بعد أيام تحل الذكري السنوية الثانية لمبادرة الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء السابق لحل مشاكل المتعثرين مع البنوك، ومنذ سبتمبر 2002 تاريخ اطلاقها وحتي الآن ظهر علي سطح ملف التعثر في مصر 3 مبادرات أخري كان أبرزها مع صدور قانون البنك المركزي والتيسيرات التي حملها للمتعثرين.. ثم مبادرة البنك الأهلي والجهاز المصرفي.. وأخيرا المبادرة التي أعلنها النائب العام في أواخر يونيو الماضي والتي وجه دعوة إلي رجال الأعمال المتعثرين في الخارج بالعودة وفق آليات محددة بعد وقف إجراءات التقاضي والملاحقة القانونية. ومع الذكري الثانية لمبادرة الحكومة نحاول استطلاع الموقف سواء من رجال البنوك أنفسهم.. خبراء القانون.. رجال الأعمال في مدي جدوي هذه المبادرة وغيرها في مواجهة ظاهرة مصرية اسمها "المتعثرون"! من جانبه يري فتحي ياسين العضو المنتدب لبنك التجاريون والقائم بأعمال رئيس البنك ان عمليات تسوية ديون المتعثرين بعد اطلاق المبادرات الثلاث تتم يوميا في البنوك ولكن لا يتم الإعلان عنها وفقا للشروط التي نصت عليها المبادرة، وتتم التسوية وفقاً لظروف كل حالة وبحث كل حالة علي حدة وفقا لما يراه البنك وما يوجد لدي العميل من امكانيات ويعد البنك تقريرا يوميا يعرض فيه الحالات التي تم دخولها وإدراجها في التسوية والحالات التي تقدمت بخطوات في السداد بحيث يتم رصد موقف كل حالة في التقرير ورفعه للسلطة المختصة. ويري ياسين ان العبرة ليست في اتاحة الفرصة للعميل وانما العبرة في امكانية الحصول علي الأموال من العميل وذلك عن طريق وسائل عديدة منها طول فترة السداد وإعادة الجدولة والفترة الزمنية وكذلك بخفض سعر الفوائد علي الدين أو التجاوز علي بعض المديونيات. وأكد ان المبادرات حققت ردود أفعال لدي العملاء والبنوك حيث استجاب بعض العملاء لها خوفا من المحاسبة بعد انتهاء اجل المبادرة خاصة ان البنوك بصفة عامة لا تتوقف عن اتخاذ الإجراءات القانونية لحفظ أموالها التي هي في الأصل أموال مودعيها. ويتفق مع الرأي السابق نبيل أحمد الحكيم المدير الاقليمي لبنك جمال تراست ويؤكد ان البنوك تتحاول بالفعل حاليا فتح ملفات العملاء المتعثرين مرة أخري وتصنيف حالتهم حسب موقف العميل وظروف تعثره ومدي جديته، ويتم بناء علي ذلك مساندة المتعثر الجاد بشتي الطرق سواء باسقاط الفوائد المستحقة علي الدين ومد فترة السداد إلي آخر الأسباب المتبعة في هذه الحالات. ويشير الحكيم إلي أن بعض البنوك فقدت مثل هذه التسويات وقطعت شوطا كبيرا مع عملائها وجاء علي رأس هذه البنوك "الأهلي المصري" الذي قدم المبادرة الأولي للتعامل مع العملاء المتعثرين في مصر. وعلي الجانب الآخر هناك معارضون لمثل هذه المبادرات في القطاع المصرفي ومن بينهم بيومي عليوة المدير العام للمصرف العربي الدولي الذي يري انه في الاساس لا يوجد شيء اسمه "مبادرة" يتم فرضها علي البنوك لحل مشاكل العملاء المتعثرين. ويقول لو أحضرنا جميع بنوك مصر وسألنها هل أفادت المبادرات المطروحة لحل مشاكل المتعثرين فستكون اجابتهم بفم واحد لا يوجد شيء اسمه مبادرة ويوضح عليوة ان الاساس هو معالجة الحالات المتعثرة أولا بأول وحسب كل حالة، وإذا كان هناك أمل في حالة تعثر ولديها استجابة للحل فبدون مبادرة أو غيرها سوف يقوم البنك علي الفور باتخاذ ما يراه نحو هذه الحالة بالطرق الموجودة المتعارف عليها والمتاحة للبنك ووفقا لظروف العميل. وفيما يتعلق بتسوية العملاء والمتعثرين المصرف العربي الدولي يؤكد بيومي عليوة أن المصرف يدرس كل حالة متعثرة لديه بمفردها ولا يتنازل عن مليم واحد من حقه وذلك لانه مادام ان العميل لديه القدرة علي السداد فسوف يسدد أما اذا كان عديم القدرة وليست لديه الكفاءة فلن تفلح معه أي جهود أو مبادرات. كما ان دور البنوك الاساسي هو الجري وراء العميل وليس العكس ومتابعته وإجراء بحث يومي عن نشاطه وظروفه، وبدون ذلك سوف تكون النتائج اسوأ ما يمكن لأن الكارثة ستقع علي البنك والعميل في وقت واحد. ويتفق مع الرأي السابق عبدالغني جامع رئيس بنك الاسكندرية الاسبق ويؤكد ان قضية المتعثرين ليست في حاجة إلي قرار من رئيس وزراء أو محافظ البنك المركزي كما انها لا تحتاج إلي أي مبادرات ولا علاقة لها بأي قرار سياسي أو