ظاهرة الديون المتعثرة ليست ظاهرة حديثة.. فهي قديمة سواء في مصر أو غيرها من الدول ولكن بحجم أقل من الحالي كما أنها تختلف من دولة لأخري وذلك حسب الظروف الاقتصادية لكل دولة من حيث حالة الكساد والرواج، فالديون المتعثرة لابد من تواجدها وهي ظاهرة ليست غريبة في عالم الائتمان المصرفي ولكن خطورتها تكمن في تضخمها وخروجها عن النسب الآمنة والمتعارف عليها بما لا يتجاوز نسبة من 5:7% كحد أقصي. هذه الحقائق أكد عليها كتاب صدر حديثاً من تأليف علي العوضي رئيس قطاع تسوية الديون المتعثرة ببنك قناة السويس والخبير المصرفي في الديون المتعثرة والائتمان المصرفي. الكتاب يحمل عنوان "الديون المتعثرة تسويتها وتجنبها".. ويتضمن 11 فصلاً ويرصد الكتاب خلاله عدة موضوعات علي رأسها ظاهرة الديون المتعثرة وأسباب زيادتها، وأهمية تسوية الديون المتعثرة، وظواهر وعلامات التعثر، ومراحل دراسة وتسوية الديون المتعثرة، ومرحلة التجهيز والاستعداد لدراسة التسوية، ومرحلة التشخيص لكشف أسباب تعثر الديون، وأساليب علاج الديون المتعثرة، وكذلك إجراءات وأساليب لتسوية الديون المتعثرة، وكيفية تفادي الديون المتعثرة.. كما تضمن الكتاب نماذج لحالات الديون المتعثرة والقرارات التي اتخذت فيها، كما يقدم الكتاب عدة توصيات توصل إليها الكاتب في محاولة لإيجاد حل للظاهرة. أخلاقيات العملاء في البداية أوضح الكاتب أن تعبير الديون المتعثرة وتسويتها من التعبيرات الحديثة نسبياً في الشارع المصرفي مشيراً إلي أن السبب في ذلك يرجع إلي أن الائتمان المصرفي لم يكن بالحجم والقيمة الذي هو عليه الآن إضافة إلي تغير أخلاقيات المتعاملين خاصة في الفترة ما بعد حرب 73 حيث كانت أرقام التسهيلات متواضعة وكانت بنوك القطاع العام مسيطرة حيث لم تكن المنافسة المصرفية قائمة إلي الدرجة التي تضحي من أجلها البنوك بأية مخاطر وكانت شركات القطاع العام مستحوذة علي الجانب الأكبر من هذه التسهيلات هذا بالإضافة إلي ضمان الحكومة لهذه التسهيلات وقد كانت البنوك في هذا الوقت في مصر مقصورة علي بنوك القطاع العام الأربعة: البنك الأهلي، وبنك مصر، وبنك القاهرة، وبنك الإسكندرية كبنوك تجارية بالإضافة إلي البنوك المتخصصة العقارية والصناعية والزراعية وهي البنك العقاري المصري، والعقاري العربي، والبنك الصناعي، والتسليف الزراعي حسب تسميتها في ذلك الوقت وهو ما يعني قلة عدد البنوك الأمر الذي يمكن جوازاً تسميته بسوق مصرفي احتكاري إلي حد ما في ذلك الوقت بينما اختلف الوضع الآن حيث لا وجود إلا للبنوك العملاقة. ثم كانت حرب 1973 والتي نتج عنها بعد ذلك الانفتاح الاقتصادي مما أدي إلي تهيئة المناخ الاقتصادي وتشجيع الاستثمار سواء المحلي أو الخارجي حيث صدرت قوانين الاستثمار وهيئة سوق المال وتنشيط البورصة... إلخ من عوامل تشجيع الاستثمار الأمر الذي كان له مردود واضح في ضرورة تشجيع وتنمية سوق المال لاستغلال هذه الطفرة الاقتصادية التي هي في حالة احتياج لمزيد من الوحدات المصرفية الجديدة وهكذا بدأت بنوك القطاع الخاص وفقاً لقانون الاستثمار كبنوك خاصة ومشتركة وقد تتبع ذلك سحب كثير من الخبرات المصرفية المتميزة من بنوك القطاع العام إلي التسرب لبنوك القطاع الخاص والتي قامت علي خبرات وكوادر بنوك القطاع العام، هذا وقد صاحب فترة الانفتاح إنشاء الكثير من المدن الجديدة التي بلغت الآن 22 مدينة وكذا الشركات والمصانع الجديدة التي تأسست بها والتي صاحبتها الحاجة إلي التمويل الاستثماري والائتماني من البنوك العامة والخاصة لمواجهة إنشاء هذه الشركات الجديدة والتوسع في القائم منها، هذا ومن الطبيعي أن تبدأ المنافسة بين الوحدات المصرفية القائمة، وقد أدي ذلك إلي عدم كفاية الخبرات اللازمة لتغطية احتياجات هذا الكم من البنوك التي تجاوزت الأربعين بنكاً دون زيادة كافية ومتوازية من الخبرات مع هذا التوسع الأمر الذي أدي إلي بعض الخلل والنقص في مجال الخبرات، وقد تسابقت البنوك في منح التسهيلات الائتمانية علي اختلاف أصنافها لتمويل هذا الانفتاح وهذا السيل من المشروعات الجديدة حيث يقدر حجم الائتمان النقدي بخلاف الالتزامات العرضية "الاعتمادات المستندية" وخطابات الضمان ما يتعدي إلي 270 مليار جنيه عام 2003 مقابل ما لا يتعدي الأربعين مليار جنيه عام 1980 ولما كانت الكوادر الائتمانية غير كافية لمواجهة هذه الزيادة الكبيرة فمما لاشك فيه أن ذلك كان علي حساب جودة التسهيلات الائتمانية الممنوحة.