محافظ الإسماعيلية ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام يبحثان تعزيز التعاون المشترك    بعد تراجع الأسعار محليًا.. هل الوقت مناسب الآن لشراء الذهب؟    السياحة تحلق فى الغردقة |53 ألف راكب.. أعلى تشغيل يومى بالمطار    محافظ كفر الشيخ يناقش عددا من الشكاوى في لقاء المواطنين    حماس: لدينا الإرادة لمنع عودة الحرب على غزة    إصابة جديدة في صفوف برشلونة قبل مواجهة إلتشي بالدوري الإسباني    وادي دجلة يتقدم على الاتحاد السكندري في الشوط الأول    توني يقود تشكيل الأهلي ضد الباطن في ثمن نهائي كأس الملك السعودي    التصريح بدفن جثامين الأطفال ال 3 ووالدتهم ضحايا واقعة اللبيني    خروج جثمان طفل شبرا الخيمة من مستشفى ناصر التخصصى بعد تصريح النيابة بالدفن    وزيري: المتحف المصري الكبير أيقونة عالمية تجمع بين الحضارة والتكنولوجيا    أشرف زكى يقدم واجب العزاء فى شقيق فريدة سيف النصر    تعرف على كيفية نقل ذبابة الرمل السوداء العدوى وما الإسعافات    فيديو متداول ل«افتتاح ملعب بالعراق من إهداء الملك سلمان».. ما حقيقته؟    ضبط 2800 لتر من زيوت السيارات مجهولة المصدر بالخانكة    نواب الأمة    تعرف على تفاصيل صرف الزيت التمويني بعد إضافة عبوة جديدة    فاز بجائزة الجونة البرونزية.. فيلم المستعمرة يشارك بمهرجان البحر الأحمر    بعد إعلان عرضه.. تفاصيل مشاركة مهرة مدحت بمسلسل كارثة طبيعة بطولة محمد سلام    المخرج سعد هنداوى يطالب بتكريم عادل إمام ببناء دار عرض تحمل اسمه    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    استمرار محادثات السلام بين باكستان وأفغانستان لليوم الثالث في ظل توترات حدودية    في ملتقى عالمي بالرياض د.خالد عبد الغفار: العائد الاستثماري في الصحة يحقق أربعة أضعاف    «زي المطاعم».. كباب اللحم بتتبيلة الزبادي والبهارات    مكتبة مصر العامة تحتفي بالتراث الفلبيني في احتفالية ومعرض فني بعنوان باجكيلالا – الاعتراف    ملك الأردن: لن نرسل قوات إلى غزة ومستعدون لدعم الشرطة الفلسطينية    هل على العقارات المؤجَّرة زكاة؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان روما الاعتراف بدولة فلسطين (صور)    رئيس المركزي للمحاسبات يفتتح أعمال المجلس التنفيذي ال79 للإنتوساي بشرم الشيخ    الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة بتروجيت وسط تركيز عالٍ وتظلم رسمي ضد الكاف    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    مدير تعليم سوهاج يشارك في الاجتماع التنسيقي لتنفيذ مبادرة الأنيميا والتقزم    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    «فنانون ومبدعون».. ما هي الأبراج التي تتمتع بخيال واسع؟    جدول مواقيت الصلاة غدًا الثلاثاء 28 أكتوبر بمحافظات الصعيد    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    متي يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025؟    لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تعتمد مجموعة من التوصيات لدعم القضية    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    عاجل- إنهاء حالة الطوارئ في جنوب إسرائيل لأول مرة منذ 7 أكتوبر    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    «تعليم أسيوط» يعلن تلقى طلبات الراغبين في العمل بالحصة لمدة عشرة أيام    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة بعنوان «أخلاق التعامل مع السائح» بجامعة الغردقة    المشاط: الإحصاءات تُمثل ركيزة أساسية في صنع القرار ودعم مسيرة التنمية    شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام بروما: لا سلام بالشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    أسعار اللحوم اليوم الاثنين في شمال سيناء    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو الاعتداء على كلب في الدقهلية    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود علي مكي.. مؤرخ الأندلس الحاضر الغائب
نشر في البوابة يوم 09 - 08 - 2013

جاء رحيل الباحث الكبير الراحل د. محمود علي مكي، مفاجئا وصادما للجميع، الرجل الذي أسهم بدور كبير في البحث حول تاريخ الأندلس، وأعد مؤلفات هامة تناولت هذه الحضارة وتأثيرها على البشرية، ليترك وراءه تاريخا طويلا من النضال العلمي لعل أبرزه تأسيس قسم للأدب الأندلسي بجامعة القاهرة.
