اشتعلت الدعوات كالعادة إلي الغاء نسبة العمال والفلاحين في عضوية البرلمان وغيره من المجالس الشعبية المنتخبة بمناسبة عملية التنقيح الشامل التي تجري علي دستور عام 2012 الذي جري تعطيله مؤقتا بعد نجاح الثورة التصحيحية الشعبية المستحقة يوم 30 يونية والتي أعقبها يوم 3 يوليو علي النحو الذي شهدناه جميعا وتفاعلنا معه باصدار خريطة المستقبل والاطاحة بنظام الاخوان الفاشل والدموي. ولكن الجديد في الدعوات الحالية إلي الغاء نسبة العمال والفلاحين أن هناك قوي وشخصيات يسارية محترمة ومرموقة قد انضم إليها الاستاذ عبدالغفار شكر وحزبه ?التحالف الشعبي الاشتراكي? والسيدة شاهندة مقلد التي لا يمكن إغفال أنها تشغل منصب الأمين العام لاتحاد الفلاحين ?أظنه تحت التأسيس? وهذا جعلني أشم رائحة أخطار جديدة قادمة من بعيد علي الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي رغم أنني قد أتفهم بل وربما أقدر دوافع اليساريين الداعين إلي إلغاء هذه النسبة وانحاز إليهم في شأنها. ومن حسن الحظ أن الدكتور صلاح الدين فوزي عضو لجنة العشرة قد لخص لنا هذه الدوافع ?راجع ص7 من جديدة الوفد العدد 8280 بتاريخ الاثنين 2 9 2013) في أمرين الأول أن التمييز الإيجابي لأية فئة يخل بمبدأ المساواة.. وأنك إذا ميزت العمال والفلاحين فلماذا لا نميز الاقباط والمرأة أيضا؟ والثاني أن التجربة العملية أثبتت أن المتواجدين في البرلمانات علي قوائم هذه النسبة (50% عمالا وفلاحين) ليسوا هم العمال والفلاحين وإنما كانوا أحيانا من الحاصلين علي الدكتوراة واللواءات المتقاعدين وقد تفضل الدكتور فوزي فقال أيضا إن هذه النسبة أعطيت في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للعمال والفلاحين كنوع من ?التعويض? لهم عن طريق التمثيل النيابي. أود أن أبدي ملاحظة أراها مهمة قبل أن أناقش هذه المقولات فأنا عمرا وتجربة أحد أبناء المشروع الناصري ولا أزال وسأبقي كذلك ما بقي لي من عمر ولكني يشهد الله أضع مصلحة مصر وشعبها نصب عيني قبل أن استهدف الدفاع عن عصر عبدالناصر فهو والحمد لله خالد الذكر في ضمير شعبنا وكل شعوب العرب وهو أيضا الذي علمنا ألا ننظر إلي الحاضر بعيون الماضي وألا نستحضر الماضي إلا للاستفادة من دروسه. ودعوني أبدأ بمناقشة فكرة ?التعويض? فالرئيس عبدالناصر لم يكن يعوض العمال والفلاحين عما عانوه من فقر وحرمان ?بل وتحقير في مجتمع ما قبل ثورة يوليو عام 1952 وإنما كان يستحضرهم إلي قلب المشهد السياسي المصري لكي يدافعوا عن مكتسباتهم ويضيفوا إليها وأنهم كانوا في عصره ولايزالون حتي الآن أصحاب الأغلبية العددية والقطب الأهم في عملية الإنتاج التي هي صانعة التقدم ومنتجة الثمار التي شرع الله لكل مصري نصيبا عادلا منها وفي زمن عبدالناصر زمن التنمية والسعي الجاد إلي التقدم والارتقاء لم يقسم أحد الناس إلي مسلمين ومسيحيين ولا إلي سنة وشيعة ولا إلي شباب وشيوخ ولا إلي ذكور وإناث وإنما كان التقسيم السائد والأصح هو التقسيم الذي يدور حول العملية الإنتاجية عاملون وعاطلون عن العمل وعاطلون بالوراثة.. عمال وفلاحون مقابل رأسماليين واقطاعيين.. ملاك كبار ومتوسطون وصغار مقابل معدمين لا يملكون حتي قبرا يدفنون فيه عندما يحي الأجل.. حتي معركة تحرير المرأة لم نكن نراها معركة ضد الرجل وإنما جزء من استحقاقات معركة التحرر الوطني ضد الكولونيالية والاستعمار الجديد وضد الاعراف والتقاليد الرجعية البالية التي يتعين أن يتخلص منها الرجل والمرأة علي السواء فالرجل كان مقهورا مثل المرأة والقاهر لهما هو الاستعمار الأجنبي وأعوانه من الخونة في مصر. لقد كان لدي جمال عبدالناصر مشروع وطني وقومي رحب يتسع لكل فئات المجتمع من الفلاحين والعمال والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية.. مشروع يقوم اقتصاديا علي التنمية المستدامة.. واجتماعيا علي المساواة وتكافؤ الفرص وحماية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية.. ودينيا علي أن الأديان قوة ثورية يجب استخلاصها من براثن التفسيرات الرجعية