لا تزال الأمة تنكوى بنيران تلك الدعوة التي أسسها حسن البنا، التي لم تنطفئ باغتياله وبقيت لتذيق المصريين والعرب نيران العنف والإرهاب.. 66 عاما على رحيل الإمام المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، مرت الجماعة خلال تلك السنوات بمراحل سقوط عديدة وعودة للحياة، لكنها تأتى هذا العام وسط إرهاب وعنف أظهر الوجه الحقيقي ومعدن الإرهاب الذي قال عنه البنا يوما "ليسوا إخوان ولا مسلمين"، رغم أنه كان أول من أنشأ التنظيم الخاص، ووقف وراء اغتيال النقراشي باشا ردا على حله جماعة الإخوان المسلمين في 28 ديسمبر 1948. حسن أحمد عبدالرحمن محمد البنا الساعاتي، المولود في 14 أكتوبر 1906، أخذ التصوف عن الشيخ عبد الوهاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافية الشاذلية في عام 1923، حيث كان للشيخ الحصافي أثر كبير في تكوين شخصية البنا، وتخرج في دار العلوم عام 1927م ثم عين مدرساً في مدينة الإسماعيلية عام 1927. في كل عام، تحديدا 12 فبراير، يجدد شباب الإخوان العهد والبيعة للمرشد الأب والمعلم الشهيد كما يطلقون عليه بإحياء ذكراه رافعين شعار "الله غايتنا.. ورسولنا قدوتنا.. والجهاد سبيلنا.. والموت في سبيل الله اسمى أمانينا.. إحنا الإخوان الله أكبر.. أقسمنا يمينا لن نقهر.. وكتاب الله بأيدينا.. سنخوض اليابس والأخضر.. شعارنا وأعدوا.. وللجهاد استعدوا"، لذا لم يكن غريب أن تصدر جماعة الإخوان المسلمين بياناً في 30 يناير الماضى، تدعو فيه أنصارها بالتأسى بحسن البناء الذي أنشأ التنظيم الخاص، ودعا للجهاد تحت راية الإخوان المسلمين، وشعار "أعدوا" ومصحف يحتضنه السيفان، كاشفين عن الوجه الحقيقى لهم ولمؤسسة أبيهم وإمامهم الذي علمهم العنف. كان لسقوط دولة الخلافة العثمانية تأثير كبير على حسن البناء، الذي سعى بكل قوة لإنشاء نواة لجماعة تسعى لعودة الخلافة من جديد، فأنشأ في مارس 1928 مع 6 من أصدقائه "حافظ عبد الحميد، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، وزكي المغربي"، جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية، ثم انتقلت إلى القاهرة. عمل البنا منذ نشأة الجماعة على تجنيد الشباب وضمهم إلى الجماعة، وسرعان ما أحدثت الجماعة طفرة في تكوينها، بتحولها من مجرد جماعة وعظ دعوية إلى حركة منظمة، تؤكد العمل السياسي، والتغيير في الواقع المسلم، ورسم البنا ملامح الجماعة الدينية والفكرية، بل والسياسية والاقتصادية، في كتاباته وخطبه، على أنها دعوة سنية سلفية تحمل حقائق الصوفية، وأنها جماعة رياضية تعني بالجسم، لأن المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف، وإلى جانب هذا، فهي رابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وهيئة سياسية، تطالب بإصلاح الحكم في الداخل، والنظر في صلة الأمة بالأمم الأخرى في الخارج. بدأت الجماعة التي نشأت دعوية بالانتقال للقاهرة للعمل السياسي عام 1933، وانتقلت جماعة الإخوان مع انتقال مؤسسها إلى القاهر وأسس البنا في يونيو 1933، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، وظلت تصدر لمدة خمس سنوات وبعد إغلاقها أصدر في 3 مايو 1938 مجلة النذير الأسبوعية. أراد حسن البنا أن يكوّن "الجيش المسلم" للتصدي لليهود والإنجليز مستغلا ضعف الحكومات العربية فكون "النظام الخاص"، لكن كان هناك هدف آخر من وراء التنظيم ظهر جليا في عملياته التي تبعت اغتيال البنا، وكذلك ظهرت في حياة البنا باغتيال النقراشي باشا، وإن كان "البنا" وقتها تبرأ من فعلتهم وقال قولته الشهيرة "ليسوا إخوان وليسوا مسلمين". ترشح حسن البنا لانتخابات النواب لأول مرة في 1942، وهو الأمر الذي لاقى اعتراضات من حكومة النحاس باشا، فحدث لقاء بين الإثنين واتفقا على انسحاب حسن البنا مقابل الموافقة على إصدار مجلة الإخوان المسلمين والسماح بالاجتماعات والمحاضرات في العلن. تعود ملابسات اغتيال حسن البنا إلى 8 ديسمبر 1948، حيث أعلن النقراشي باشا رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها، واعتقال معظم أعضائها باستثناء حسن البنا، وصادرت الحكومة سيارته الخاصة فقط، واعتقلت سائقه وسحبت سلاحه المرخص به، وفي الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949، تم إطلاق النار على حسن البنا أثناء خروجه من جمعية الشبان المسلمين، وتماسك البنا رغم إصابته وأخذ رقم السيارة التي تم إطلاق النار منها، وهو رقم "9979"، والتي عرف فيما بعد أنها السيارة الرسمية للأميرلاي محمود عبد المجيد، المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية وقتها، حسب رواية الجماعة، غير أن الحادث سجل ضد مجهول. الجماعة تعيد إنتاج تاريخ الرجل في ذكرى رحيلة بعد أن مكنت التنظيم الخاص من الجماعة، فسار "الإخوان" على نفس الطريق الذي سار فيه المؤسس الأول "حسن البنا".