أثناء زيارته للمغرب بدعوة من مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، ألقى الراحل محاضرة تحت عنوان “,”دور الحضارة الأندلسية في النهضة الأوروبية“,”، والتي أدارها مدير المركز الدكتور عبد الواحد أكمير نقلا عن مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات.. و“,”البوابة نيوز“,” تعيد نشر الحوار مره أخرى نظرا لأهميته.
س- كيف بدأ الاهتمام بالدراسات الأندلسية في مصر؟ ومَن هم رواد هذه الدراسات؟
ج- مما لا شك فيه أن اختيار أحمد شوقي، شاعر مصر الأول، لإسبانيا كأرض لمنفاه، عندما أجبره الإنجليز على مغادرة مصر إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى، نبّه بعض المثقفين المصريين إلى الأندلس وحضارتها، وذلك على الرغم من أن ما أنتجه شوقي من شعر وهو فيها كان محدودًا جدا بل وسطحيا، وسبب ذلك وكما خلصت في إحدى دراساتي، هو أنه كان مصابًا خلال السنوات الأربع التي قضاها قسرًا هناك، بحالة اكتئاب.
وبجانب تأثير شوقي هذا غير المباشر، ظهرت أعمال أخرى ساهمت كذلك في خلق اهتمام خاص بالأندلس، أذكر من بينها كتابًا لأمير البيان شكيب أرسلان، يصف فيه غزوات المسلمين في الأندلس، وترجمة من الفرنسية إلى العربية أنجزها كامل الكيلاني لبعض فصول كتاب “,”دوزي“,” عن تاريخ إسبانيا المسلمة، ودراسة أخرى لعبد الله عنان، تعتبر في تقديري الأولى من نوعها التي أُنجزت باللغة العربية عن الأندلس، تتوفر فيها الشروط العلمية اللازمة.
وبجانب هذه الدراسات ذات الطابع التاريخي، نقل بعض المهتمين بالمسرح، ملاحم الأندلس إلى خشبة المسرح، ومن الأشياء الطريفة التي لا يعرفها الكثيرون في هذا السياق، أن رائد الوطنية المصرية مصطفى كامل كتب مسرحية عن فتح الأندلس تحت عنوان “,”طارق بن زياد وفتح الأندلس“,”، وهنا أعتقد أن اهتمام هذا الزعيم الكبير بالأندلس كانت الغاية منه إذكاء روح الحماس في الشباب لمواصلة الكفاح ضد المستعمر الإنجليزي.
وينتمي إلى جيل الرواد هذا باحثان آخران: الأول هو حسين مؤنس الذي انصبّ اهتمامه في البداية على تاريخ الفتح العربي لبلاد المغرب، قبل أن يوسع دائرة اهتمامه لتشمل الأندلس حيث نشر مجموعة من الدراسات عن سقوط الخلافة الأموية بها. أما الثاني فهو عبد العزيز الأهواني الذي انصبّ اهتمامه على الأدب الأندلسي الذي يعتبر رائده دون منازع. وتعود بداية ذلك الاهتمام إلى عام 1938 عندما كلفه عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة الدكتور طه حسين شخصيا بتحقيق كتاب “,”الذخيرة“,” لابن بسام رفقة شابين آخرين عُيِّنا مثله معيدَين بالكلية هما خليل عساكر وعبد القادر القط. وقد أصبح الثلاثة في ما بعد من كبار الباحثين، وإن كان الأهواني وحده ثَبْتٌ في مجال الأندلسيات حيث حضر بجامعة القاهرة ماجستيرا عن الموشحات الأندلسية ثم دكتوراه عن الزجل في الأندلس واهتم بابن قزمان القرطبي أمير زجالي الأندلس.
