقتة تجسد توافق ارادات عدة دول لمجابهة تهديد مجدد . وهي جزء من قوات قائمة بالفعل وليست مستقلة وقد يكون تمركزها في مكان واحد او في عدة دول، تجتمع في توقيتات محددة أيضا لدراسة تقديرات الموقف خاصة على الصعيد الاستخباراتي، ولتنقيح خطط العمليات.. هذا مع العمل على إعداد مسرح العمليات بما يخدم اهداف ومهام القوة المشتركة، وتأكيد قدراتها على التعامل مع الازمات الطارئة والتعاون فيما بينها لمواجهتها، هذا بالتوازي مع تكثيف التعاون مع القيادات والهيئات والادارات العسكرية التابعة لهذه الدول. لذلك فان الطبيعة المرنة لتشكيل هذه القوة من حيث الأطراف المشاركين فيها، وارتباط تدخلها الميداني بالطلب الاختياري من الدول العربية، ستكون سمة تشكيل وتكوين هذه القوة العربية المشتركة . وستكون قوة الانتشار السريع التي دشنتها مصر في 25 مارس 2014، نواة القوة العربية المشتركة، بجانب وحدات أخرى مماثلة في الدول العربية المعنية.. تتصف بالخفة وسرعة الحركة جوا وبرا وبحرا ، مع قوة ميدانية ضخمة ومتنوعة، لها وسائل نقل سريعة وتكفل حشد هذه القوة في اجناب وعمق مسرح العمليات لتنفيذ مهام قتالية متعددة . حجم وتكوين القوة المشتركة يتوقع الا يقل عددها عن 40-60 الف مقاتل، تتشكل من وحدات مشاة ميكانيكية ووحدات صاعقة ومظلات وبرية وبحرية مسلحة بدبابات خفيفة وعربات قتال مدرعة، وصواريخ فردية مضادة للدبابات، وصواريخ خفيفة مضادة للطائرات محمولة على الكتف، تساندها وحدات مدفعية خفيفة ذات قوة نيران ضخمة وذاتية الحركة، قبل الصواريخ المجرورة متعددة المواسير ويتوقع ان تشكل القوة العربية المشتركة في هيئة 3-4 فرق مختلطة تعمل مجمعة او موزعة طبقا لطبية المهام القتالية؟، على ان يخصص لكل قوة برية طائرات مساندة من مقاتلات قاذفة ومقاتلات اعتراضية ومروحيات نقل واخرى هجومية طبقا لطبيعة المهمة القتالية . واذا ما تقرر أن تعمل هذه القوة بجوار الساحل فسيتم دعمها بنيران فرقاطات بحرية ولنشات صواريخ وقد يتم نقلها بسفن انزال ، وقد تستخدم الغواصات لنقل ضفادع بحرية تكلف بمهام قتالية ضد أهداف للعدد على الساحل، وتعتبر المساندة النيرانية –سواء بواسطة المقاتلات او المدفعية او الفرقاطات -عن بعد اساسيا لانجاح مهام القوات المشتركة التي تعمل بعيدة عن قواعدها في مسرح العمليات. ولأن النقل بالطائرات أو المروحيات يعتبر أسرع الطرق لنقل مثل هذه القوات الى مناطق عملها، ينبغي تدعيمها بمروحيات هجومية أثناء تحركها وتنفيذ مهامها القتالية، مع حمايتها بمقاتلات اعتراضية أو متعددة بمهام من التعرض لطائرات العدو. ويتوقف نصيب كل دولة عربية من حجم هذه القوة على اجمالي قواتها المسلحة وطبيعتها وانواعها، وعناصر التمير فيها، وما نستطيع ان نخصصه من حجم هذه القوات المسلحة من اجل تشكيل القوة العربية المشتركة.. حيث تتميز بعض الدول العربية –مثل مصر بحجم متميز وكبير من القوات البرية، في حين تتميز السعودية والامارات بوجود قوات جوية حديثة وقوية، فضلا عن قطع بحرية حديثة. القيادة والسيطرة تتولى القيادة والسيطرة على هذه القوات الدولة التي يتفق عليها الجميع ، والتي غالبا ما يكون لها النصيب الأكبر من المشاركة في القوة العربية المشتركة، فقد تكون