وكان ختامه مسك، حيث اختتمت الندوات الفنية فى معرض الكتاب هذا العام، بندوة مع الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، حضرها نخبة من كبار الكتاب والفنانين منهم زوجته الفنانة سميرة عبد العزيز والفنان الكبير محمد وفيق والكاتبة نادية رشاد والشاعر الكبير أحمد تيمور والكاتب والناقد صلاح المعداوى وادار الندوة الكاتب والناقد الأمير أباظة. بدأت الندوة بأغنية تتر مسلسل "بوابة الحلوانى" للمطرب على الحجار، ثم بدأ الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن حديثه قائلا: إنه لم يسع يوما أن يكون كاتبا وإن كانت الظروف هى التى دفعته لكى يكون كاتبا، وأكمل: أنا لا أعتبر ان الكتابة تحتاج إلى احتراف. ولا أحب ان تتحول الكتابة إلى مهنة أو وظيفة لكسب لقمة العيش. الكتابة بالنسبة لى هواية وما زلت أصر على أن الأسلوب الأنسب هو أن يبقى الكاتب هاويا. وأنا بعد تخرجى من الجامعة فكرت فى العمل فى الصحافة. وبالفعل عملت لفترة فى دار الهلال، وكنت أرغب فى الانضمام لنقابة الصحفيين. ولكننى واجهت عقبة كبيرة وقتها حيث أننى لم أكن عضوا فى الاتحاد الإشتراكى الذى كانت العضوية فيه شرطا لدخول نقابة الصحفيين. ومن يومها قررت تغيير مسار حياتى مرة أخرى وتقدمت للعمل بقسم الوثائق التاريخية بوزارة الثقافة. أى العمل فى نفس تخصصى الدراسى الأصلى. لم تستمر علاقتى بقسم الوثائق التاريخية طويلا، فقد كنت أراسل الصحف والمجلات وأنا موظف. وعندها التقطنى المرحوم سعد الدين وهبة للعمل معه فى مجلة "السينما" التى كانت تصدرها الوزارة وقتها تحت إشرافه. ومن هنا انتقلت من قسم الوثائق إلى إدارة المجلات. وفى تلك الفترة أيضا التقيت بالكاتب الكبير يحيى حقى، وشجعنى هو وسعد الدين وهبة على مواصلة الكتابة. وأعتقد أن هذا من حسن حظى لأن الإثنين كانا يشجعان الأدباء الشباب، وكانت لهما قدرة كبيرة على اكتشاف المواهب، وتشجيعها حتى تخرج إلى النور. وهو توجه نفتقده الآن للأسف الشديد. وأكد محفوظ أن بدايته مع مجال الإبداع بدأت بالقصة القصيرة، وقال: أنا أعتبر القصة القصيرة عاملاً مهماً في تجربتي الأدبية من بين عوامل أخرى كثيرة. فعندما أفكر بكتابة مشهد تلفزيوني أو مسرحي قد تحضر القصة القصيرة نمطا أو المسرحية ذات الفصل الواحد. ما زال الشكل الأدبي مؤثرا بنسبة كبيرة. بالمناسبة أنا لا أدري متى بدأت بكتابة القصة القصيرة، ولكنني أعلم جيدا أن القصة القصيرة قد بدأت قبل أن يتشكل وعيي المعرفي بالأجناس الأدبية. أما عملية النشر فهي قضية أخرى. فعندما بدأت أنغمس في الكتابة للتلفزيون والسينما والمسرح تضاءل اهتمامي بكتابة القصة القصيرة أو بنشرها. بل لا أخفي أنني كنت أكتب القصة وأخجل من نشرها. وقد يسأل سائل: ولماذا هذا الخجل؟ الجواب قد يأخذ شكل سؤال آخر: هل أنا أكتب القصة القصيرة بمستوى الناس المتفرغين لكتابتها والمنقطعين إليها؟ هذا سؤال يلح علي في حقيقة الأمر من جهة. ومن جهة أخرى هل يغفر لي القارئ أنني لست متفرغا لكتابة القصة ومع ذلك أكتبها؟ لقد أصبح عندي الآن مجموعة قصص تصلح لأن تخرج في كتاب هل أنشرها مرة واحدة وأقول في نفسي (وكفى الله المؤمنين شر القتال) أم أنشرها في عدد من الصحف والمجلات الأدبية؟ أنا أحب هذا النوع الأدبي، وأتمنى أن أكتبه، ولكنني مع الأسف لا وقت عندي لانغماسي في كتابة أنواع أدبية أخرى. وعن مشواره مع المسرح قال: كتبت خلال مسيرتى للمسرح حوالى 12 مسرحية. وحصلت خلالها على جائزة مهرجان دمشق المسرحى عام 1976 عن مسرحية قدمتها عام 1975 باسم "حفلة على الخازوق" وللأسف منعتها الرقابة فى مصر وعرضتها فى الكويت. وعن مشواره الأبرز مع الدراما قال: منذ حوالى 40 عاما طلب من المخرج إبراهيم الصحن أن أكتب له سهرة تليفزيونية. وبالفعل تم إخراج السهرة بعنوان "ليس غدا"، وقام ببطولتها حسن البارودى وتوفيق الدقن وماجدة الخطيب، فمنذ بداية 1965 حتى عام 1975 هي مرحلة بداية الكتابة للتلفزيون، ثم انتظمت بعد ذلك في الكتابة للتلفزيون حتى الآن. ولكن أول مسلسل لى عرضه التليفزيون كان عن حياة "عبد الله النديم" فى عام 1970، ثم جاء مسلسل تاريخي آخر عن "سليمان الحلبي" عام 1975، وكان هذا مسلسلاً مهماً، ثم تلاه في العام التالي مسلسل عن "عنترة". وبعد ذلك كنت أكتب بمعدل مسلسل في كل سنة أو سنتين وأحياناً كل ثلاث سنوات حسب الظروف الإنتاجية. أنا أعتقد أن "ليلة سقوط غرناطة" هو من أهم المسلسلات التي كتبتها عام 1981 ، ويتناول هذا المسلسل الليلة الأخيرة في غرناطة قبل سقوطها أو قبل تسليمها إلى يد الأسبان. ثم كتبت "لحم يحترق" ويتناول هذا المسلسل المهم موضوع مواجهة العالم العربي للحلف الفرنجي المغولي. كما كتبت مسلسل "بوابة الحلواني" ، وهذا المسلسل أعتبره من الأعمال القريبة إلى نفسي أيضاً، فضلاً عن مسلسل "أم كلثوم". ويتوقف محفوظ عبد الرحمن أمام مسلسل "بوابة الحلوانى" قائلا: يقول: توجد فترات تاريخية هائلة يراد بها دائماً ألا تظهر إلي النور ولا يقترب منها الناس وأن تظل دائماً خلف الأستار مثل بعد المراحل المملوكية ومنها أيضاً فترة حكم الخديو إسماعيل لمصر.. وعندما قررت الكتابة صادفت عقبات كثيرة وتعطل الإنتاج أربع سنوات لأنهم في قطاع الإنتاج لم يتخيلوا أن يتم تقديم عمل درامي عن الخديو إسماعيل وكانوا يعتقدون انه فقط عن قناة السويس، والحقيقة فترة حكم الخديو إسماعيل لمصر من الفترات التاريخية التي يجب أن نتوقف عندها ولا يمكن اغفالها أبدا لأنني حاولت في هذا العمل التطرق إلي مناقشة بعض الأمور والقضايا التي ظهرت من جديد لتطرح نفسها للنقاش، وكانت أيضاً موجودة في ذاك العصر، منها قضايا فكرية ودينية وفتاوي دينية غريبة مثل التي يطرحها أصحابها الآن في حياتنا المعاصرة. ويضيف، لكن بالأساس كنت مهتما أيضا بمناقشة فكرة حفر قناة السويس.. وكيف حفرت وطوال سنوات حفرها مات من المصريين أكثر من 120 ألف مصري وكان عدد المصريين آنذاك 4 ملايين