فيما اثرت الأوضاع المضطربة في المشرق العربي بوضوح على الأقليات مثل الدروز في تلك المنطقة فهناك حاجة لدراسات ثقافية معمقة حول اشكاليتي الهوية والعنف بينما تتوالى الأنباء مشيرة لمحنة الدروز في سياق هذا المشهد المضطرب وخاصة في سوريا الجريحة. ولاريب أن الثقافة العقلانية العربية مدعوة للاسهام في محاربة صناعة الكراهية واطفاء حرائق التعصب التي تكاد تلتهم اجزاء عزيزة من الوطن العربي بقدر انحياز هذه الثقافة للتنوع والتعدد كمصدر ثراء حضاري للأمة. ليس القصد ولايجوز أن يكون الدخول في سجالات فقهية حول عقائد اقتنع بها اصحابها وانما المطلوب والمرغوب عدم السماح في راهن المشهد الاقليمي بضياع الأمة وتمزيق الأوطان في متاهات الطائفية وصراعات الملل والنحل والعقائد والمذاهب والأديان. وباديء ذي بدء الدروز عرب اقحاح ومن الأسماء الدرزية الشهيرة عربيا المطرب فريد الأطرش وشقيقته اسمهان وسلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى عام 1925 والزعيم اللبناني كمال جنبلاط والابن وليد جنبلاط والصحفي اللبناني الشهيرامين الأعور والقيادي البعثي شبلي العيسمي والمطرب السوري فهد بلان. والرواية المتداولة باختصارعن منشأ طائفة الدروز وعلة الاسم تتحدث عن مصر في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي وشخص يدعى محمد بن إسماعيل الدرزي اختلف مع شريكه الأهم الذي اطلق الدعوة وهو حمزة بن على فخرج إلى الشام وبدأ في بث دعوته من "وادي التيم" الذي يقع شرق لبنان. وهناك الكثير مما كتب عن الدروز في سياق ثقافي يتناول "الملل والنحل" في الإسلام غير أن ثمة حاجة لاجابات جديدة عن هذه الطائفة في ظل المشهد الراهن و"زمن داعش الذي يكفر حتى المسلمين السنة" وهو زمن يثير مخاوف الدروز كأقلية عانت تاريخيا من اشكالية الوجود وكادت تتحول "لعقدة" تحكم كثير من تصرفاتها. وهاهو الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط يدعو ابناء طائفته ومشايخها للعودة إلى التراث الإسلامي والأركان الخمسة للإسلام وايفاد بعثات دينية إلى الأزهر غير أن استدعاء الأزهر لهذا المشهد قد يكون اقرب لاستدعائه لحقل لغام !. على أي حال المترجم والكاتب الراحل زهير الشايب تطرق في "السماء تمطر ماء جافا" وهو عمل روائي اقرب للمذكرات تناول فيه تجربة الوحدة المصرية-السورية لمسألة الطوائف والملل والنحل بسوريا والمشرق العربي وفكرة المشير عبد الحكيم عامر حول إرسال طلاب من طوائف مثل الطائفة الإسماعيلية للدراسة في الأزهر بالقاهرة بغرض تصحيح المفاهيم والتقريب بين المذاهب. ولكن إذا كان وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي يشكل اليوم قيادة سياسية هامة للدروز في لبنان فان اراء هذه القيادة السياسية لاتتطابق بالضرورة مع اراء القيادات الروحية للدروز كما تجلى في مواقف تلك القيادات بعد الدعوة الأخيرة التي اطلقها جنبلاط حول عودة الدروز للأزهر. هاهو الشيخ هادي العريضي رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي للطائفة بلبنان يقول أن "دعوة جنبلاط هي بالتأكيد ذات بعد سياسي واضح وان مشايخ الدروز لم يعتبروا يوما انهم خرجوا عن التراث والمسلك الإسلامي الواضحين". وحول ماذكره وليد جنبلاط بأنه سيعيد بناء الجامع المهدم في بلدة المختارة بجبل لبنان وهي معقل آل جنبلاط التاريخي وفيها قصرعريق للزعيم الدرزي قال هادي العريضي:"هذا يحمل دلالة صريحة على أنه كان في قرانا جوامع بشكل واضح". واللافت أن وكالة أنباء الأناضول التركية التي باتت آداة إعلامية مؤثرة لخدمة سياسات العثمانية الجديدة والتوجهات الاردوغانية هي التي اهتمت بالموضوع والتقت بهادي العريضي الذي قال أن "مذهب المسلمين الموحدين" في إشارة للدروز هو "مذهب توفيقي بين السنة والشيعة". وحسب تصريحات العريضي لهذه الوكالة فقد عاتب وليد جنبلاط عتابا رقيقا أثناء لقاء عقد في نهاية عام 2014 وقال أن جنبلاط "قبل العتاب واقر بأنه غير متعمق في العلوم الدينية". والدروز الذين يفضلون تسمية انفسهم "ببني معروف" وكذلك "بطائفة الموحدين" يحتفلون بعيدي الفطر والأضحى فيما يفسر هادي العريضي سبب غياب المآذن عن جوامع الطائفة الدرزية بأنه يعود لسببين:"أن المأذنة حديثة اصلا في التراث الإسلامي" و"بسبب حوادث اليمة عبر التاريخ ادت إلى هدم مساجد الطائفة في جبل لبنان فأرتأى المشايخ اعادة بنائها من دون مأذنة من أجل السترة وكي لاتتكرر الحملات ضدنا". في كتاب "لبنان:تاريخ، 600-2011" يتناول المؤلف ويليام هاريس من منظوره الثقافي الغربي أوضاع الطوائف في لبنان عبر 14 قرنا من الزمان فيما كان من الطبيعي أن يتعرض للطائفة الدرزية وتحول أحد أبرز قادتها السياسيين وهو وليد جنبلاط لموقف مناهض لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وربما ساعد الطابع المغلق مذهبيا لهذه الطائفة في تغذية بعض الأساطير أو التصورات التي تفتقر للدقة بشأن الدروز الذين يقدرعددهم في العالم كله حسب بيانات معلنة وتقديرات تقريبية بنحو مليوني نسمة من بينهم 700 ألف نسمة في سوريا و400 ألف نسمة في لبنان ويلقب رئيس مجلسهم المذهبي "بشيخ العقل" غير أنه من الجلي أن الدروز يميلون "للتقية" أي أن هناك "تقية درزية" يطلق عليها هادي العريضي "السترة" مثلما للشيعة تقيتهم. هل لهذه "السترة" أو "التقية" علاقة بمسائل عقيدية منسوبة للدروز مثل القول بربوبية الحاكم بأمر الله وقضايا الحلول والتناسخ أو "التقمص" وإسقاط التكاليف ونقض الشريعة ؟!..ام أن الأمر لايخلو من بعض الادعاءات غير الصحيحة والتي تغذيها بالضرورة تلك النزعة الانطوائية والسرية المضروبة حول عقيدة الطائفة بل والتي يذهب البعض إلى انها اصل في عقيدتهم وتتجاوز حتى مسألة السترة؟!. من نافلة القول /أن تلك المسائل الاعتقادية نوقشت كثيرا بين هجوم ودفاع في كتب شتى من بينها ماكتبه في مصر الدكتور مصطفى الشكعة والدكتور محمد كامل حسين لذي قال عنهم:"وهم من الناحية الدينية ينقسمون إلى عقال أو اجاويد أي الذين لهم الحق في معرفة شيء من العقيدة السرية وبين جهال أي الذين ليس لهم الحق في معرفة اسرار الدين".