إداري لان مثل هذا التدخل سيجعل رؤساء البنوك والمسئولين عن الائتمان والمنح بالبنوك في حيرة من أمرهم وذلك بأنهم اما ان يطبقوا القرار العلوي أو ان يطبقوا النظم والتعليمات المصرفية الموجودة لديهم والتي تعلموها ودرسوها في عملهم واكتسبوها من سنوات خبراتهم. ويشير رئيس بنك الاسكندرية الاسبق إلي ان قضية التعثر ليست وليدة اليوم لانها قديمة منذ نشأة البنوك ما والمصرفيون الأوائل، تعلموها منذ منتصف القرن الماضي حيث كنا نمارس التعثر بحرية وبحرفية عالية دون تعصب أو تشنج إلا ان لفظ التعثر أصبح الآن دارجا يردده كل شخص سواء من داخل أو خارج الجهاز المصرفي. ويتساءل عبدالغني جامع من المتعثر ولماذا تعثر؟ ويقول: لا أحد يتسطيع الاجابة لان المتعثر ليس شيئا مطلقا ولان المسألة تتعلق بائتمان ممنوح ولم يتم سداده في مواعيده، لأسباب تتعلق بالعميل نفسه أو بالعاملين بالبنوك والمسئولين عن المتابعة السليمة للعميل بشكل جيد أو لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين معا العميل والبنك بسبب ظروف قاهرة حدثت ولم تكن في الحسبان عند منح الائتمان. ومثال ذلك ما يحدث عند ارتفاع سعر الدولار. سألناه.. ماذا اذناً يفعل البنك مع العميل؟ أجابنا عبدالغني جامع: علي البنك ان يتحرك ليس بمجرد ان بنك الاسكندرية ان يكتشف ظهور علامات التعثر علي العميل ولكن ممنذ منحه للائتمان وحتي موعد السداد ويكون جاهزا للتحرك وبالتالي لا يلتزم بموعد السداد ولا ينتظر استفحال الأمور وتضخم المشاكل بدرجة تصبح معه الحلول صعبة وإذا نفذ البنك هذه الخطوات اصبح من السهل معالجة الأمور الائمانية الطارئة بطريقة هادئة دون تشنج ودون محاكم أو عن طريق النائب العام كما حدث وسمعنا به في السنوات الأخيرة. ويوضح رئيس بنك الاسكندرية الاسبق ان التعثر في الائتمان ليس كارثة ولكن الكارثة عدم معالجة التعثر في حينه قبل ان يكبر وتتراكم الديون علي العميل وتتحول الديون من ملايين إلي مليارات. ويري جامع ان كل حالة لها ظروفها فإذا كان عدم السداد خارجا عن إرادته والظروف طارئة فمن الممكن معالجة التعثر علي مر الأيام بمساندة البنك وليس الاكتفاء بمطالبات السداد لأن مسئول البنك والعميل شركاء في القضية، وعلي العكس فإن العميل الذي يضحك علي البنك ويستخدم الائتمان الممنوح في أغراض أخري غير التمويل بدلا من ان يمول في المشروعات والصناعات أو الهروب به فيجب علي البنوك هنا أن تقوم بتجريد العميل من أمواله والحصول علي أقصي ما يمكن من الأموال المستحقة، وأري ان الحسني لا تنجح مع مثل هؤلاء في غالب الأحوال لان سوء النية مبيت منذ البداية وهو ما يحتاج بالفعل إلي التوجه للمحاكم أو النائب العام أو المدعي الاشتراك وغير ذلك من الإجراءات. ويؤكد عبدالغني جامع ان رؤساء البنوك واصحاب القرارات فيها علي مستوي عال من الكفاءة والمنافسة المصرفية ويجب ان ندعهم يزاولون عملهم الجاد وفق النظم السليمة التي درسوها ومارسوها لسنوات كثيرة واكتسبوا منها الخبرة لمواجهة مثل هذه المواقف. ومن جانبه يوضح حمدي عفيفي المدير العام المساعد للمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية والمسئول عن قطاع التخطيط والمتابعة بالمصرف وأن المبادرات السيايسة اطلقت بدون تنسيق مع البنوك المعنية بشئون المتعثرين، وبالتالي لم ولن يكون لها فائدة ولم تؤد إلي نتيجة ايجابية بل علي العكس فقد أدي التدخل إلي تفاقم المشكلة، وزاد من آثارها السلبية أن البعض احسنوا الظن وعادوا لتسوية موقفهم ووجدوا الشرطة في انتظارهم وهو ما أدي إلي احجام الباقي عن العودة وأثر علي جدية المبادرات. ويؤكد أن البنوك تقوم بعملها لمواجهة المتعثرين علي أكمل وجه وفقا للمتبع في مثل هذه الحالات لأن أي بنك لن يكسب شيئا إذا تم سجن العميل وغلق نشاطه، وإشهار افلاسه ويؤكد عفيفي ان الأيدي المرتعشة لم تعد موجودة حاليا بالبنوك وأن القرارات يتم اتخاذها بوضوح وشفافية كاملة وبناء علي معلومات متاحة وبدون أي اغراءات أو اهواء أو مصالح مشيرا إلي أن الزمن الذي كان تتخذ فيه القرارات بأساليب ملتوية وغير سليمة مصرفيا انتهي ولن يعود، ويتم الاعتماد حاليا علي البيانات والمعلومات الواضحة السليمة من خلال شبكات الربط الالكتروني ومركز تجميع مخاطر الائتمان المصرفي.