أربع سنوات منذ قامت القوات الأمريكية بغزو العراق تحت دعوي محاربة الإرهاب والدمار الشامل. تري بعد كل هذه السنوات.. من الذي انتصر حقاً؟ أمريكا بالقطع لم تنتصر، بعد أن غرقت في حرب لا أول لها ولا آخر. حرب لها ألف رأس كالأفعي الأسطورية تضرب في كل مكان وتحصد الآلاف من البشر وتستنفذ الطاقات البشرية والمادية للجميع. والشعب العراقي لم ينتصر بعد أن غرق أو فرض عليه الغرق في موجات متلاحقة من القتل والدمار في الأسواق العامة والمساجد وساحات الانتظار، قتل علي الهوية وعلي العقيدة وعلي المذهب وضحايا يعدون بمئات الآلاف من العراقيين البسطاء والفقراء. وصدام وزبانيته لم ينتصروا بالطبع، فقد كانوا هم وقائدهم المفدي هم السبب الرئيسي لكل ما جري، وتمهيد الأرض والتربة بالحكم المستبد المطلق في التمهيد للاحتلال الأمريكي حين أفقد قطاعاً واسعاً من الشعب العراقي الاحساس بالانتماء إلي الوطن الذي تحول إلي ضيعة خاصة للقائد الضرورة ولعائلته ومريديه. والشعوب العربية لم تنتصر، فقد رأت نفسها محاصرة بين غزو أجنبي يستبيح الأرض والعرض، وبين نظم فردية مستسلمة، لا تضع في اعتبارها سوي الحفاظ علي أمنها وسلطتها واستمرارها في الحكم، ضاربة عرض الحائط بأمن المجتمع نفسه، وتدور هذه الشعوب في حلقة مفرغة من الصراعات والتساؤلات حول القهر القومي والقهر الاستعماري، وتنقسم إلي شرائح ومذاهب متقاتلة من سنة وشيعة وخوارج، ولا يهم الفقر والجوع والتحول، فقد تحول الصراع الاجتماعي والطبقي بقدرة وإرادة البعض إلي صراع ديني ومذهبي. من الذي انتصر إذن.. فهناك بالتأكيد منتصر ومهزوم في كل معركة، وقد عرفنا المهزومين فمن هم المنتصرون والمستفيدون من ذلك العدوان الأمريكي الفاشل القائم علي العراق منذ أربع سنوات. انها قوي الإرهاب والتطرف الديني والقومي، وحينما نتحدث عن التطرف والأصولية الدينية، فنحن لا نعني فقط تنظيم القاعدة وقيادته من بن لادن والظواهري والزرقاوي وما يستجد، ولا حتي طالبان فقط والملا عمر وغيرهم من شيوخ القبائل المتطرفة في باكستان وفي الجزيرة العربية، ولكننا نعني أيضا التطرف علي الجانب الآخر من النهر، التطرف الديني المسيحي واليهودي والذي يجمع بين بن لادن وبين بوش وبين إليعازر وبين أولمرت. وحينما نتحدث عن التطرف القومي، فنحن لا نتحدث فقط عن التيارات القومية المتطرفة من بعثيين وغيرهم، بل نتحدث أيضا عن ذلك الاتجاه المتزايد للتعصب القومي في أمريكا وأوروبا وتلك المشاعر المتنامية ضد الأجانب في هذه المجتمعات خاصة الوافدين منهم من دول الشرق والجنوب الإسلامي. فهناك حزب الجبهة القومية في فرنسا الذي يتزعمه لوبان ويطالب بطرد الأجانب خاصة العرب من الأراضي الفرنسية، وتنقية الثقافة الفرنسية من الشوائب التي علقت بها مؤخرا، وهناك الأحزاب القومية المتطرفة المعادية للأجانب وللعرب المسلمين بشكل خاص والتي يتزايد نفوذها في بلجيكا والنمسا وإيطاليا وبعض دول شرق أوروبا. ثم هناك إضافة إلي ذلك تلك الأحزاب اليمينية المحافظة في أوروبا وأمريكا والتي كان يطلق عليها يمين الوسط تنتقل هي الأخري تدريجيا في برامجها إلي صيغة رفض الآخر ومحاصرة الهجرة الوافدة من الجنوب، ولعل برنامج المرشح اليميني للرئاسة في