لا يبعد كثيرا ميدان التحرير عن ميدان العباسية إلا بضعة كيلو مترات قليلة,وحينما زحفنا من ميدان التحرير نحو قصر العروبة ليلة التنحى سيرا على الأقدام مررنا بميدان العباسية,هذا الميدان الذى حمل تاريخا مع الانجليز وأشلائتهم التى كانت تقبع فى هذا المكان.كما انطلقت ثورة يوليو أيضا من هذا الميدان الذى كان منطقة عمليات الجيش وقتها.ومع تقارب ميدان التحرير من ميدان العباسية,إلا أن المتظاهرين فى كل ميدان اختلفوا اختلافا شديدا. ذهبت يوم الجمعة إلى ميدان التحرير لأشارك فى جمعة تأبين ورد اعتبار شهداء محمد محمود,وبعدها ذهبت إلى ميدان العباسية حتى استخلص رأيا بشان ما يحدث فى ميادين مصر من اختلاف وشقاق. لا أخفيكم سرا أنى كنت متضررا مما اسمعه من بعض الأصوات الزاعقة الناعقة فى ميدان التحرير,وكنت أرى فى بعض الدعوات الغير رشيدة,أنها بداية فوضى عارمة تعم البلاد وتوشك أن تقضى على الأخضر واليابس. فهذا فصيل يختلف مع أخر,وذاك الأخ يتربص بأخيه,وأبناء التيار الواحد سواء كان إسلاميا أو ليبراليا يختلفون ويتقاتلون,ولا يوجد ما يجمع الناس إلا حب الظهور والأنانية. تحدثت كثيرا مع المعتصمين وغيرهم من الزائرين والمتنزهين,وشاهدت المصابين وأهالي الشهداء,واستمعت إلى أراء كثيرة مختلفة ومتباينة. رأيت العقلاء الواقعيين ورأيت المنفعلين الهائجين,ورأيت الحزانى المكلومين الذين لا يستطيعون نسيان ما شاهدوه من قتلى ومصابين فقدوا أعينهم. وكان يقطع الحوارات أحيانا بعض من المعارك بين الباعة الجائلين الذين أساءوا للميدان إساءة بالغة. لكن ما اتفق عليه المعتصمون أنهم يمارسون ضغطا على المجلس العسكرى من اجل تسليم السلطة بأسرع وقت ممكن, كما قالوا انه لولا الضغط ما كانت الانتخابات أمُنت وما كانت وزارة شرف المرتعشة حُلت وما كان موعد تسليم السلطة تم تحديده. ولم تخلوا الحوارات من الطعن فى القوى السياسية المزعومة التى لا تنظر إلا لمصلحتها المجردة والشو الاعلامى الذى سئم منه المصريون خارج الميدان وداخله. لا شك أن المعتصمين الذين لا يبحثون عن مجد ولا شهره صادقين ومخلصين فيما يفعلوه الآن.لكن يظل الميدان يحوى أصحاب المصالح الخاصة والأيدلوجيات المختلفة التى لا تهتم إلا بمصلحتها فقط مرتدين رداء البطولة والشجاعة .انطلقت بعدها إلى ميدان العباسية لأرى خلقة غير التى كانت فى ميدان التحرير, فشتان بين هؤلاء وهؤلاء.وجدت فى العباسية أفاقين مبارك من جماعة أحنا آسفين يا ريس,وأبناء مبارك,وشممت رائحة ضباط الداخلية تفوح فى جو الميدان فضلا عن أمناء الشرطة والضباط النظاميين الذين عبروا عن سعادتهم بهؤلاء الذين أتوا ليقولوا" الشعب والشرطة يد واحدة"وما زالت أياديهم ملوثة بدماء شهدائنا. لا شك أن البعض من المصريين الشرفاء الذين استفزوا من تصريحات بعض قوى الشو الإعلامى فى التحرير شاركوا فى العباسية,ولا شك أن البعض ممن فقدوا أرزاقهم بسبب الوضع الاقتصادي المتردى التى آلت إليه البلاد قد شاركوا أيضا. لكن هؤلاء قلة قليلة تاهوا وذابوا بين عصابات منظمة استفادت من النظام البائد استفادة مطلقة,وقد وجدوا غاياتهم فى تايد المجلس العسكرى هربا من عار تأييد مبارك الذى يلاحقهم ليل نهار. ومع ذلك كان أولى بشرفاء العباسية أن يقولوا للمجلس العسكرى اتقوا الله فى حرمة دماء المصريين بدلا من تأييد يقوده لاعق الأحذية توفيق عكاشة الذى تعود على تقبيل أيادى السلطة فى كل العهود. سوف تبقى ثورتنا مستمرة إن شاء الله حتى نطهر البلاد من الخونة والعملاء والمرتزقة,لتبقى مصر مرفوعة الرأس عالية المكانة. [email protected]