في بيان تجاوزت أوراقه 111 صفحة طرح السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان أمام الجمعية العامة في الأسبوع الماضي الخطة والتصورات التي خرجت بها اللجنة الخاصة التي تشكلت في العام الماضي لبحث تطوير ميثاق الأممالمتحدة وأجهزتها وآلياتها. وكانت هذه اللجنة قد تشكلت بناءً علي توصية من الجمعية العامة لبحث تلك القضية خاصة فيما يتعلق بالآليات التنفيذية وعلي رأسها مجلس الأمن باعتباره يمثل في واقع الأمر مجلس إدارة العالم، ولديه سلطات واسعة في إصدار القرارات الملزمة والتصدي للمشكلات الدولية بشكل عملي. والتقرير الذي طرحه عنان من المفترض أن يطرح علي الجمعية العامة لإقراره في دورتها الجديدة التي تبدأ في سبتمبر ،2005 كما أنه يفتح الباب واسعاً أمام مناقشة دولية وإقليمية واسعة لما حواه التقرير، والذي يعتبر أوسع محاولة منذ إنشاء الأممالمتحدة منذ ستين عاماً لإجراء تغييرات علي المنظمة الدولية تواكب التطورات الكثيرة التي جرت علي الساحتين العالمية والإقليمية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وغيرت الكثير من أوراق الماضي ووقائعه ومقولاته. وهذه التطورات لا تقف فقط عند حدود الزيادة الكمية الكبيرة لعدد الدول في المنظمة الدولية والذي قفز من 51 دولة وقعت الميثاق سنة 1945 إلي 191 دولة، بل تصل إلي حد التغير الكيفي الذي جري وانفراط عقد الثنائية القطبية التي كانت تعبيراً عن الحقائق التي أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشية والنازية وبروز معسكرين أساسيين هما المعسكر الغربي تقوده الولاياتالمتحدة والمعسكر الشرقي الذي تزعمه الاتحاد السوفيتي. ولعل الإسراع في تقديم هذه التعديلات جاء في أعقاب التغيرات الدرامية التي جرت علي المسرح الدولي وانفراد الولاياتالمتحدة بالتربع علي سقف العالم عسكرياً واقتصادياً والإحساس بضرورة تأكيد دور الأممالمتحدة كمنظمة دولية فاعلة في مواجهة محاولات التفرد الأمريكي باتخاذ القرارات المصيرية العالمية خاصة بعد الحرب علي العراق والتي كانت خروجاً سافراً علي قرارات الأممالمتحدة وضرباً بعرض الحائط للاتجاه السائد في المنظمة الدولية ومحاولة تهميشها. ينقسم مشروع الإصلاح المطروح إلي مجالين أولهما: هو تعديل بعض القواعد والأسس المرتبطة بأجهزة اتخاذ القرار خاصة مجلس الأمن الذي يعتبر المسئول الأول لمواجهة الأزمات التي تهدد السلم والاستقرار العالمي، وقراراته وليست قرارات الجمعية العمومية هي الملزمة تنفيذياً وفقاً للميثاق، وبالتالي فان عضوية مجلس الأمن تمثل جانباً كبيراً من المشروع الإصلاحي الجديد. ويقدم المشروع تصورين في هذا الصدد، التصور الأول وهو زيادة العضوية في مجلس الأمن من 15 عضواً إلي 24 عضواً أي إضافة تسعة أعضاء جدد، علي أن يكون من بينهم 6 أعضاء جدد يتمتعون بالعضوية الدائمة للمجلس إضافة إلي الخمسة الموجودين به بالفعل، بحيث يمثل الأعضاء الدائمون الجدد ثقلاً إقليمياً وعالمياً وهنا تتردد دول مثل اليابان والهند وألمانيا والبرازيل ومصر وجنوب افريقيا ونيجيريا. أما التصور الثاني: فهو إضافة ثماني دول شبه دائمة تجدد عضويتها كل أربع سنوات مع إضافة عضو آخر إلي العشرة الذين تجدد عضويتهم كل عامين، أما بالنسبة لحق الفيتو فلم يحسم التقرير الأمر وإن كان الاتجاه يشير إلي الإبقاء علي حق الفيتو وقصره علي الخمسة الكبار الموجودين حالياً وهم أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وإنجلترا. أما المجال الثاني الذي يتناوله مشروع الإصلاح الجديد فيتضمن تنظيمات وتحديدات مثل تعريف الإرهاب العالمي وتشكيل آلية دولية لمواجهته، كذلك بعض الاقتراحات المتعلقة بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتشكيل فرق خاصة لبناء الاستقرار في المجتمعات التي عانت من الحروب والصراعات إضافة إلي تحديد لجنة حقوق الإنسان وتنشيطها بحيث يكون انتخاب أعضائها بأغلبية الثلثين ثم هناك الاقتراح الخاص بإلزام الدول الغنية في الشمال بدفع 7.0% من دخلها العام لتقديم المساعدات والمعونات للدول الفقيرة النامية. وكانت أربع دول لها ثقلها السياسي والاقتصادي قد أصدرت بياناً مشتركاً مع بداية الدورة الحالية (سبتمبر 2004) تطالب بعضوية دائمة في مجلس الأمن وهي الهند واليابان وألمانيا والبرازيل، وأكد البيان المشترك الذي وقع عليه رؤساء هذه الدول أنه قد آن الأوان لأن يعكس تشكيل مجلس الأمن المجتمع الدولي في القرن الواحد والعشرين ومراكز الثقل الحقيقية فيه، كما أن مؤتمر الاتحاد الإفريقي الأخير طالب بأن يكون لإفريقيا مقعدان دائمان في مجلس الأمن، بينما اتخذت القمة العربية الأخيرة في الجزائر قراراً بترشيح مصر للحصول علي العضوية الدائمة ممثلة للتجمع الإقليمي العربي، وهكذا يبرز اسم مصر في الدول المرشحة بصفتها التمثيلية المزدوجة وثقلها الجغرافي والتاريخي كدولة إفريقية وكدولة عربية.