فرنسا يقدم نموذجا مجسدا لذلك حين وضع علي رأس أولوياته هجرة الأجانب وطرد المتسللين إلي الأراضي الفرنسية والحفاظ علي الهوية الثقافية الفرنسية. كذلك فإن استطلاعات الرأي العام سواء تلك التي تجري من تجمعات أوروبية وأمريكية أو تلك التي تجري في دول الشرق الإسلامي تؤكد كلها ارتفاع مؤشرات الاتجاهات الدينية المتطرفة والاتجاهات القومية العنصرية بين الشمال والجنوب لتصل في بعض الأحيان إلي نسب مخيفة حوالي 70%. لقد تأكد بما لا يدع مجالا لأي شك أن سياسة الحروب والعدوان التي تتبعها الإدارة الأمريكية ليست ولا يمكن أن تكون الوسيلة لضرب الإرهاب ومحاصرته، بل علي العكس، فالعنف يولد العنف، وقد رأينا كيف تحولت العراق وأفغانستان وأجزاء من باكستان وإلي حد كبير الصومال إلي مرتع خصب لقوي الإرهاب والعنف الأصولي. وفي دراسة حديثة قامت بها باحثة أمريكية كارلاباور أكدت أن المتطرفين الدينيين من الجانبين المسيحي واليهودي والإسلامي يشتركون في كثير من السمات، فهم معادون للفكر الليبرالي والحريات الأساسية للأفراد والمجتمعات والنظرة العلمية وفصل الدين عن الدولة إلي درجة أن أحد المراكز الإسلامية المتطرفة في لندن، نظم اجتماعا مشتركا مع المتطرفين اليهود والمسيحيين وأصدروا بيانا قالوا فيه إن ما يجمعهم أكبر بكثير مما يفرقهم وأن عليهم أن يوحدوا صفوفهم ويدعموا جبهة الإيمان ضد ما أسموه بمحور الكفر. والمتطرفون عرقيا ودينيا يساندون الطلقات ضد كل أدبيات الحريات والمناقشات الحرة المفتوحة ويتصورون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة كما أنهم علي اختلاف اديانهم وأعراقهم يتوجسون الخطر من الحداثة ومن القيم والحقائق الجديدة التي تعبر عنها الثورة العلمية والتكنولوجية. وكلهم يلتقون في النظرة الدونية للمرأة، وتصل الدراسة إلي القول إن كلا من بن بوش وبن لادن يمثلان وجهين لعملة واحدة رديئة هي عملة التطرف الديني والعرقي، ويعتبرون الصراع الاجتماعي رجساً من عمل الشيطان ويقفون صفا واحدا ضد القيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية وتحت دعاوي دينية كثيرة. إننا في الواقع أمام فولة انقسمت إلي نصفين، نصفها يرتدي مسوح التطرف الإسلامي، ونصفها يدعي رفع لواء القيم المسيحية اليهودية، وكلاهما أبعد ما يكون عن روح الأديان السمحة ومبادئها، وكلاهما قابض علي سيف الانتقام والكراهية والحقد وحب السيطرة. وليرحمنا الله من تطرف الرئيس الأمريكي الطالباني المؤمن جورج بوش وشعاراته في محاربة محور الشر الذي يحصره في الاتجاهات الإسلامية والاتجاهات المعادية للمصالح الأمريكية. وليرحمنا الله أيضا من تطرف أسامة بن لادن والظواهري وأنصارهما وقاعدتهما وأعوانهما العلنيين والمستترين، فكلاهما يستمد لغته من قاموس واحد، قاموس معاد لقيم الحياة الجميلة وللحرية ولإنسانية الإنسان. وبعد سنوات أربع من ممارسة سياسة العدوان وفرض سياسة الهيمنة والسيطرة، يسقط دور رجل البوليس الدولي الذي حاول أن يلعبه الرئيس المحافظ المؤمن جورج بوش، ويسقط معه التيار الأصولي في الحزب الجمهوري الذي يرأسه. وليرحم الله العالم كله ويحفظه من توليفة الفصائل والقيم الأصولية التي يرفعها جورج بوش وأسامة بن لادن.