السعودية وقد يكون تداول القيادة بين الدول المشاركة أمرا يتفق عليه الجميع، مع تثبيت هيئة الاركان التي تشمل أفرع استخبارات وتخطيط وادارة عمليات ومساندة جوية وبحرية، وتنظيم اتصالات، ودعم هندسي، وتأمين لوجيستي وكيماوي ويفضل ان يكون مكان المركز الرئيسي للقيادة والسيطرة متواجدا في منطقة متوسطة في مسرح العمليات، وقد يتفرع من مركز القيادة الرئيسي مراكز قيادة فرعية في اماكن اخرى من المسرح اذا ما انقسمت القوة المشتركة الى عدة قوى عسكرية فرعية كل تعمل في محور منفصل. ويتوقع ان تمارس القوة العربية المشتركة مهامها في واحدا أو أكثر من ثلاثة مسارح عمليات فرعية: أ- مسرح العمليات الفرعي الاول: ويشمل منطقة الخليج حيث بلدان دول الخليج وايران والعراق. ب- مسرح العمليات الفرعي الثاني: ويشمل منطقة حوض البحر الاحمر، حيث تتواجد مصر والسودان والسعودية واليمن وارتيريا واسرائيل والاردن (لإطلالها على البحر الأحمر عبر ميناء العقبة) ج- مسرح العمليات الفرعي الثالث: ويشمل دول ساحل البحر المتوسط، حيث تتواجد قطاع غزة، اسرائيل، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب ، فضلا عن المياه الاقليمية المصرية في البحر المتوسط . المهام والتخطيط وادارة العمليات والميزانية - ان استناد القوة العربية المشتركة على عدد من الاجراءات القانونية، ابرزها تصديق برلمانات الدول المشاركة فيها ، وتصديق القمة العربية ، يجعل عملها لا يقتصر فقط على مواجهة تهديدات خارجية –مثل عدوان خارجي –ضد اي من الدول العربية المشتركة ، وانما ايضا لمواجهة تهديدات داخلية (الارهاب وحفظ النظام) مما يجعلها قوات ذات مهام متعددة الهدف منها الحفاظ على سيادة واستقلالية الدول العربية المشتركة في هذه القوة. لذلك فإن المهام القتالية التي ستكلف بها القوة العربية المشتركة .. شن ضربات استباقية ضد عدائيات ، تستعد لشن عمليات عدائية ضد احدى الدول العربية المشاركة او عدد منها ، كما قد تعمل هذه القوة كرأس ريح –او معززة متقدم –لقوات عربية رئيسية لإحدى الدول المشاركة فيها ، سواء التصدي دفاعيا ومبكرا لهجمات معادية ، او يتبنى الدفاع السريع على محاور رئيسية لمنع هجمات معادية متفوقة ، وحتى تستكمل جيوش الدول العربية اتخاذ اوضاعها الدفاعية ، وقد تقوم القوة المشتركة بعمليات جراحية خاصة لتدمير اهداف ذات اهمية خاصة أو قتل وخطف شخصيات معادية ، او استنقاذ رهائن ، او الاستيلاء على هدف حيوي حتى تصل اليهم القوات الرئيسية ... الخ لذلك يجب ان توضع خطط عمليات هجومية ودفاعية على كل الجبهات والمحاور المتوقع تنفيذ عمليات قتالية فيها . سواء هجومية او دفاعية ، وذلك في ضوء تقديرات اجهزة الاستخبارات عن الانشطة المحتملة للعدائيات في مسرح العمليات الحالي والمستقبلي ، مع رسم اسوأ السيناريوهات وكيفية مواجهتها . وتقدير عدائيات الشق الاول في المواجهة ، وعدائيات الشق الثاني في الخلف وكيفية وتوقيت ومكانها اقحامها في المعركة (على سبيل المثال : يوجد في حرب اليمن الدائرة حاليا ميليشيات الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح والاخوان المسلمين والقاعدة في الشق الاول ، وايران في الشق الثاني) . هذا مع التحديد الدقيق لابعاد مسرح العمليات