س- أفهم من كلامكم أن البعثة التي ذهبتم فيها إلى إسبانيا عام 1950 هي الأولى من نوعها التي أنجزت بحوثًا أكاديمية عن الأندلس داخل الجامعة الإسبانية؟
ج- قبل ذلك وبالضبط في سنة 1947 وفّرت جامعة القاهرة منحة لعبد العزيز الأهواني للذهاب إلى إسبانيا، وقد رحل إلى هناك فعلًا، لكن ليس لإنجاز أطروحته وإنما لجمع المادة والاطلاع على مخطوطات الاسكوريال، ولما ذهبنا نحن إلى إسبانيا وجدناه بها. وقد تزامن وصولنا إلى مدريد مع تأسيس المعهد المصري بها من طرف وزير المعارف الدكتور طه حسين، والذي كان يرعى البعثة شخصيا، وكانت أول بعثة مصرية تنتقل إلى إسبانيا ويسجل أفرادها أبحاثا عن الأندلس في جامعتها. وقد فتحت بذلك بابًا جديدًا ولجه بعد ذلك العديد من طلبة العلم المصريين والعرب عامة.
س- وكيف بدأ اهتمامكم بالدراسات الأندلسية؟
ج- بدأ اهتمامي بالدراسات الأندلسية في الحقيقة قبل أن أعرف شيئًا عن الأندلس أو أفكر في أنني سوف أطأ تلك البلاد في يوم من الأيام؛ بدأ ذلك حينما كنت أدرس في كلية الآداب في جامعة القاهرة، ولم يكن في مقرراتنا الدراسية شيء خاص بالأدب الأندلسي، ولكن كان لي اهتمام بالمطالعة العامة، في كتب مثل “,”نفح الطيب“,” أو “,”الذخيرة“,”. لكن البداية الحقيقية بدأت بعد تخرجي في الكلية وكان لها قصة طريفة، فعندما تخرجت في كلية الآداب وكنت في قسم الامتياز، وهو قسم خاص بالطلبة المتفوقين، وكان معي فيه طالبان أحدهما فتاة والآخر هو الدكتور إحسان عباس، وقد تخرجنا معًا سنة 1949. وفي صيف تلك السنة تم الإعلان عن بعثتين إلى باريس الأولى خاصة بالفلولوجيا والثانية باللغات السامية، وقد تقدمتُ لاجتياز المباراة في البعثتين، وحصلت على تقدير امتياز فيهما معًا لذا كنت أظن أنني جدير بالبعثتين لا بواحدة فقط (يضحك)، لكن بعد أسابيع، وكان الدكتور طه حسين قد تولى وزارة المعارف، طلعت لائحة طلبة البعثتين ولم أكن ضمنهما، وأن الذي تم اختياره مكاني هو زميل كان المجموع الذي حصل عليه أقل من ذلك الذي حصلت عليه. وقد أثار ذلك غضبي، ودفعتني حماسة الشباب آنذاك لأبعث برسالة إلى طه حسين، بصفته الشخصية وبصفته وزيرًا، أعبر من خلالها عن استنكاري الشديد لهذا القرار، الذي وصفته بالظالم والمتحيز. وأرسلت نسخة من الخطاب إلى أهم صحيفة للمعارضة في ذلك الوقت وهي “,”أخبار اليوم“,”. طبعًا لما كتبت الرسالة كنت أعتقد أن ذلك مجرد صيحة في واد، لأنه مَن يستطيع أن يهتم بكلام شاب في بداية حياته ينتقد فيها ذلك الجبل الشامخ الذي هو طه حسين. لكن المفاجأة أن الصحيفة نشرت الرسالة كاملة وعلى ستة أعمدة وتحت عنوان مثير هو: “,”جامعي متفوق يقول لوزير المعارف هل يجب أن أكون قريبًا أو محسوبًا“,”. وبعد أسبوع واحد من ذلك، كانت هناك مفاجأة ثانية، وتتمثل هذه المرة في برقية تلقيتها من وزير المعارف طه حسين نفسه، يدعوني فيها لمقابلته، وفعلًا طربت لذلك وذهبت وكلي تفاؤل، بحيث اعتقدت أنه استدعاني لينصفني. لكن الغريب والمفاجئ أن الدكتور طه حسين استقبلني في مكتبه بوجه متجهم وخاطبني بعنف قائلًا: “,”هل تتحمل تبعة ما كتبت؟ وهل هذا هو الأسلوب الذي يخاطب به أمثالي؟“,”، في تلك اللحظة أحسست أن كل آمالي وأحلامي تبخرت، وبما أن الأمر كذلك، قلت لنفسي لن أخسر أكثر مما خسرت إن أنا واصلت التحدي، لذا قلت له: “,”يا معالي الوزير أنا لست فقط أتحمل تبعة ما كتبت وإنما سوف أرفع عليكم وعلى وزارة المعارف كذلك قضية في مجلس الدولة“,”، وكان ذلك المجلس قد أنشئ لمحاسبة الوزراء. والغريب أني لم أكد أنطق بهذه الكلمات حتى انفجرت أسارير طه حسين وضحك وقال لي تعالَ، وأخذني إلى ركن في مكتبه وحادثني بشيء من الانبساط الذي لم أره في أول المقابلة، وأخبرني أنه اطلع فعلًا على ملفي، وأنه بصدد إعداد بعثة أخرى سيرسلني ضمنها. ولم يكد يمضي أسبوعان آخران حتى استُدعيت من جديد إلى مكتبه، وهناك التقيت لأول مرة ستة شبان آخرين سوف يرافقونني في البعثة. والواقع أن إرسالنا إلى إسبانيا كان مفاجأة؛ فالبعثات كانت ترسل إلى إنجلترا وفرنسا وبنسبة أقل إلى ألمانيا.
