بمزيج من أحاسيس اليأس والبؤس والقنوط.. وبدلاً من الصورة الملونة الناطقة بالتعبير.. نشرت مجلة تايم الأمريكية علي غلافها عشية انتخابات الرئاسة الأمريكية أول نوفمبر الماضي كلمات ذات أنين.. تقرأ: "إن افترضنا أن الانتخابات سوف تجئ بفائز واضح بلا مشكلات.. سوف يستيقظ العالم علي رئيس يعود إلي مكتبه بالبيت الأبيض، أو رئيس منتخب جديد.. وأياً كان المنتصر، فإنه سيتسلم أمة منشطرة ومقسمة: حول مكانتها في العالم.. وقيمها الأساسية.. واتجاهها إلي المستقبل.. وسوف تستمر الحرب الهمجية uncivilwar التي جاءت بها ضغائن الحملات الانتخابية!". ثم تتساءل الكلمات المصفوفة علي صفحة الغلاف السوداء: "هل سيصبح من الممكن رأب الصدع، وإعادة توحيد الولايات المتحدة؟! هل سنستعيد الثقة بقيادات الوطن، وببقية دول العالم؟!".. وتجيب بمنتهي البلاغة: "إن مخاطر الرهان أكبر من قدرتنا علي التخيل وتجسيد الظنون"!! لكن مجلة تايم العالمية فاجأت قارئها، الاثنين الماضي، أي بعد 55 يوماً فقط، بعدد السنة الجديدة التقليدي، ووجه الرئيس الأمريكي ملء الغلاف، تحت عنوان: شخصية العام. الرئيس جورج بوش. الثائر الأمريكي "American.. evolutionary"! ويملأ "الثأئر الأمريكي" بسيرته وصورته 39 صفحة كاملة: حوارات مطولة معه، ومع أبويه جورج وباربرا.. ومع كارل روف، رئيس حملته الانتخابية وصاحب الاستراتيجية البارعة التي أعادت الرئيس إلي مكتبه البيضاوي.. وشقيقه الأصغر جون إليس، الشهير اختصاراً باسم جيب بوش، تاجر العقارات الذي أصبح حاكماً لولاية فلوريدا فترتين، ويعدونه من الآن كمرشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري في انتخابات 2008.. تسابقه خبرته في التلاعب بفرز أصوات الناخبين! والبادي أن مجلة تايم باعت صفحاتها للرئيس الأمريكي كإعلان تحريري مدفوع الثمن.. جيمس كيلي، رئيس التحرير التنفيذي، يصدر العدد بكلمة فيها يقول: "جورج دبليو بوش ظهر علي غلاف المجلة، لأول مرة، صيف سنة ،1999 تحت عنوان الرئيس بوش؟.. لكن علامة الاستفهام المصاحبة للعنوان اختفت في ديسمبر ،2000 بعد أسابيع من المشاحنة والخصومة حول فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، وأصبح جورج الرئيس رقم 43 للولايات المتحدة! علي أن هذا النصر أورث الكثيرين من الأمريكيين إحساساً بالملق والمداهنة incensed مما جعلنا نرشحه علي الغلاف كشخصية العام مرة أخري سنة 2005"! .. أياً كان الأمر، لن أحرمك من استعراض أفكار المادة التحريرية الذكية علي صفحات مجلة تايم ال 39.. فقط، لضيق المقام، سوف أقطف لك من كل سنبلة.. حبة..! من لا يطالب بالتغيير؟! آخر قياس للرأي أجرته مجلة تايم الأسبوع الماضي، جاءت نسبة الموافقة الشعبية علي أداء الرئيس بوش 49% فقط، جالوب نسبتها 53%.. وهما أدني نسبة لرئيس منتخب لفترة ثانية، في شهر ديسمبر، علي مدي تاريخ مؤسسة جالوب! والمسألة لا مفاجأة فيها، فالرئيس بوش يعترف لمحاوريه بأنه يقيس مدي نجاحه بعدد الأعداء الذين يصنعهم بيديه وبقرارته! يعترف كذلك بأنه لا يتوقع أن يكتب عنه المؤرخون كلمات جميلة، علي المدي القصير، لأنهم لن يعاصروا تحقيق ثمار أعماله "Fruition"!.. الديموقراطية في العراق وأفغانستان يقول لن تظهر نجاحاتها في الأفق القريب.. والأمن الذي تنعم به أمريكا سوف يغيب عنه ترويع 11 سبتمبر لآماد بعيدة.. ولك أن تصدق، أو لا تصدق! وبوش لا يعترف بأخطائه، وينعي عليه خلصاؤه من رموز الحزب الجمهوري أنه لا يجوز لمن يحمل لقب قائد العالم الحر أن يتشبث بأخطائه ولا يحيد عنها، لكنه يلزمهم الصمت ولا يعطيهم أذناً صاغية..! وهو ينافس ريجان في رؤاه الواسعة، وكلينتون في تكتيكاته البارعة "tactieo ingenuity" دون أن يملك شيئاً من سجايا الاثنين!.. ومع ذلك فانه يتمتع بأكبر أغلبية في الكونجرس ودوائر الحكم.. حازها رغم أنه يقود حرباً لا تحظي بقبول عام، وجماهير منقسمة حول كثير من القضايا.. وهو أول القضايا الخلافية..! في أوج فضيحة سجن أبو غريب العراقي، رفض بوش أن يتخلص من وزير دفاعه دونالد رمسفيلد.. ألح عليه أن يفعل، عدد كبير من مساعديه، لكنه قال لهم في اجتماع رفيع المستوي بالمكتب البيضاوي: "إنكم تضيعون وقتكم فيما لا طائل وراءه.. هذا هو التوقيت غير الصحيح لإجراء مثل هذا التحرك الخاطئ.. تقولون إن معظم الناخبين يطالبون بتغيير في الاتجاه.. دعوني أقل لكم: الناس لا يطلبون تغييراً، وإنما ينشدون: حسن القيادة"!