لتكون عونا لنا في معارك البناء وأن الدين لله والوطن للجميع وسياسيا علي أن الديمقراطية التعددية السياسية هي الهدف الاسمي لنظامنا الوطني حتي لو اضطرنا في مراحل التحول إلي الأخذ بفكرة التنظيم الشعبي الواحد المسيطر كحل مؤقت وأمام هذا المشروع الناصري كان هناك المشروع الشيوعي والمشروع الرأسمالي وكان الأول يأخذ بفكرة مشوهة هي فكرة ديكتاتورية البروليتاريا والثاني يغلف ديكتاتورية رأس المال بغلاف من الديمقراطية السياسية التعددية. وقدر جمال عبدالناصر أن ترك الفلاحين والعمال المصريين نهبا لعمليات الاستقطاب بين المشروعين الشيوعي والرأسمالي مضافا إليهما مشروعات الرجعية الدينية إسلامية كانت أم مسيحية فيه خطر محدق علي مشروعنا الوطني المصري وعلي استقرار مصر سياسيا واجتماعيا.. وتقرر من هنا أن تعكس السياسة الأوزان الفعلية لعناصر عملية الإنتاج وأن يتم استحضار الفلاحين والعمال إلي بؤرة النظام السياسي ليكونوا علي الأقل حراسا للعدل الاجتماعي. ودعوني أتقدم خطوة أخري للرد علي دعوي الدكتور فوزي بأن استمرار النص في الدستور علي ضمان نسبة 50% علي الأقل للعمال والفلاحين سواء في البرلمان أو المجالس الشعبية المنتخبة فيه إخلال بفكرة المساواة وألخص ردي في 3 نقاط: أولا: أن الاكتفاء بفكرة المساواة القانونية في بناء المجتمعات أمر تجاوزه التاريخ والمواثيق الدولية أيضا.. فالمساواة القانونية كانت فكرة عظيمة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.. أما الآن فقد صار شريطا لتأكيد المساواة القانونية أن يصاحبها أيضا حد أدني من حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ثانيا: إن فكرة حماية ودعم الفئات المهمشة صارت فكرة معمولا بها عالميا في الإدارة والسياسية وهي تختلف جذريا عن فكرة المحاصصة وهذا ما يجعلني أوافق علي خفض سن الترشح للبرلمان إلي 25 عاما وسن تولي المناصب الوزارية بل ورئاسة الحكومة إلي 30 عاما ورئاسة الدولة إلي 40 عاما كما ورد في مسودة الدستور دون أن أعتبر ذلك محاباة للشباب علي حساب كبار السن، فلماذا يا سيدي تكيل الدولة بمكيالين ولماذا لا تكمل السير علي الطريق الصحيح بدعم المرأة والإبقاء علي نسبة الفلاحين والعمال في الدستور. ثالثا: فيما يخص الأقباط فإنني أستثنيهم من هذا الدعم السياسي وأظنهم سيقبلون هذا الاستثناء إذا أيقنوا أننا سنبني مجتمعا ملتزما بأن الدين لله والوطن للجميع وأننا لن نقبل بعد اليوم تقسيم المجتمع دينيا أو طائفيا وأن التقسيم الوحيد المقبول هو ذلك التقسيم الطبيعي المرتبط بالوضع الاقتصادي والعملية الإنتاجية. وتبقي نقطة إهدار نسبة العمال والفلاحين باصطناع تعريفات مغلوطة لكل من الفئتين.. وفي ظني أن هذه النقطة بالذات هي دافع بعض فرق اليسار إلي الإعلان عن تبنيهم لفكرة إلغاء هذه النسبة كليا من الدستور، والصحيح هنا بكل اليقين هو أن نقاتل من أجل ضبط تعريف العامل والفلاح بدلا من أن ندعو أو أن نسهم في إهدار مكسب كبير لكل منهما ولمصر كلها في المقام الأول، ولا يخفي علي أحد أن أمامنا الآن ثلاث معارك أو تحولات كبري مجهدة هي أولا: التحول الديمقراطي.. وثانيا: التحول نحو مجتمع العدالة الاجتماعية.. وثالثا: التحول نحو بناء اقتصاد الوفرة.. وأننا مطالبون بالسير علي طريق التحولات الثلاثة معا وفي آن واحد وتذكروا أن الشعب الذي فجر علي أرضه ثورتين في أقل من ثلاث سنوات لن يقبل أبدا بأنصاف الحلول ولا حتي بأن يصبر إلا إذا رأي الصدق واضحا في الخطاب والالتزام مصحوبا بالإنجاز، والقوي يساند الضعيف والغني يتعفف عن أكل حق الفقير.. أو بعبارة جامعة ?وجد من يرفق به? علي حد تعبير القائد العام لجيش مصر العظيم.. وغاية القول أن سحب هذه المكانة من فلاحي مصر وعمالها وسط المعارك سالفة الذكر، وفي ظل شيوع الفقر وصلافة عدم المساواة وذل البطالة والأمية إلي جانب وحشية جرائم الإرهاب التي يشنها علينا الخونة من جماعة الإخوان وحلفائهم فيه خطر جسيم علي مصر واستقرارها وقدرتها علي الانجاز.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.