وقد كان أحد أفراد بعثتنا الدكتور المختار العبادي، الذي سوف يلتحق، بعد عودته من إسبانيا، بكلية الآداب بالرباط كأستاذ لمادة التاريخ، وكان ذلك في نفس سنة تأسيسها، وقد أشرف وهو في المغرب على أطروحات عدد ممن سيصبحون في ما بعد من كبار المؤرخين المغاربة.
س- وما الانطباع الذي تركته الأندلس، بماضيها الحضاري المجيد، في نفسك عندما زرتها لأول مرة؟
ج- والله كما يقال ليس مَن رأى كمن سمع أو قرأ، نحن كنا نقرأ المصادر الأندلسية المتوفرة في ذلك الوقت، وهي قليلة، وكنا نعتمدها كمراجع، لكن ذلك لم يكن كافيًا. إن وجودنا على أرض الأندلس هو الذي سمح لنا باكتشاف تراثها اكتشافًا حقيقيًّا، وقد بدأنا منذ سنتنا الأولى هناك بإعداد برنامج طويل الأمد لزيارة كل مكان في الأندلس، بما في ذلك البلاد الشمالية التي وجدت فيها ممالك وإمارات كانت تناهض الأندلس الإسلامية، وقد ساعدنا ذلك على تكوين صورة مختلفة تمامًا عما نقرأه، بالإضافة إلى هذا بدأنا باعتماد المصادر المكتوبة باللغة الإسبانية والتي تتضمن معلومات جديدة ومهمة لا يغني عنها ما نقرأه في المصادر العربية. لقد كانت تجربة على درجة كبيرة من الأهمية، وذخيرة نفعتنا بعد ذلك في كل ما أنجزناه، وهو قليل من كثير مما يجب أن يبذل في سبيل التعريف بالحضارة الإسلامية في الأندلس.
س- تحدثنا قبل قليل عن بدايات الدراسات الأندلسية في مصر ثم عن الدور الذي لعبه جيلكم في التعريف بالحضارة الأندلسية، وأود أن أسألكم الآن عن دور المستعربين الإسبان في التعريف بهذه الحضارة، على اعتبار أنها تشكل كذلك جزءًا من ميراثهم الحضاري.
