هي آخر من أنجبتهم الساحة من الأصوات النسائية في الطرب، وحلقة الوصل بين الجيل القديم و«الكلاسيكى»، والجيل الجديد، المصاحب للتغيرات الموسيقية وشكل الأغانى ومضمونها، وكذلك التغيرات في أساليب الإنتاج، ومن أواخر من حصلن على مباركة الموسيقار محمد عبدالوهاب في الانطلاق. تطورت وتكيفت أنغام مع كل الظروف والتغيرات في الساحة الغنائية، وربما كان ذلك أول أسباب بقائها في المنافسة، إضافة إلى عدد من المميزات الأخرى، فبدأت رحلتها برفقة والدها الملحن والموسيقار محمد على سليمان، الأكاديمى والكلاسيكى، وأنتجوا أغانى طربية طويلة إلى أن بدأت في التغير، بالمرور بعدة تجارب موسيقية جديدة وحديثة، إلى أن ختمت تعاونها مع عدد من المجددين في الموسيقى الحالية، مثل فهد وحسن الشافعى وغيرهما. ففى عام 1985، كانت أنغام طفلة في 12 من عمرها، تصعد لأول مرة على خشبة المسرح، أمام الجمهور، برفقة والدها الذي قدمها للجمهور قائلا: «هسمعكم صوت جديد نستاهل نسمعه.. اسمعوا معايا صوت جديد بنحضره لمصر»، وقدمت معه أغنية «بنتى حبيبتى»، لم تظهر فيها شخصية أو إمكانيات أنغام بالقدر الكافى، باعتبارها طفلة تقف لأول مرة لتغنى أمام الجموع، إضافة إلى عدم وجود مساحات في الأغنية لتظهر فيها إمكانياتها وموهبتها. استمرت الطفلة أنغام في الظهور برفقة والدها ومكتشفها ومتبنى موهبتها، في حفلاته وفى بعض السهرات التليفزيونية، وقدمت ثانى أغنية لها باسم «عصبية وكلى غيرة»، في 1986، والتي تعتبر أول تجربة حقيقية لها في الغناء، وهى طفلة لم تتخلص من ضفائرها بعد، ولكن بدت متمكنة من أدواتها وأسلوبها في الغناء، خاصة مع أدائها الواعى لما تقوله، وما تعزفه الفرقة من موسيقى وراءها. بعد هذه الخطوات التجريبية، بدأت أنغام في النضوج وإطلاق كليبات وأغان منفردة برعاية والدها أيضا، مع العام 1988، بإطلاق أغنية «بنتى حبيبتى»، و«أطيب قلب»، في كليبين وكذلك «يالالى»، وتوج مجهود الثنائى، الأب والابنة، بعدة ألبومات ناجحة، مثل «الركن البعيد الهادى»، «أول جواب»، «لايق» قبل أن تنفصل عنه. الألبومان «الركن البعيد الهادى» و«لايق»، كانا أولى تجاربها مع الكاسيت، وكذلك مع فريق عمل من كبار صناع الأغنية أمثال حسين السيد وعبدالرحيم منصور وخيرى فؤاد في كتابة الكلمات، والموسيقى لوالدها ويحيى الموجى ومحمد عبدالوهاب، الذي وضع لها موسيقى أغنية «بسبوسة» في ألبوم «الركن البعيد الهادى»، وجاءت الأغانى مناسبة إلى حد ما لسنها وقدراتها، في أغان طفولية تتغنى بالنجاح وليلة العيد والغزل الساذج، مثل أغنية «أنا وأنت يا حبيبى»، «أنا عايزة حبيبى»، «كلنا ناجحين»، «الأم»، خاصة مع الموسيقى التي وضعت أيضا لتناسب تلك الحالة الطفولية مع أصوات الكورال من الأطفال أيضا. يقول والدها إن أغانيها في ذلك الوقت «ضد الاغتيال»، والمستمرة مع الزمن، ولكن تجارب أنغام في هذه الفترة، خاصة بعد فترة الارتباك التي شهدت انفصالها عن والدها موسيقيا، لم تلق النجاح الجماهيرى والتواجد مثل أغانيها وألبوماتها في نهاية التسعينيات، مع بعض الأغانى التي استمرت إلى وقتنا الحالى مثل «الركن البعيد الهادى». منذ عام 1991 بدأت أنغام في خطة موسيقية وإنتاجية جديدة، تقضى بإنتاج ألبومات بشكل منتظم ومستمر، بمعدل ألبوم كل عام ونصف، ولا يتخطى الألبوم أكثر من 8 أغنيات، مع بقايا إنتاجات والدها إلى بعض الموسيقيين الجدد مثل أمل الطائر، صلاح فايز، طلال المداح، عصام عبدالله وغيرهم، وبدأت تلك المرحلة بألبوم «ببساطة كده» عام 1991، وفى العام التالى «انت العالم»، والذي شهد أولى أغنياتها باللهجة الخليجية «دانى دانا»، قبل أن تعود مؤخرًا للأغانى