أحمد الألفي* تثار بين الحين والآخر علي صفحات الجرائد تكهنات وتصريحات تتناول البنوك المتخصصة وقرب دمج بعضها او كلها في بنوك عامة كبيرة وذلك في اطار سياسة ايجاد كيانات مصرفية كبيرة وقوية واذا صحت مثل هذه التصريحات والتكهنات فان هذا يعني اختفاء البنوك المتخصصة من علي الخريطة المصرفية في غضون السنوات القليلة القادمة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الاقتصاد المصري في حاجة الي البنوك المتخصصة أم أنها أصبحت عبئا علي الاقتصاد ويتعين التخلص منها؟ وتكمن الاجابة علي هذا السؤال في ان المتتبع للتطورات المصرفية العالمية يجد ان العالم الاول قد تخلي عن البنوك المتخصصة وذلك لعدة اسباب اهمها الوصول للتقدم الاقتصادي من جهة ومن جهة اخري وجود مؤسسات غير حكومية NGO اخري تقوم بدور فعال وحيوي في تمويل وتنمية الصناعات الصغيرة SMES والصناعات المتناهية الصغر Microfinanle ومثل هذه المؤسسات تقدم التمويل من موارد رخيصة ومستقرة ومعظمها لا يهدف الي تحقيق او تعظيم الربح مقارنة بالمؤسسات المالية بما فيها البنوك المتخصصة والتي تهدف الي تعظيم الربح وتكون معظم مصادر الاموال المتاحة للاقراض لديها متمثلة في ودائع العملاء لذلك تكون تكلفة تمويل الصناعات الصغيرة ارخص كثيرا في المؤسسات غير الحكومية NGOS فضلا عن استقرار مصادر الاموال لديها مقارنة بالمؤسسات المالية مما يرفع من كفاءتها في اقراض المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغير. ومن زاوية أخري فان بساطة الهياكل الادارية للمؤسسات غير الحكومية NGOS مقارنة بكبر الهياكل الادارية للمؤسسات المالية يؤدي الي سرعة الاداء واتخاذ القرار وتلك ميزة اضافية تزيد من معدلات الانتاجية ومن سرعة دوران الاموال في قطاع الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر لذلك تخلي العالم الأول عن البنوك المتخصصة لوجود البدائل الاكثر فاعلية والاكفأ اداءً. أما في الدول النامية ومن بينها مصر فان الامر يختلف كثيرا لان المنظمات غير الحكومية مازالت قليلة وحديثة التأسيس لذلك لا يمكن ان تقوم بمفردها بمسئولية تمويل قطاع الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر وتحيل البنوك المتخصصة الي التقاعد ونشير الي نجاح جمعيات رجال الاعمال في المحافظات المختلفة في تقديم التمويل لكل من الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر ولكن لا يمكن ان تقوم بمفردها بهذا الدور علي مستوي الاقتصاد القومي لعدم كفاية مواردها المالية. منافسة غير عادلة وقد عانت البنوك المتخصصة في مصر كثيرا منذ عام 1991 عندما تخلي البنك المركزي عن سياسة التمييز القطاعي في اسعار الفائدة حيث كانت القطاعات الانتاجية وفي مقدمتها القطاع الصناعي تتمتع باسعار الفائدة الأقل (11%) بينما كانت قطاعات التجارة والتوزيع والقطاعات الخدمية تمنح القروض اسعار عائد مرتفعة (17%- 15%) واسفرت سياسة تحرير اسعار الفائدة عن عدم قدرة البنوك المتخصصة علي منافسة البنوك التجارية سواء في جذب الودائع او في منح القروض. واصبحت البنوك المتخصصة في منافسة غير متكافئة مع البنوك التجارية وأسفرت هذه المنافسة غير المتكافئة عن ارتفاع تكلفة الأموال في البنوك المتخصصة مقارنة بالبنوك التجارية مما أدي إلي ارتفاع أسعار الفائدة علي القروض التي تمنحها البنوك المتخصصة بالمقارنة بالبنوك التجارية وبذلك تم افراغ البنوك المتخصصة من مضمونها وسحبت البنوك التجارية البساط من البنوك المتخصصة تدريجيا حتي أصبح يطالب البعض بدمجها في البنوك التجارية الكبيرة. الدمج.. ليس الحل ولكن دمج البنوك المتخصصة في البنوك التجارية الكبيرة لن يكون كفيلا بقيام البنوك التجارية بوظيفة البنوك المتخصصة بحجم أكبر وبكفاءة أكبر وذلك لعدة اعتبارات فنية بحتة أهمها. 1- إن البنوك التجارية ما هي إلا مؤسسات مالية متخصصة في منح الائتمان قصير الأجل ومرجع هذا التخصص ناشئ من تركز مصادر الأموال في البنوك التجارية في ودائع العملاء وهي مصدر قصير الأجل وتطبيقا لمعيار الملاءمة بين الموارد والاستخدامات المالية فإن تركز استخدامات الأموال في البنوك التجارية في استخدامات قصيرة الأجل تحكمه مرجعية فنية بحتة ومانعة لتقديم التمويل التنموي. 2- يتطلب النشاط التمويلي للبنوك المتخصصة باعتبارها بنوك تنمية تهدف إلي تنفيذ سياسات تنموية معينة داخل قطاعات اقتصادية محددة توفر مصادر تمويل متوسطة وطويلة الأجل ومستقرة ورخيصة لاحداث تغيير حقيقي في محتوي الهيكل الاقتصادي، ومثل هذه المصادر لا يمكن أن تأتي من ودائع العملاء وذلك اعمالا لمعيار الملاءمة بين الموارد والاستخدامات المالية علي النحو السالف ذكره. طارق جوهري 3- يختلف الغرض من إنشاء البنوك التجارية عن الغرض من إنشاء البنوك المتخصصة اختلافا جوهريا فالبنك التجاري مؤسسة مالية تهدف إلي تعظيم الربح وتتركز أوجه توظيف الأموال فيها في التوظيفات قصيرة الأجل وفي جميع القطاعات الاقتصادية بينما يعد الب