ج- منذ سقوط غرناطة في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وإلى نهاية القرن الثامن عشر عملت السلطات الرسمية في إسبانيا على طمس حقائق في حق المورسكيين، لكن منذ بداية القرن التاسع عشر ظهرت محاولات سعت إلى إعادة النظر في التاريخ الأندلسي الإسلامي، وكان رائد هذا الاتجاه هو “,”خوسي أطونيو كوندي“,” الذي أصدر سنة 1800 كتابه الرائد “,”تاريخ الاحتلال العربي لإسبانيا“,”، في نفس المرحلة قام أحد رجال الدين اليسوعيين يدعى “,”خوان أندريس“,” وكان قد طُرد من إسبانيا، بنشر كتاب في روما باللغة الإيطالية من ثمانية أجزاء عن تاريخ الآداب الأوروبية، ومن الأشياء التي قالها والتي كانت غريبة في ذلك العصر، إن كل ما تدين به أوروبا لغيرها في مجال العلوم والفنون والعمارة وباقي مجالات الفكر، إنما ورثته عن الأندلس الإسلامية. هذه آراء صدمت المثقفين في أوروبا الذين كانوا يرون وقتئذ العالم العربي الإسلامي عالمًا متخلفًا. وقد عملوا على تفنيد بل وإقبار آراء “,”أندريس“,” التي اعتبروها مجرد خرافات وخيالات، لا سيما أن صاحبها لم يكن له دليل مادي على ما يقول، إذ إن التراث الفكري العربي في الأندلس كان لا يزال جُلّه مخطوطًا. وهكذا سيبقى الاستعراب الإسباني خجولًا ومحدود الأهمية في ما يتعلق بالتراث الحضاري الأندلسي، إلى أن ظهر “,”باسكوال دي كيانكوس“,” في منتصف القرن التاسع عشر، وكان رجلًا ثريًّا وقد نُفي إلى إنجلترا بسبب أفكاره الليبرالية، وهناك قام بعمل غريب هو ترجمة كتاب “,”نفح الطيب“,” وهو عبارة عن موسوعة أندلسية إلى اللغة الإنجليزية وليس إلى الإسبانية، وقد حمل الكتاب في نسخته الإنجليزية عنوان: “,”تاريخ الأسر الحاكمة في إسبانيا“,” ويقصد بها الأسر العربية. وحينما عاد إلى إسبانيا وأصبح رئيسًا للأكاديمية الملكية للغة الإسبانية، وكان من مؤسسيها، احتضن عددًا كبيرًا من التلاميذ الذين وجههم إلى دراسة اللغة العربية والحضارة الأندلسية. ومن الباحثين الذين تخرجوا على يده نذكر “,”خوسي مورينو“,” الذي اهتم بالتاريخ، و“,”إدواردو ثابيدرا“,” الذي كتب عن الفتح العربي لإسبانيا، و“,”استبان ألخاندرو“,” الذي كتب عن العادات والتقاليد التي ورثها الإسبان عن العرب، على أن أبرز تلامذة “,”كيانكوس“,” هو “,”فرانسيسكو كودييرا“,” وكان يعتبر نفسه موريسكيّ الأصل. هذا المستعرب يرجع له الفضل في نشر أولى المخطوطات المتعلقة بالتراث الإسلامي في الأندلس، وقد قام بذلك بمساعدة تلميذه “,”خوليان ربيرا“,” الذي سيصبح -شأن أستاذه- من كبار المستعربين الإسبان. والحقيقة أن “,”كوديرا“,” هذا زهد في اللغة العربية بشكل لم يسبق له مثيل، فبحكم أن عمال المطابع الذين يمكنهم طبع النصوص العربية لم يكونوا موجودين، وبحكم تواضع إمكانياته المادية، فقد كان يقوم شخصيًّا بنسخ حروف النصوص. وقد نشر مع تلامذته عشر مخطوطات أندلسية نادرة في سلسلة حملت اسم “,”المكتبة العربية الإسلامية“,” وكان ينوي إيصالها إلى مئة، والحقيقة أن كتاباته وتعليقاته تنصف بشكل عام الحضارة الأندلسية خصوصًا المرابطين الذين خصص لهم كتابًا يزيل فيه عنهم بعض الحيف الذي لحقهم من كتابات مؤرخين إسبان سابقين.
س- هذا عن الاستعراب الإسباني في القرن التاسع عشر، فماذا عن هذا الاستعراب في القرن العشرين؟
ج- رائدا الاستعراب الإسباني خلال القرن العشرين هما دون منازع “,”خوليان ربيرا“,”، الذي اعتبرت أبحاثه ثورية في بداية ذلك القرن، وقد اهتم في مجال الأندلسيات، بالموشحات والأزجال، و“,”أسين بلاثيوس“,” الذي اهتم بالفلسفة والتصوف وألف كتبًا في غاية الأهمية عن ابن مسرة وابن عربي وابن العريف وغيرهم من أقطاب التصوف الأندلسي، كما نشر شأن “,”ربيرا“,” بعض المخطوطات الأندلسية النادرة. وبعد هذين الباحثين الكبيرين، نجد أن أهم مستعرب إسباني هو تلميذهما “,”إيميليو غارسيا غوميث“,” والذي كان لي، وبقية أفراد بعثتي، شرف التتلمذ على يده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.