هناك الكثير من الدلائل التي تؤكد وجود موجة جديدة من الانتعاش للأحزاب اليمينية المحافظة والمتطرفة في أوروبا وفي عدد آخر من بلدان العالم، وتنطلق من أصول وجذور عرقية أو دينية أو الاثنين معاً. ففي بلجيكا حقق الحزب اليميني المتطرف (الفليمنج) انتصاراً كبيراً بالحصول علي أكثر من 25% من الأصوات وهو الحزب الذي يرفع شعار العداء للأجنبي (العربي والمسلم) تحت دعوي الحفاظ علي التراث الأوروبي والمسيحي في مواجهة الهجرة القادمة من الجنوب خاصة من جنوب وشرق المتوسط، وكان شعار حزب الفليمنج في الانتخابات صورة لكاتدرائية مسيحية قرطبة يهيمن عليها ويهددها مئذنة جامع عالية. وفي ألمانيا تضخمت وتوسعت حركة النازيين الجدد ودعاة الصليب المعكوف الذي أصبح يرفع علناً مع صور الفوهرر في مظاهرات حاشدة نظمها الحزب الوطني الديموقراطي خليفة الحزب النازي والذي استطاع دخول برلمانات بعض الولايات خاصة ولاية سكسونيا وحصل علي حوالي 8% من الأصوات. وفي النمسا مازال حزب الحرية باتجاهاته العنصرية المتطرفة يحوز علي 25% من أصوات الناخبين وليس ببعيد الضجة التي قامت في أوروبا منذ سنوات ضد زعيم الحزب السابق هايدر الذي اضطر إلي الخروج من الائتلاف الحاكم. وفي فرنسا يحصل حزب الجبهة الوطنية بشعاراته المعادية للعرب والأجانب في آخر انتخابات برلمانية علي حوالي 20% من الأصوات، وتنمو النعرات العرقية والقومية السوفيتية بتلك النسبة العالية في بلد يعتبر نفسه المرفأ التاريخي للأفكار الليبرالية والتقدمية. وفي روسيا نفسها، وبعد أكثر من سبعين عاماً من التجربة الاشتراكية تخرج عباءة الفاشية السوداء من تحت الأنقاض ويستقطب الحزب القومي الروسي حوالي 15% من الأصوات. وفي إيطاليا يقدم السنيورسلفيو برلسكوني رئيس الوزراء نموذجاً للقيادات التي تفرزها المرحلة، رجل الأعمال الذي يؤسس حزباً جديداً (إلي الأمام إيطاليا) وتحالف مع الحزب الفاشي الجديد ومع حزب عنصري انفصالي هو حزب رابطة الشمال. وحتي في إنجلترا، بتراثها الديموقراطي العتيق، تكشف الانتخابات المحلية التي أجريت عن وجود بعض الأحزاب العنصرية مثل الحزب الوطني بشعاراته الفاشية المعادية للأجانب وينجح في دخول بعض المجالس المحلية ولأول مرة منذ الستينيات، أما عن الصراعات العرقية والقومية في دول الجنوب فحدث ولا حرج.. من الصومال وأنجولا وحتي سريلانكا وأفغانستان. وتعود هذه الاتجاهات العنصرية لتغزو أوروبا والعالم وتظهر في شكل بثور كريهة علي الوجه العالمي المعاصر بعد أن كان الكثيرون يتصورون أن عصر الفاشية والنازية قد انتهي، وتذكرنا بالكوابيس الثقيلة لفترة الثلاثينيات من القرن الماضي والتي برزت وسادت فيها هذه الاتجاهات تحت رايات النازية الهتلرية والفاشية الإيطالية وعصابات الفلانج الاسبانية أيام الجنرال فرانكو وكتائب الاتحاد القومي القاتلة التي حكم بها الدكتاتور سالازار البرتغال علي مدي ربع قرن. ويرجع الكثيرون من المحللين بما فيهم الأمريكيون هذا البروز المقلق للاتجاهات اليمينية المحافظة والمتطرفة والمتخفية وشعارات قومية شوفينية عرقية أو دينية مذهبية أو الاثنين معاً إلي المناخ العام الذي وجدته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش وجماعته من الصقور اليمينية المتطرفة. إن إفكار السيطرة والهيمنة والتفوق التي ينادي بها مخططو ومنظرو اليمين المحافظ الأمريكي الجديد من أمثال صموئيل هنتنجتون وبيرل وولفوتيز وجنجريتش انعشت من جديد الاتجاهات اليمينية المحافظة بل وذات الطابع الإرهابي والأصولي في جميع انحاء العالم. وهناك دراسة أمريكية أخيرة قامت بها الباحثة الأمريكية كارلا بادر تشير إلي المتعلقات الدينية المشتركة التي تنطلق منها إدارة الرئيس جورج بوش وعمليات القاعدة برئاسة بن لادن فهما يمثلان وجهين لعملة واحدة هي عملة التطرف الديني والعرقي وأن جذور التطرف واحدة أياً كانت الشعارات المعلنة أو الرايات المرفوعة. ويعلق الكاتب الأمريكي الكبير جورج فيدال مؤلف كتاب الثورة الأمريكية الثانية بأنه من الواضح أن المعسكر اليميني المحافظ الذي يقوده جورج بوش يضم الأصوليين والعسكريين المرتبطين بالاحتكارات الكبري والذين يرفعون شعار أمريكا فوق الجميع ويتصورون أنهم مؤهلون لحماية القيم والتراث المسيحي من خلال دور رجل البوليس الدولي الذي يلعبونه. ولاشك أن انهيار النظام الاشتراكي بطابعه الشمولي في الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان شرق أوروبا قد ساعد إلي حد كبير علي بروز هذه الاتجاهات القومية والمتطرفة، ولقد كانت الاشتراكية السوفيتية رغم ما لحق بها في التطبيق وتحولها إلي نظام شمولي قاهر تقدم علي الأقل من الناحية النظرية وأيديولوجية متكاملة تتجاوز الجنس واللون والعرق والدين، لتركز علي قضايا التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.