مصري.. وربما مات أكثر من هذا الرقم.. كل هؤلاء شهداء.. فمن يستطيع أن يتذكر كل هؤلاء إلا من خلال الأعمال الدرامية والفنية لتعرف الأجيال كيف ظهرت هذه القناة إلي الوجود.. ومع كل هذا المصريون لم يستفيدوا منها.. بل كان الاستعمار هو الفائز بهذه القناة بعد حفرها.. لذلك عارض البعض في البداية التصدي لفكرة كتابة موضوع درامي عن قناة السويس اعتقاداً منهم أنه أمر صعب للغاية.. لكن هذه الصعوبة التي حذرت الاقتراب منه.. جعلتني أغوص في أعماق الموضوع وأبحث فيه بعناية وأقرأ الكثير من الكتب والمراجع والمذكرات والوثائق.. وأعتقد أن بوابة الحلواني هو العمل الدرامي المتكامل الذي تطرق إلي فكرة حفر قناة السويس سبقه مسرحية كوميدية تسخر من الخديو إسماعيل وفيلم عن الخديو إسماعيل هو "ألمظ وعبده الحامولي" ولا أحد تناوله في الأدب. ويري عبدالرحمن انه لم يستكمل رؤيته الدرامية في تناول فترة حكم إسماعيل، فيقول مع الأسف كانت هناك فترة زمنية قصيرة وهي السنوات الست الأخيرة في حكم الخديو إسماعيل لم أتناولها درامياً رغم أنني بدأت السرد الدرامي في العمل فيما قبل حكم الخديو إسماعيل.. في هذه السنوات شهدت أحداثاً دراماتيكية في حياة إسماعيل ومن أهمها تخلصه من صديقه واليد اليمني له إسماعيل المفتش كنوع من مغازلة الغرب حينما بدأ الضغط عليه. ويكمل محفوظ الخديو إسماعيل عندما فكر أن يبني مصر قام ببناء المصانع وتقوية الاقتصاد وقال أنا لست أول من استدان سبقني عباس الأول وهذا لا يضير لأنه من الممكن أن ترد هذه الديون.. لكن في الواقع البنوك الأوروبية "نصبت" علي إسماعيل في القروض التي أخذها منها. إسماعيل أيضا كان يريد بناء مصر في كافة المجالات والنواحي وأول من فكر في استثمار الفنون لتحقيق أهدافه فقام ببناء الأوبرا المصرية وقام ببناء القاهرة الخديوية التي تمتد من ميدان العتبة وباب الحديد إلي ميدان التحرير كان اسمه "ميدان الإسماعيلية". وكذلك حي المنيرة كل هذه المناطق تم تخطيطها مثل باريس.. المسلسل أيضاً تطرق إلي جهود إسماعيل أن تكون مصر دولة عظمي.. متذكراً ما حدث مع جده محمد علي عندما وقفت اساطيل الدول الأوربية في مواجهة الأسطول المصري بمفرده!! وتعلم الدرس تماماً عندما حاول أن يقيم امبراطورية في إفريقيا تصدي له الاستعمار الفرنسي لكن كان دولة عظمي بدون عنف وحروب!! ويصف محفوظ الخديو إسماعيل بأنه واحدا من ثلاثة حاولوا بناء مصر الحديثة دائماً وسبقه جده محمد علي باشا.. ثم الزعيم جمال عبدالناصر.. مؤكدا جميعهم وقف الاستعمار ضد أحلامهم وطموحاتهم والثلاثة كان يميزهم العقلية الاستراتيجية في البناء والتعمير والنهوض بمصر. وتحدث أيضا الفنان محمد وفيق عن تجسيده للدور الخديو إسماعيل، ثم ألقى الشاعر الكبير أحمد تيمور قصيدة تحت عنوان "فى حب محفوظ عبد الرحمن" يقول مطلعها: يسير على قدمين من الشوق .. للشمس حتى تدفئ كفيك .. من برد الشتاء للقمر الشهرزادى حتى تزود .. روحك بالسحر