آخر تلميذات مدرسة بليغ حمدى.. أكثر زميلاتها «إنتاجا» عرفها الجمهور في «قال جانى بعد يومين».. و«يوم ورا يوم» وضعتها على القمة بدأت سميرة سعيد الغناء طفلة في التاسعة من عمرها، وهى السمة التي تشترك بها مع عدد من زملائها من سيدات الغناء الحديث، الغناء في سن صغيرة، وكذلك تشترك سميرة مع عدد من زميلاتها في صفات وظروف عديدة، مثل أنغام ولطيفة، من حيث البدء مبكرا، والاتجاه إلى الخليج منذ الصغر، إضافة إلى المرور من بوابة بليغ حمدى ومحمد الموجى والجيل القديم من الموسيقيين، حتى أن الثنائى لطيفة وسميرة قدمتا نفس اللحن في أغنية «مسا الجمال» لبليغ حمدى، في بدايتهما، ولعل ذلك من القواسم المشتركة بينهما، إضافة إلى ظروف النشأة والتأثر بتراث وثقافة المغرب العربى، والبدء بالأغانى الطربية الطويلة، ثم التطور مع تطور الساحة الغنائية والسوق وشكل الأغنية مع مرور الوقت. تعتبر سميرة من الجيل الأقدم على الساحة الغنائية، والأكثر استمرارا، حيث بدأت في نهاية السبعينيات، قبل التجارب النسائية الأخرى، حيث رأى البعض أنها مشروع مكمل لوردة الجزائرية، التي كانت في فترتها الذهبية في ذلك الوقت، وكان لونها الغنائى هو السائد، من الأغانى الطربية المحدثة، خاصة بعد تبنى بليغ موهبتها، وتعاونه معها في عدد من الأغانى والألبومات، حتى وفاته. عاصرت «سميرة» عبدالحليم حافظ، ورددت بعض أغانيه، وحصلت على مباركة منه في الغناء، وأنتجت العديد من الألبومات بشكل مستمر في السبعينيات، ب7 ألبومات، من 1976 إلى 1980، ب«الدنيا كدة»، «بلا عتاب»، «يا دمعتى هدى»، «بقى ده اسمه كلام»، «توهة»، «أحلام الأميرة»، «خلاص حبينا». إنتاج غزير من الأغانى والألبومات في بدايتها، حتى بعد عام 80 استمرت بنفس القوة، بعض الأغانى استطاعت الانتشار، والبعض لم يلق الاهتمام المطلوب، وربما تسبب ذلك الإنتاج الغزير في تلك الفترة إلى اختفاء تراث سميرة مع الوقت، وسط إنتاجها الحديث، خاصة المعاصر الذي لاقى انتشارا ونجاحا رقميا أكثر، إضافة إلى فوضى المحتوى الإلكترونى لها، بسبب تعاونها مع عدد من الجهات الإنتاجية، التي احتكرت بعضها والبعض مازال قيد إعادة تقديمه. بالفعل، انتبهت سميرة إلى تلك الأزمة، وبدأ فريق عملها يعمل على إعادة ترميم أعمالها القديمة وتقديمه بشكل جديد ومرتب على قناتها على «يوتيوب»، ربما كان ذلك بعد الانفصال عن «عالم الفن»، الذي نبهها إلى أهمية امتلاك تراثها. بالعودة إلى تتبع مسيرتها الأولى، تولى بليغ حمدى تلحين ما يقارب الأربعة ألبومات للشابة الصغيرة، في «خلاص حبينا»، «أحلام الأميرة»، «توهه»، «ماليش عنوان»، وتلاقى مشروع سميرة مع مشروع بليغ في ذلك الوقت، الذي كان مهتما بالفلكلور وإعادة التراث بشكل مختلف، خاصة في ألبوم «توهه»، عام 1978، والذي احتوى على أغنيتى «مسا الجمال»، و«تخونوه»، لعبدالحليم حافظ، والأغانى ذات الأصل الشعبي، مثل «صعيدى»، «هيلا هوب»، «سيدى يا سيدى»، «آه يا لمونى»، «فراق غزالى»، وغيرها. اتجهت للغناء بالخليجية مبكرا، في ألبومات «بلا عتاب» 1977، «أسفة» 1980، ورغم كل هذا الإنتاج المكثف، إلا أن علاقة سميرة بالجمهور، خاصة المصري، بدأت بشكل رسمى في ألبومها «احكى يا شهرزاد»، مع جمال سلامة عام 1983، والذي مثل ثورة في مسيرتها، وبدء تناول أغانيها الطربية بشكل تجارى وشعبي، وبدء التعرف بشكل أدق على موهبتها ومشروعها وملامحها وصوتها المميز، خاصة في أغانى «قال جانى بعد يومين»، «وحشنى بصحيح»، «احكى يا شهرزاد»، ربما تندرج تحت تصنيف «الأغانى الخالدة» لسميرة سعيد. من أكثر بنات جيلها، ومن تبعها، إنتاجا، بمعدل ألبوم كل عام، وسجلت إلى عام 1990، ما يقارب ال26 ألبوما، مع الاعتبار أن بعضها ضم أغنيتين، وأربع فقط، وأنتجت خلال هذه الفترة بعض الأغانى الإيقاعية الحديثة، بجانب استمرارها في الغناء بالخليجية أيضا في ألبومات «يابن الحلال»، «غريبة»، «شفت القمر»، إلى أن جاء ألبوم علامة جماهيرية أخرى في مسيرتها «مش هتنازل عنك»، عام 1987، وأغنيته الرئيسية التي جاءت مكملة لنجاح أغانى «احكى يا شهرزاد»، و«قال جانى بعد يومين». صاحبة صوت متمرد، جريء، مميز، بدأت هادئة وانتهت عنيفة ومتمردة، قد يكون ذلك بسبب تقلبات الزمن، الذي أصبح سريعا وعنيفا بعكس ما كان عليه في وقت صعودها، وظفت خلفيتها الموسيقية المغربية، ولهجتها وطريقة نطقها المميزة للحروف، في التأقلم مع السوق الغنائية، وإعادة ترتيب الأوراق، بداية من التسعينيات، وهى التي شهدت تألقا واضحا لسميرة، وجماهيرية أكبر عما كانت عليه، فمسيرة سميرة تبدو إلى حد كبير طبيعية وهادئة في الصعود. بألبومات «ألو»، «انت حبيبى»، «كل دى إشاعات»، «عالبال»، «روحى»، و«ليلة حبيبى»، كانت فترة استراحة سميرة على القمة، بأغان ذات أسلوب خاص، مزيج من الأشكال الموسيقية المختلفة، واللمسة الطربية، والمغربية أيضا، وحظيت أغانى «عالبال» و«ليلة حبيبى»، و«حالة ملل»، و«بنضيع وقت»، «آه بحبك»، و«ميلاله»، بجماهيرية استثنائية، لتصل إلى فئات جماهيرية أخرى، استمرارا لما بدأته في «احكى يا شهرزاد». وتبعت هذه الفترة، إستراتيجية جديدة لدى سميرة، بالتقليل من الألبومات، مع إطلاق المزيد من الأغانى الفردية، والجمهور الحديث، والذي أغلبه لم يتابع صعود السيدة مع بليغ وجمال سلامة والشرنوبي، رأى نضجها في أصلها المغربي، بالأغنية الأشهر «يوم ورا يوم»، والتي صاحبت فترة انتشار القنوات الفضائية الأولى، مع الشاب مامي، في الألبوم الذي يحمل اسم الأغنية، خاصة مع فريق عمل موسيقى شاب من عمرو مصطفى وخالد تاج الدين والموزع طارق مدكور. الألبوم كان استراحة لسميرة من نوع آخر، ببداية حقبة موسيقية جديدة، عام 2001، أثبت أنها قادرة على التفوق والانتشار أكثر بلهجتها الأصلية، والتي تلقى إعجابا لدى الجمهور المصرى خاصة، قبل أن تغيب عامين، وتعود بألبوم «قوينى بيك»، في فترة تعاونها مع المنتج محسن جابر، وكذلك ب«أيام حياتى»، في 2008، الذي يعد آخر ألبوماتها، والذي صورت منه عددًا لا بأس منه من الأغانى ساهمت في انتشار الألبوم بشكل جيد، مثل «قوام كده»، «حب ميئوس منه»، «قد الكلمة»، «الفضل يرجعلك». لا نعرف فيما تفكر سميرة فيه الفترة الحالية، ربما ستشهد استراتيجيتها تغيرات أخرى، بالاعتماد على الأغانى المنفردة، مثلما فعلت مع آخر أغانيها «ما زال»، الذي ضرب المثل في النجاح الذي يضاهى نجاح الألبومات الكاملة، وكذلك إثبات لصحة النظرية بأن اللهجة المغربية من أهم مفاتيح سميرة للنجاح، حتى وإن لم تفهم بعض الفئات ماذا تقول. وعلى الجانب الآخر، نقطة مضيئة في تاريخ سعيد، توسعها في الغناء للأوطان، بعد أن ضربت رقما قياسيا في الغناء لعدد من الجنسيات بداية من موطنها الأصلى إلى مصر والإمارات وليبيا وأفريقيا «كلنا إنسان - 2006»، وكذلك الفاتيكان والعراق وأربيل «2013»، وبخلاف كل ذلك تمتلك سميرة صوتا مميزا وحروفا مميزة، بجانب تاريخها الطويل الذي سيظل سندا للسيدة الجديدة، والذي ما زال مغريا أيضا لها ولجمهورها في إعادة ترميمه وإنتاجه مرة أخرى. من النسخة الورقية