“,” ليالي الحرير“,” رواية جديدة للشاعرة والأديبة المغربية “,”عائشة البصري “,” صدرت حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، تقع الرواية في 183 صفحة من القطع المتوسط، وهى الرواية الأولى لعائشة البصري بعد ستة دواوين شعرية ترجمت إلى أغلب لغات العالم الحية، ووضعت البصري في مصاف كبار الشعراء العرب. في رواية “,”ليالي الحرير“,”، تستفيد البصري من تقنياتها الشعرية، فجاءت اللغة مكثفة تتجاوز الإخبار إلى آفاق المجاز، دون الإغراق فيه حتى لا يخل بتسلسل السرد وحيويته، وهى صيغة صعبة نجحت فيها البصري بامتياز، ومن أمثلة هذه اللغة “,”تعبت من دور الضحية“,” و “,”عندما يمتلئ القلب ينبغي أن تنفتح الشفتان“,”. تلعب اللغة مع تقنيات أخرى شديدة البلاغة والتجريب دور البطل في ليالي الحرير، وتصل في استكناه المشاعر إلى حدود الدقة المتناهية: “,”ضغط الألم بقوة على جروح قديمة فرأيت دمي مهدورًا وكرامتي مهانة، وعيت الزمن إذا لم يلاحظ رجل إشراقة ربيع امرأته فكيف يستطيع أن يصون ذبولها، وهى تهوى نحو كهولة رديئة“,”. مشاعر المرأة المغرقة في الأسى والإحساس بالفقد، تقبض عليها عائشة البصري بتمكن واقتدار وتذهب وراء هذه المشاعر في سراديب نفس المرأة حتى تجليها أمام القارئ عبر سرد شديد التركيز شديد الصعوبة. وهناك نوعان من مستوى الكتابة الحرفية على سطح الورق في الرواية الأول بالبنط العادي الأبيض للسرد الواعي البسيط الذى يدرك أنه سرد، والآخر بالبنط السميك الأسود لما يشبه المنولوجات الذاتية والإغراق في خبايا النفس والأحلام والكوابيس وذلك غير مستوى بنط الهوامش التوضيحية التي تشكل الجزء المعرفي في السرد. وتلعب دور السارد التاريخي الذي يضيء خلفيات بعض الأحداث، ويطرح توقعاتها المستقبلية، من رصد الأفعال، يمكن توقع ردود الأفعال، تشكل هذه الهوامش صدى بعيدًا لروح تحاول إدراك ماضيها وامتداداتها، وتغلغل الأسطورة والمناخات الثقافية المغربية في روح بطلة العمل، التي يمكن اعتبارها في هذا السياق نموذجًا لكل امرأة مكسورة الروح، تحاول العثور على نفسها، وفي هذه الجزئية تستدعي البطلة بطلات أخريات لهن الظروف نفسها، وتشرح مأساتهن وكيف خرجن. ومن دلائل استفادة البصري من عملها الشعري في روايتها الأولى أن الرواية تكاد تخلو من الحوار إلا قليلاً، لكى تكشف طبيعة الذات وردود أفعالها على الأحداث المكررة من المرض والمستشفيات وانكسار الروح والوحدة واستبداد الحنين، ولهذا تأتى مساحة الصمت التي تغمر الرواية معتمدة على بلاغة التصوير للمواقف والمشاعر والأمكنة، والمكان هنا دائما جزء من الحدث: حجرات المستشفيات والأسِرةَ، لتأتي بعد ذلك تقنية الهمس والمنولوج والروائح والألوان، بلاغة الألوان والروائح شيء جديد في هذه الرواية “,”ليالي الحرير“,” تخرج بها من نسق السرد التقليدي، بل حتى السرد الحداثي لتتجاوز ذلك إلى الرواية التجريبية بامتياز، فتدمج في بلوغ هدفها تقنيات مثل الأحلام والكوابيس والرسائل والرسائل داخل الأحلام والأحلام داخل الرسائل والهوامش التي تشرح بعض ما ورد داخل الحلم من أحداث، وشخصيات أجنبية لها الاسم نفسه ونفس الاهتمام ومجال العمل، لتتداخل بذلك الأزمنة والأمكنة والأرواح. تعد الرواية إجمالًا تصفية حساب لامرأة مع أصدقاء إْلِدَاء : الرجل، المرض، الحياة، الموت ... حيث تتسامى حالات صراع الأنثى وآلامها إلى مستويات عالية من التأمل الوجودي والقلق الروحي العميق والمضيء. استنادًا لثقافة روائية شديدة الرهافة أفصحت عنها حداثة السرد، وغرائبيته، ومكره اللذيذ. تتداخل في هذا المحكي، كثير من الأزمنة والأمكنة، والأحداث، يلحم تباعدها، واختلاف أشكالها وألوانها وعطورها، حلم لا ينتهي ... حلم، أحلام، ترفو جسد الشاردة وسردها بخيوط من وهم اسمه الحياة. الرواية مركبة ومبنية على عنصرين مهمين عنصر الحاضر الذي يعيد المريضة أو الشاردة إلى كل ما يحيط بها. وعنصر الكابوس أو الحلم الذى تنشأ فيه أجزاء مهمة من الرواية. وهى طريقة سمحت باللعب أدبيًا بين حاضر يصعب السيطرة عليه وحلم يسمح للشاردة بأن تستعيد حياة لم تكن سهلة. بالإضافة إلى عنصر الغيبوبة، البرزخ الذي يربط بين عالم الموتى وعالم الأحياء. حيث تنتقل الشاردة بينهما بسلاسة بحثا عن أجوبة لم تجدها في الحياة فسعت إليها في الموت. فالشخصيات كلها ميتة بما فيها الشاردة التي لا تعي موتها بل حتى الروائية التي من المفروض أن تكون عالمة بكل شيء في الفضاء الروائي ليس لديها اليقين بموت أو حياة الشاردة وهذا ما يجعل ليالي الحرير رواية غير عادية. شخصيات الرواية ملتبسة، تتقاطع حيواتها في الكثير من الأحيان، بما فيها الشخصيات التي آلت تقديم نفسها من خلال انطلاق الهوامش، تقاطع يخضع للصدف وعشوائية الأقدار أكثر مما يخضع لمنطقية الأحداث. رواية ليالي الحرير هى بحث مضن، هى الذهاب بعيدًا حتى الموت بحثًا عن أجوبة لأسئلة الحياة. أما المؤلفة عائشة البصري فهي: عضو بيت الشعر بالمغرب، وعضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو الجمعية الدولية للنقد بفرنسا، وعضو في عدد من لجان التحكيم الأدبية، بالإضافة إلى الشعر تكتب المقالة والنقد الفني. شاركت في العديد من مشاريع التنمية الثقافية والاجتماعية الإسبانية المغربية. من إصداراتها الشعرية : مساءات ( المغرب 2001 )، أرق الملائكة ( المغرب 2002 )، شرفة مطفأة ( المغرب 2004 )، ليلة سريعة العطب ( لبنان 2007 )، حديث مدفأة: حقيبة فنية بالاشتراك مع الفنان عبدالله الحريري ( فرنسا 2012 )، صديقي الخريف: حقيبة فنية بالاشتراك مع الفنان محمد بناني ( المغرب 2009 )، خلوة الطير ( سوريا 2010 )، درس في الرسم: قصائد للأطفال (المغرب 2013 ). السخرية في شعر محمود درويش: دراسة نقدية. تمت ترجمة شعرها إلى العديد من اللغات منها: قنديل الشاعر : ترجمة تركية عن دار ديجراف ( تركيا 2006 )، عزلة الرمل: ترجمة إسبانية عن دار ألفار إشبيلية ( إسبانيا 2006 )، أرق الملائكة: ترجمة فرنسية عن دار مرسم الرباط ( المغرب 2007 )، أفرد جناحي: ترجمة إسبانية منشورات جامعة سان خوسي وبيت الشعر ( كوستا ريكا 2009 )، ندبة ضوء: ترجمة اسبانية سانتياجو ( الشيلي 2010 )، حنين المطر : ترجمة تركية منشورات أرشوب إسطنبول ( تركيا 2010 )، توَهُجُ الليلك : ترجمة إيطالية عن دار النشر الخير اسولى ضمن سلسلة “,” إ يفيستو “,” سيسيليا ( إيطاليا 2012 )، حدس ذئبه : ترجمة فرنسية : ضمن سلسلة أكسون تونيك عن دار لارمتان بباريس ( فرنسا 2013 ). ضُمَنت قصائدها العديد من الأنطولوجيات الشعرية العربية والعالمية، شاركت في العديد من المهرجانات الثقافية والعالمية والمعارض الدولية.