تثار بين الحين والآخر قضية خصخصة البنوك وبين مؤيد ومعارض من رجال البنوك والاقتصاد وتظل هذه القضية محل جدل وترقب من جميع الاوساط المصرفية بل والسياسية ايضا وذلك نظرا لان قطاع البنوك يختلف تماما عن اي قطاع آخر تناولته عمليات الخصخصة فخصخصة مصنع لانتاج الحلويات علي سبيل المثال يختلف اختلافا جوهريا وجذريا عن خصخصة بنك ولعل هذه الاختلافات الجوهرية بين الحالتين ترجع الي طبيعة عمل البنك الذي يعمل باموال المودعين (بنسبة 85% من اجمالي استثماراته وتوظيفاته وذلك علي فرض استيفاء هذا البنك لمعدل كفاية رأس المال طبقا للتعديلات الاخيرة لمقررات لجنة بازل للرقابة والاشراف علي البنوك) اما مصنع الحلويات فلا يعمل باموال المودعين لذلك فان خصخصة بنك ما تعني في جوهرها وضع اموال المودعين في هذا البنك تحت تصرف المستثمر "او المستثمرين" الرئيسي الذي سيكون له حق ادارة البنك واتخاذ القرارات الائتمانية والاستثمارية ولا يستطيع احد ان يتنبأ الآن لصالح من سوف تتخذ هذه القرارات الائتمانية والاستثمارية هل ستكون في صالح حماية اموال المودعين ام في صالح من يتخذونها؟ لذلك تكتسب قضية خصخصة البنوك حساسية كبيرة للغاية ولا تعد مجرد قرار فني تصدره السلطات النقدية او الاقتصادية بل تتطلب عملية خصخصة البنوك قرارا سياسيا مدروسا بعناية ومدعما بدراسة امنية ايضا لان البنك ما هو الا جانب من الاصول المالية للمجتمع ككل وليس لحملة الاسهم فقط. وبنظرة سريعة وفاحصة علي هيكل وحجم الجهاز المصرفي في مصر نجد ان بنوك القطاع العام التجارية الاربعة (بنك مصر، البنك الاهلي، بنك الاسكندرية، بنك القاهرة) لا تزال درة القطاع المصرفي المصري وذلك بالرغم من تواجد البنوك الاستثمارية والمشتركة وفروع البنوك الاجنبية في مصر منذ انتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي في عام 1974 وتشير الارقام من واقع الاحصاءات المنشورة الي ان بنوك القطاع العام التجارية الاربعة مازالت تستحوذ علي ثلثي حجم السوق المصرفية في مصر برغم وجود هذا الكم الكبير من البنوك الاستثمارية والمشتركة وفروع البنوك الاجنبية ويرجع هذا الاستحواذ الكبير لبنوك القطاع العام التجارية الاربعة لثقة الجماهير فيها فلماذا اذن التفكير بالتضحية بهذا الأستحواذ الكبير -برغم المنافسة- لبنوك القطاع العام التجارية الاربعة وطرحها للخصخصة؟ ومن جهة اخري توجد بنوك القطاع العام المتخصصة (بنك التنمية الصناعية، البنك العقاري، المصري العربي، بنك التنمية والائتمان الزراعي) وكل منها يعمل علي تنمية قطاع اقتصادي معين يستمد اسمه من هذا القطاع وحتي الآن لا توجد بنوك استثمارية او مشتركة او فروع لبنوك اجنبية تنافس هذه البنوك المتخصصة ولن تكون ويرجع السبب وراء ذلك الي ان طبيعة عمل البنوك المتخصصة علي درجة عالية جدا من المخاطر الائتمانية لان البنك المتخصص معظم عملياته ينحصر في قطاع اقتصادي واحد وتكون معظم توظيفاته داخل هذا القطاع الاقتصادي الواحد لآجال طويلة في معظمها لذلك تتصف طبيعة عمل البنك المتخصص بانها مرتفعة ومزودجة المخاطر الناشئة عن مخاطر التركز وطول الآجل حيث تهدف البنوك المتخصصة الي تنفيذ سياسات تنموية داخل القطاع الذي تخدمه بدرجة اكبر من سعيها لتعظيم الارباح وينعكس ذلك علي حساباتها الختامية التي تعكس معدلات ربحية اقل من البنوك التجارية والسبب وراء ذلك يكمن في البعد التنموي الذي تتصف به عملياتها لذلك من الطبيعي والضروري ان تظل مملوكة للمجتمع ككل ممثلا في ملكية الدولة لها حيث لن يحرص اي مستثمر لتعظيم الربح عندما يكون مالكا لأي بنك منها علي ان يمول بنكه عمليات ذات ابعاد تنموية مرتفعة المخاطر تهدد تعظيم ارباحه حتي لو كان هذا التهديد يتمثل في بضعة آلاف من الجنيهات. ومن زاوية اخري كان للبنوك الاستثمارية والمشتركة نصيب الاسد في عميات الفساد التي نشرت في الجرائد وحكم فيها او مازالت منظورةامام القضاء ولعل اشهرها القضية المعروفة باسم نواب القروض والتي تعد اشهر واكبر قضية فساد مصرفي ومالي ايضا في تاريخ مصر المعاصر من حيث الوقائع وحجم الأموال موضوع القضية حيث كانت بعض البنوك الاستثمارية تدار وكأنها منشآت فردية مملوكة للسادة رؤساء مجالس ادارتها ولكن هذا لا يعني ان بنوك القطاع العام بريئة تماما من حالات الفساد ولكنه بمعيار النسبة والتناسب بينها وبين البنوك الاستثمارية والمشتركة ليس بنفس الحدة او الحجم المكتشف في الاخيرة.