لم تكن حملة الاستقالات الجماعية في حزب الدستور هي الأخيرة، فقد سبقها ثورة حزبية قام بها أعضاء الحزب من الشباب، انتهت بتولي جميلة إسماعيل أمانة التنظيم وملف الشباب الذين لا يجدون من يسمعهم، رغم أنهم يرون أنفسهم الأحق بالقيادة، فهم أصحاب الجماهيرية والعمل الشعبي، واستطاعت جميلة أن تضع حلولاً للازمة، التي تم حلها بحلول مؤقتة وسطحية، بدأت من جديد، وأعقبها حملة أخرى من الاستقالات وتهديد بالانشقاقات، لم تحسم حتى الآن. ويبدو أن الاحزاب المصرية لم تتعلم من تجربة الأحزاب التي سبقت يناير 2011، فأعادت تكوين نفسها على نفس عوامل فنائها، وتفكيكها من الداخل، وأصبحت الأحزاب تحمل كل التناقضات والأيدولوجيات المتناقضة داخل اعضائها. فحملة الاستقالات الجماعية، أعقبها تقديم بثينة كامل لاستقالاتها من الحزب بسبب خلافات سياسية وإدارية بينها وبين قيادات الحزب، وتحديداً بينها وبين جميلة إسماعيل، بعد أن اتهمتها بثينة بالديكتاتورية، وأنها تجمع كل الخيوط في يديها خاصة بعد تولي البرادعي منصبه الرئاسي، واتجاه بثينة للانضمام لعضوية المصريين الأحرار. بثينة ليست الأخيرة التي تنتقل من حزب إلى حزب، سبقها باسل الحيوان، الذي انتقل من الغد إلى حزب الجبهة، ثم المصريين الأحرار، ثم محاولة تأسيس حزب جديد بعنوان “النيل“,” ثم الانضمام إلى الدستور، وهو تقريبا نفس ما حدث مع مارجريت عازر، التي انتقلت من الجبهة إلى الدستور. تقريبا نفس الانتقالات والتهديد بالاستقالة أو تقديمها بالفعل حدثت في التيار الشعبي وجبهة الانقاذ-اكبر تجمع حزبي- والحزب الديمقراطي الاجتماعي التي يجمع تركيبة متناقضة من الأفكار السياسية. والآن تتوجه الأحزاب الي فكرة الاندماج وتكوين الكيانات الكبرى. فهل تصلح التحالفات الجديدة للحفاظ على الأحزاب؟ أم أنها ستصبح أحد عوامل التفكك والفناء . بروتوكول للتعاون يقول أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، أن الحزب طرح بنود “,”بروتوكول“,” لاتجاه الأحزاب المتقاربة في برامجها إلى تكوين حزب واحد، بهدف بناء أحزاب قوية، لتستطيع أن تواجه ما سيحدث مستقبلاً من استفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية. وأشار بهاء أن هناك خطراً قادماً سيواجهها من جديد وهي “,”التيارات الإسلامية“,”، التي ستقوم بإعادة لم شملها من جديد لتخوض المعركة الإنتخابية من جديد، موضحاً أنه يجب أن يكون هناك أربعة تكتلات “,” حزب ليبرالي كبير من المصريين الأحرار والدستور والجبهة، وحزب يساري للتحالف والتجمع والمصري الديموقراطي، وحزب قومي كبير يضم الكرامة والناصري، ورابع يضم التيارات الإسلامية. ويؤكد شعبان، أنه بعد ثورة 25 يناير ظهرت ما يزيد عن 100 ائتلاف ثوري، حاولنا أن نقوم بتوحيدهم ولكنهم رفضوا ذلك، وتلك مشكلة الأحزاب الجديدة التي تقوم علي شباب غير مرحبين بمبدأ التعاون وتم خداعهم والإطاحة بهم فيما بعد عند تكوين الأحزاب لأنهم غير واعين بالتنظيم السياسي، على عكس حزب “,”الحرية والعدالة“,” فقد كان أكثر العناصر تنظيماً وإلماماً بثقافة الشارع، علي عكس عدم وضوح الرؤية بالنسبة للأحزاب الأخرى. وأيد فكرة الدمج لأنها ستكون عبارة عن عملية مكملة، فهناك أحزاب لديها التمويل ولكنها تفتقر للعناصر البشرية المدربة والعكس صحيح، وهناك أحزاب لديها اتصال مباشر وقوي بالشارع وبالتالي إذا تمت عملية الدمج سنحصل على إمكانات “,”لوجستية“,” تمكنا من عمل تيار مدني قوي، نافيا قيام أحزاب تقوم على فكرة الزعيم الملهم وصاحب الحلول الجاهزة معللاً ذلك بقيام الثورة دون وجود زعيم لها. حزب الدستور تتوالى الخلافات داخل حزب الدستور، بعد أن كان بمثابة البيئة الحاضنة للقوى الشبابية والثورية، لم تكن استقالة بثينة كامل أمينة حزب المرأة بالحزب هي الأولي من نوعها بل جاءت قبلها استقالة الدكتور عماد أبو غازي، أمين عام الحزب، وكذلك