داخل قاعة المداولة بمحكمة زنانيرى للأسرة، المُزدحمة بالسيدات والرجال وعدد ضخم من المحامين، جلس القاضى على المنصة وبجواره الساده المستشارون، ومع بَدء الجلسة اعتدل كل في مكانه وساد الصمت على القاعة، بعد أن أعلن الرجل الثلاثينى «حاجب المحكمة» نحيف البنية ذو الشعر الأسود، ذو الشارب واللحية القصيرة، عن بدء الجلسة، لينادى على أول قضية، فإذا بسيدة ترتدى نقابا أسود اللون وبيشة سوداء تغطى عينيها، لا يظهر من ملامحها سوى رموشها الشقراء فقط، وبصحبتها رجل ملتحى يرتدى جلبابا أبيض، يبدو أنه لم يتخطَ سن الأربعين، قال للقاضى «أنا عاوز أرجع مراتى لعصمتى». وتابع حديثه: أنا متزوج منذ سنوات طويلة بهذه السيدة، ولدى أبناء منها ولكن قمت بتطليقها مرتين، وفى المرة الأخيرة قمت بتطليقها عن طريق الهاتف المحمول أثناء غضبى الشديد، ولكن استطعت أن أحصل على فتوى من دار إفتاء الأزهر الشريف، إن تلك المرأة لا زالت في عصمتى، وتجوز لى شرعًا، ولذلك أقمت دعوى «تغيير وصف الطلاق» حتى أعيدها إلى عصمتى مرة أخرى. اندهش قاضى الأسرة مما سمعه، حيث قال له «الأوراق الرسمية التي طالعتها أكدت أن روايتك لطلاقها كاذبة، وأن الرواية الحقيقية المكتوبة في قسيمة الطلاق غير مطابقة للذى رويته منذ قليل، فقد قمت بتطليق زوجتك بعد مشاجرة عنيفة معها، وقمت بنطق يمين الطلاق وجهًا لوجه، وهى المرة الثالثة لتطليقها، وذلك بعد أن أوقعت بينك وبين زوجتك الأولى، وبناء عليه فإن روايتك الكاذبة لشيوخ دار الإفتاء بالأزهر الشريف، أعطتك تلك الفتوى الخاطئة. صمت الشيخ السلفى قليلًا ثم قال للقاضى: «والله يا فندم الست دى لسه في عصمتى وأنا أريد أن أعدل الطلقة الثالثة إلى الطلقة الثانية». وأثناء تداول القضية حضرت السيدة المنتقبة، ثم قالت «زوجى طلقنى بعد أن اعتقد أننى أوقعت بينه وبين زوجته الأولى، وتشاجر معى وضربنى وقام بتطليقى للمرة الثالثة، ولكن بعد فترة استطعنا تجاوز ذلك الخلاف، وتم الصلح بيننا ولكن الأزمة في تعديل المرة الثالثة إلى الثانية حتى نستطيع العودة إلى علاقتنا الرسمية». وبعد تداول القضية والنظر فيها، تم إصدار حكم فيها بعدم قبول الدعوى ورفضها، لمُخالفة الزوج لأحكام الشريعة الإسلامية، وهى أن عدد مرات الطلاق هي ثلاث مرات فقط، وأن الفتوى التي أخذها من الأزهر الشريف صدرت بناء على كذب الزوج. من النسخة الورقية