في الثامن عشر من أكتوبر 1991، عقدت الجلسة التاريخية للمجلس الأعلي لجمهورية أذربيجان، تلك الجلسة التي عكست تطلعات الشعب الآذري نحو الحرية التي طال انتظارها، والذي دل عليها الاعتماد بالإجماع للقانون الدستوري ?حول استقلال جمهورية أذربيجان?.. إن الاختيار الواعي لشعب أذربيجان بالتحرر عن الاتحاد السوفيتي مهد الطريق نحو استعادة استقلال جمهورية أذربيجان، باعتبارها الخليف الشرعي لجمهورية أذربيجان الديمقراطية التي كانت رغم قصر فترة وجودها الذي استمر خلال الأعوام من 1918 حتي 1920 أول جمهورية ديمقراطية في الشرق الأوسط بأسره. وكما قال السفير شاهين عبد اللايف سفير اذربيجان بالقاهرة إن الجمهورية مضت نحو الاستقلال عبر الدرب الشائك، وتصاعد خطورة القضايا الداخلية والخارجية، والضغوط القمعية للقادة السوفييت، وتفاقم المصاعب الاقتصادية المصاحبة للتضخم، والانهيار الكامل للاقتصاد، وكان أبرز تلك القضايا الادعاءات الإقليمية الأرمينية ضد أذربيجان، والتي تصاعدت حتي وصلت إلي حرب شاملة النطاق والعدوان ضدها، ولم تستطع هذه الحرب من قِبل الدولة الأرمينية أن توقف تعطش شعب أذربيجان وتصميمه لنيل استقلاله وحريته وتقرير مصيره. وفي إطار من الأوهام القائمة تحت ضغط المشكلات المتأصلة في الأيام الأولي لاستقلال أذربيجان، وبدرجة بدت معقولة للغاية، تبني البعض وجهة النظر التي تشكك في قدرة أذربيجان علي تجاوز المشكلات الجيوبولوتيكية الإقليمية المعقدة بنجاح، وترسيخ الاستقرار الداخلي، وحل قضية الانكماش المالي والاقتصادي، وتجاوز عواقب العدوان الأرميني. ولكن أذربيجان استطاعت أن تثبت خطأ المشككين في قدراتها، وكذلك تجاوزها لتحديات الأمن القومي الكبري، والنجاح في الحفاظ علي الاستقلال الذي جري نيله بصعوبة، وذلك من خلال ضمانات الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي وتحقيق الرفاهية والازدهار الاجتماعي، علي الرغم من الفترة الزمنية القصيرة للغاية لتلك المرحلة. وانطلاقا من الإرادة والرغبة الشعبية، وباعتبارها مهمة ذات أولوية، فإن أذربيجان مضت في مسار من التطور الديمقراطي لا رجعة فيه، وذلك من خلال التأكيد الصريح علي قواعد القانون، وإتاحة حرية التعبير وغيره من الحقوق الأساسية الأخري، وزيادة قدرات المؤسسات الديمقراطية، والمساحة الفاعلة للمجتمع المدني منذ منتصف التسعينيات. ومن خلال التكامل في المحيط الأوروبي الشرعي، فقد صارت أذربيجان عضوا كامل العضوية في منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، وبالتالي عضوا في المجلس الأوروبي، وتظل متمسكة بالتزاماتها نحو القيم والأسس التي تتبناها تلك الهيئات. ومن الجدير بالذكر أن ترشيح عضوية المجلس الأوروبي لا يتم قبوله بصورة آلية، بل يقوم ويرتكز علي الأداء القائم علي أساس معايير احترام حقوق الانسان، والتزام الدولة الديمقراطية الراسخ بتلك المعايير بالنسبة للدولة المرشحة لنيل العضوية. وهكذا، فإن أذربيجان لم تضمن لها موقعا ضمن أسرة المجلس الأوروربي إلا بفضل الأداء والإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولة في مجال عملية الدمقرطة وحماية حقوق الانسان. وبالتوازي مع الإصلاحات الديمقراطية، فقد تم قطع خطوات واسعة للتحول الاقتصادي الهائل نحو اقتصاد السوق، وتطوير السياسات الاستراتيجية النفطية الجديدة لأذربيجان. وترتكز السياسات الاستراتيجية النفطية الجديدة علي الشراكة المستدامة، والمصداقية، والتنوع، والشفافية والمصارحة، والتي بلغت ذروتها بالتوقيع علي ?