الجوي والبحري والبري ، وقد تختلف ابعاد ومساحة مسرح عمليات كل فرع من هذه الافرع القتالية عن الاخر . فغالبا ما تكون ابعاد مسرح العمليات الجوي والبحري ابعد من البري بحكم طبيعة عمل الاسلحة الجوية والبحرية حيث تتعامل الطائرات اساسا مع العدائيات في العمق ، وكذلك السفن الحربية والغواصات في بحار مفتوحة لحماية خطوطنا البحرية التجارية واعتراض خطوط بحرية العدد ، ثم تترجم خطط العمليات الى مهام قتالية تكلف بها جميع عناصر القوة العربية المشتركة ، بما فيها عناصر المساندة والدعم النيراني واللوجيستي ، ثم يتم التدريب على تنفيذها دوريا ، ويفضل ان يكون التدريب على ارض العمليات . وفي ضوء تحديد مسرح العمليات يتم اعداده هندسيا من حيث انشاء المطارات ، ومواقع الدفاع الجوي ، ومراكز القيادة بالإنذار والسيطرة ، والموانئ البحرية ، والمواقع الدفاعية ، ومناطق تمركز قوات الاحتياط ، وشبكة الطرق التي تخدم تحركات القوات ، والمستودعات والمخازن والمستشفيات والمنشآت اللوجستية الاخرى ، وانظمة الموانع الارضية المرتبطة بخطوط فتح احتياجات المضادة للدبابات لصد هجمات مدرعة معادية . هذا الى جانب انشاء شبكات اتصالات متنوعة للسيطرة على القوات ، ويجري اعداد مسرح العمليات بالتنسيق مع خطط كل دولة عربية لإعداد مسرح العمليات الخاصة بها ، مع الاستفادة من التسهيلات الموجودة في المسرح . ومن البديهي ان يتم تخصيص ميزانية محددة لهذه القوة.. تستخدم في تجهيز واعداد مسرح العمليات المستقبلي ، وتدريبها واستمرار المحافظة على كفاءتها القتالية ، بما لا يقل عن 3 مليار دولار . وتعد ميزانية القوة السعودية هي الاكبر على المستوى العربي ، حيث تبلغ 18 مليار دولار ، تليها الجزائر 6.4 مليار دولار ، ثم مصر 4.5 مليار . معوقات التشكيل مما لا شك فيه ان تشابك مصالح بعض الدول العربية وتعارضها في بعض الاوقات بين المصلحة الذاتية مع الغرب في مقابل المصلحة العربية – مثل قطر – لهو او يعترض تكوين واجماع الدول العربية مجتمعه على التصويت واقرار فكرة الجيش العربي المشترك . كما تتعدد المعوقات بسبب الخبرات السابقة وتباين مواقف الدول العربية منها ، وبشأن مجمل التطورات السياسية والامنية عبر الاقليم ، وتضارب اجندات هذه الدول بشأن السياسات الايرانية والاسرائيلية والتركية وبالتالي الغربية والروسية ، وما نشأ عن ذلك من محاور تربط بعض الدول العربية بدول اخرى غير عربية في الدائرتين الاقليمية والدولية قد تشكل عائقا في تنفيذ المهام القتالية المنوط بها القوة العربية المشتركة . وقد تنشأ المعوقات نتيجة معارضات قوى سياسية محلية داخل الدول العربية ، ترفض من حيث المبدأ فكرة التعاون العسكري المشترك ، وقد تفضل تعاون عسكري آخر مع قوى اقليمية مثل ايران وتركيا ، حيث تسعى الاولى لإحياء الامبراطورية الفارسية ، في حين تسعى الاخرى لإحياء الامبراطورية العثمانية . كذلك من المعوقات تباين الرؤى السياسية في جميع الدول العربية تجاه قضية الارهاب ، والتعامل مع المنظمات الدينية الارهابية ، ففي حين ترى بعض القوى السياسية ان تنظيمات الاسلام السياسي جميعها تشكل تهديدا امنيا خطيرا للدول، خاصة مع وجود روافد لها خارج الدول العربية ، مثل التنظيم الدولي