استقالة الدكتور حسام عيسي، رئيس لجنة التسيير الداخلية. و تهدد هذه الاستقالات بخروج أهم النخب السياسية والثقافية داخل الحزب، فهل تكون فكرة الدمج هي الحل لرأب تلك التصدعات. يؤكد أحمد دراج، وكيل مؤسسي حزب الدستور، أن فكرة “,”الإندماج“,” جيدة من حيث المبدأ، ولكنها تتعارض مع المجتمع المصري الذي يفتقد إلي ثقافة الفريق الواحد ويميل إلى التفتيت والعزلة كفرد، بالإضافة إلي طبيعة الشخصيات التي تقود ذلك التغيير ، موضحا أن أنها تقوم بتغليب المصالح الذاتية علي مصلحة الحزب، ويجب أن يسير الجميع حول فكرة موحدة وهي “,”الفكرة الليبرالية“,” وتقاربها في أكثر من حزب، مشدداً أننا سنواجه بأشخاص لهم رغبات تختلف عن من يتحدثون عن الدمج. أما عن طبيعة ما يمر به حزب الدستور الآن، فقد وصف دراج الحالة قائلاً “,” أن أي حزب يمتلئ بتوجهات مختلفة يواجه مثل تلك الأمور، والمشكلة الأساسية أن قيادات الحزب تفتقر لإدار الخلاف فيؤدي ذلك إلي تعميقه وهذا ما أدي إلي ظهور حزب الدستور مليء بالخلافات وعلي قائمة الأحزاب الليبرالية المتصدعة وهذا عار تمام من الصحة، مؤكدا أنه يجب أن يكون هناك “,”بروتوكولاً“,” يحكم آليات المحاسبة داخل الكيان الواحد، وقواعد أخلاقية تعطي الجميع إشارات مرور. وأوضح أن حزب الدستور لديه ممارسة مختلفةعن غيره، نافياً قيامه علي أشخاص، بل يقوم علي التنوع وهذه تجربة مختلفة، موضحا أن قدوم شخصية مثل جميلة إسماعيل لتكون أمين عام الحزب حلت مشكلة عدم احتواء الشباب والذي يشكلون الغالبية العظمي، ومشكلتهم أن لديهم طموح سياسي عال يريدون صعود السلم السياسي بسرعة، موضحاً أن مشكلة جميع الأحزاب احتياجه لرؤية واضحة ليسير عليها. وأنهي دراج حديثه قائلا “,” لن أستطيع أن أؤكد اندماج حزب الدستور والمصريين الأحرار قبل الانتهاء من انتخابات الحزب والقيام بعمل المؤتمر العام لمختلف قطاعاته بالمحافظات ثم نقوم خلال ذلك بعرض فكرة الدمج“,”. البدء من جديد “,”بثينة كامل“,” آخر المنشقين من حزب الدستور والتي أثير حول استقالتها بسبب تحكمات “,”جميلة إسماعيل“,” والتي أصبح لها اليد العليا في الحزب بعد تولي البرادعي منصبه الجديد كمستشار الشئون الخارجية. قالت بثينة كامل أنها تقدمت بإستقالتها من حزب الددستور وفي طريقها للتقدم بعضوية المصريين الأحرار، وقررت عدم التعليق علي ذلك قائلة “,”سنبدأ من جديد ونتخلص من قيود الماضي، وليس صحيحاً ما يردده بعض النشطاء من تخوين قيادات الجيش، ويجب أن يبدأ كل فرد بنفسه لننأي بخلافاتنا ونستطيع بناء دولتنا بعد رحيل دولة الإخوان التي كانت تعمينا عن كل شيء. محاولات للدمج أكد جهاد عودة، محلل سياسي، أن تجمع الأحزاب المماثلة في حزب كبير شيء جيد ويجعل الحياة السياسية أكثر جدية ويقلل من التفتيت السياسي والبرلماني، فالتكتلات الكبيرة تزيد من فرصة نجاح وإثراء الحياة السياسية . وتمني عودة أن يتم عمل حزبين يساريين وحزبين ليبراليين قويين يمثلوا الإتجاهين، ويتم دمج الأحزاب الصغيرة بهما، موضحا وجود أكثر من 80 حزب عبارة عن أوضة وشقق وعبارة عن كيانات هشة، وأوضح أن القوي الليبرالية تعاني مشكلة وقد جرت محاولات قبل ذلك للدمج بين حزبي الوعي والجبهة ولكن من غير أن يتم الإعلان. خصوصية الوفد وأكد أن الوفد ميراثه يمنعه من التكتل فمن الصعب أن يدعو للاندماج ولكن من الممكن أن تقوم بالتنسيق وفق تقاليده وخصوصيته كحزب قديم، أما “,”الدستور“,” فهو حزب الثورة ومهم ويعبر عن قيم معينة ووسطية بمعانيها المختلفة ، ومشكلته تنظيمية لأنه يدار بطريقة تهدئة للأطراف بسبب ضمه لتكتلات ناس كبيرةوذات ثقل سياسي. وأوضح في نهاية حديثه أن هناك قيوداً خاصة بطبيعة التكوينات لأن تكوين الأحزاب ليس قائماً علي مصالح محددة أو رغبات وتصورات سياسية أو حتى على مواقف اجتماعية معينة وبالتالي يأتي الفرز الطبقي وبالتالي اختلاف وخلاف عميق جداً.