الخليجية، والذي يبدو أنها تحتل مكانة خاصة في ذاكرة أنغام الموسيقية. وفى الأعوام التالية، بدأ نجم أنغام في التوهج وأصبحت «مطربة شابة وصاعدة»، لتتخلص من صورة الطفلة الصاعدة بسبب والدها، رغم استمراره في العمل معها في ألبوم «إلا أنا»، والذي بدا عنوان ذلك التغير من صورتها على الغلاف، وكذلك بأغان أصبحت خالدة معها إلى الآن مثل «شنطة سفر»، و«بكرة تشوف». بعد هذه الألبومات استمرت أنغام في إطلاق الألبومات المتنوعة ما بين الخليجية والمتضمنة لعدد قليل من الأغانى، وكذلك إضافة مقطوعات موسيقية منفردة وتقاسيم عود، في «شيء ضاع»، «أغانى أعجبتنى»، «انت محبوبى»، إلى نهاية التسعينيات بألبوم «وحدانية»، الذي كان بداية لمرحلة جديدة في حياة أنغام، وربما الأكثر إرضاء لها وقناعة بها، بعد أن تخلصت من كل قيود والدها وأصدقائه الكلاسيكيين، وكذلك بعد أن أصبحت مطربة ناضجة صاحبة خبرة، برعاية الموزع فهد، أكثر المشاركين لها في مرحلتها الجديدة. في ألبوم «وحدانية» عام 99، ومن بعده «ليه سبتها» 2001، و«عمرى معاك» 2003، بدت أنغام أكثر انفتاحا موسيقيا، ومسايرا للعصر بأسلوبها شبه المحافظ على الجزء الطربى والشرقى، وعدم الانسياق بشكل كامل لما بدأ زملاؤها في إنتاجه من موسيقى غربية كاملة، أو «إلكترونية»، كما في أغنية «وحدانية»، في أولى تجاربها في الأغانى الشعبية المستوحاة من الفلكور المصرى، ومن بعدها أغانى «بعتلى نظرة» و«بتحبها ولا»، الأكثر انتشارا وإثباتا لجماهيريتها في ذلك الوقت، بجانب مبيعات ألبوماتها المرتفعة. بعد تلك المرحلة، بدأت أنغام في جنى ثمار مجهوداتها ومواصلتها الغناء طوال هذه الفترة، برسم صورة «السيدة» لها، والأكثر تاريخا والأفضل صوتا وموهبة، وصاحبة التميز الأكبر، بصوتها الهادئ، وحفاظها على اللون الطربى مع بعض اللمسات الغربية، إلى أن تبلورت ملامح تلك التغيرات المرحلية في الفترة الأخيرة، والتي صاحبتها تغيرات في الجهات الإنتاجية لها من صوت الدلتا إلى «عالم الفن» و«روتانا»، وتجربة مع «حسن الشافعى» في شركته الخاصة، وأخيرا شركة «روزنامة»، والتي دلل تعاونها معها على فهمها لتطورات العصر والساحة الغنائية، التي تعتمد أكثر على التسويق الإلكترونى وتسويق «الأغنية الواحدة». في تجاربها الأكثر مبيعًا وانتشارًا في ألبومات «كل ما نقرب لبعض»، «بحبك وحشتينى»، «نفسى أحبك»، ظهرت أنغام أكثر حيوية وتنوعًا في الأغانى والموسيقى، في فترتها الذهبية كنجمة متصدرة للأصوات النسائية في مصر، إلى أن باتت أكثر مرونة وقدرة على التخلى عن مرجعيتها الشرقية، بالتعاون مع حسن الشافعى في مينى ألبوم «محدش يحاسبنى» في 2010، بسيطرة الموسيقى الإلكترونية على أغانى الألبوم، قبل أن تختتم نشاطها وتتوقف لفترة تخللتها بعض الأغانى الوطنية، والفردية مثل «أجمل مكان»، لتستعد لمرحلة جديدة في ألبومها القادم، مع شركتها الجديدة. شهدت نهاية فترة الثمانينيات عودة للنساء بقوة، بتجارب مختلفة وجريئة، وربما تلك الفترة شهدت معظم الأصوات النسائية القوية والمميزة، مثل حنان ماضى وسيمون وأنغام ولطيفة وسميرة سعيد وأنوشكا وغيرهن، ومع الوقت بدأت تلك التجارب في النضوج، ووضوح معالمها ومميزاتها، خاصة من استمر في الغناء، بعد اعتزال وغموض مصير بعضهن، وعلى رأسهن أنغام، وعلى خطوط موازية لها القادمات من المغرب العربى مثل لطيفة وسميرة سعيد وذكرى، إلى لبنان والشام مثل نوال الزغبى وأصالة، وميادة الحناوى وغيرهن. بداية من تجربة أنغام، الأكثر خصوصية واستمرارًا بين تجارب المصريات، فهى الأكثر استمرارًا على الساحة بالمفهوم التجارى، وحفاظًا على اللون الطربى أيضا. من النسخة الورقية