للإخوان، ترى قوى سياسية اخرى داخل الدول العربية ان هذه التنظيمات ذات الطبيعة الدينية لا تشكل تهديدا لأي دولة عربية ، بل هي قوى سياسية ذات طابع ديني واجتماعي يجب عدم التصدي لها . خلاصة القول: سيكون ملف تشكيل قوة عربية مشتركة بعد شهر من الآن هو اول امتحان عملي للزعامات العربية للحكم على مدى جديتها، واخلاصها في انقاذ الامن القومي العربي من الوقوع فريسة لمؤامرات المنطقة وغباء الدول العظمى. وهنا ستبرز اهمية الدور المصري في انشاء برنامج عمل لتحقيق هذا الهدف السياسي والاستراتيجي على أن يكون هذا البرنامج عملي وواقعي وتنفيذي ينقل حالة التردي العربي الى عالم اكثر امنا ورضا، هنا يصبح امام الدول العربية .. اما ان نكون على مستوى التحدي او لا نكون واذا كان قرار تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة انجازا كنا نترقبه ونطمح اليه ، ولم نكن نتوقع ان يصادف اقرار في هذه القمة ولا في غيرها ، ومن ثم يجب –بل وتتحتم –الاصرار على تنفيذه وانجاحه، لأن اي تقصير في تنفيذه نتائجه مهلكة، خاصة على صعيد الثقة في القرارات العربية والاداء العربي. ومن اجل الوفاء بمتطلبات القوة العربية المشتركة على المدى البعيد لابد ان يكون ضمن اهداف القيادات السياسية والعسكرية والعلمية العربية ، خطة لإعادة بناء الصناعة الحربية العربية التي تحقق الاكتفاء الذاتي في السلاح للجيوش العربية، حتى نتخلص من ضغوط الدول الموردة للسلاح وهي ضغوط استقلالية القرار العربي، ومصر والسعودية لا يفتقروا للقدرات العلمية والمالية لبناء صناعة حربية عربية متطورة ، وهما ليس اقل من اسرائيل والهند وايران، وقد تمكنوا من بناء صناعات حربية وطنية شملت صواريخ بالستية، ويتم تصدير هذه الاسلحة للخارج من جانب اسرائيل والهند . وقد نجد القوة العربية المشتركة نفسها في مواجهة مؤامرات من دول عربية تنفق الملايين على المرتزقة المسلحين لتنفيذ توجهات امريكية في المنطقة، وقد تصطدم بالرعاية الضالة التي تفتري النعرات العنصرية والطائفية في المجتمعات العربية، وتصور هذه القوة على انها قوة اعتداء، وبالتالي تزيد من صعوبة فرضها للأمن والاستقرار في الدول العربية التي تمر بأزمات طاحنة . لذلك يجب ان تكون القيادة التي تخطط لأعمال القوة العربية المشتركة مستعدة للرد على تساؤلات مهمة ومحرجة منها: ما هو موقف هذه القوة من تنظيم داعش الارهابي، وهل ستكون على استعداد للدخول في معارك معه ؟ وما هو ايضا موقفها من القتال والحرب الاهلية المؤثرة في كل من سوريا وليبيا واليمن، وهل لديها استعداد للقتال داخل اراضي هذه الدول؟ ثم هو موقفها من الاعتداءات الاسرائيلية اليومية على الاراضي والشعب الفلسطيني، وهل ستكون على استعداد للدخول في معارك مع الجيش الاسرائيلي ، وكيف ومتى واي خلاف ؟ ان الامة العربية على ثقة بوعي قيادتها السياسية والعسكرية ، وادراكهم لمسئولياتهم التاريخية لمواجهة المستقبل مستعينين بالله سبحانه وتعالى وبرسوله ، وما مر على الوطن العربي من كوارث ومحن كان سببها غياب نظام عربي موحد الصف والهدف ، قادر على مواجهة الاخطار، وتجاوز المحن لتضيء القيادات نور الامل لدى الشعوب العربية ، ونضع حدا للابتزاز والتشكيك في سلامة النوايا.