عقد القرن? الذي بلغ قيمته المليارات، وذلك بين جمهورية أذربيجان وشركات النفط العالمية في عام ،1994 وحاليا فإن أذربيجان بخطوط أنابيبها السبعة العاملة للنفط والغاز، تقدم إسهامها الملموس في توفير الأمن والتنوع لأسواق الطاقة العالمية. وطبقا لرؤية حيدر علييف الزعيم القومي لأذربيجان، والقائلة بأن ?النفط باعتباره ثروة هائلة لأذربيجان، لا يعود إلي الأجيال الحالية فقط، بل للأجيال اللاحقة أيضا?، فقد أولت حكومة أذربيجان أهمية بالغة نحو الشفافية والإدارة الماهرة لعوائد النفط والغاز.. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، فقد تأسس صندوق النفط الحكومي لجمهورية أذربيجان لتوفير الشفافية حول عوائد النفط والمساواة في المنفعة بين الأجيال فيما يتعلق بالثروة النفطية للبلاد، وذلك مع تحسين الرفاهية الاقتصادية للسكان في الوقت الحالي بالتوازي مع حماية الأمن الاقتصادي للأجيال اللاحقة.. وفي إطار الاستمرار المنطقي لتطبيق هذه السياسة، فإن أذربيجان أيضا تدعم بفاعلية مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية ضمن منظمة الأممالمتحدة. إن موقع أذربيجان الاستراتيجي عند تقاطع طرق التجارة الكبري الممتدة بين الغرب والشرق، وممرات النقل والطاقة بين الشمال والجنوب توفر أصولا مهمة لتحويل البلاد إلي محور للبنية التحتية والطاقة.. وفي هذا الإطار، وحين تصبح مشاركا فعالا مع البلدان المجاورة، تقوم أذربيجان بتطوير مكونات الهواء والأرض، وطرق السكك الحديدية والبحرية الخاصة بطريق الحرير القديم.. إن البنية التحتية لطرق السكك الحديدية الإقليمية الممتدة بين أذربيجان وجورجيا وتركيا، والتي سوف يتم الانتهاء منها العام الحالي، سوف توفر فرصا هائلة لتقديم كل أنواع عمليات شحن البضائع بين آسيا وأوروبا. ونتيجة لعملية الدمقرطة الثابتة والإصلاحات الاقتصادية المتواصلة، والإدارة الحكيمة لعوائد النفط والغاز، فقد تحولت أذربيجان بعد مرور 20 عاما من الاستقلال من دولة متلقية للمعونات إلي دولة مانحة ذات نمو اقتصادي بلغ 65 مليار دولار أمريكي، كما تجاوز الاحتياطي النقدي الأجنبي ال48 مليار دولار أمريكي ولا يزال طامحا للزيادة، وتضع نصب أعينها الوصول إلي مرتبة الدول المتطورة في منتصف عام 2020، باعتباره هدفا واقعيا لتحقيقه. ويكفي أن نذكر أنه خلال السنوات الخمس السابقة فقط استطاعت أذربيجان زيادة الناتج المحلي الإجمالي إلي 3 أضعافه تقريبا، وتقليص معدلات الفقر من 45% في عام 2003 إلي 7% عام 2012، كما بلغ حساب الميزان الاقتصادي الخارجي 80% من إجمالي اقتصاد منطقة القزوين بأكملها. خلال الفترة من عام 1995 حتي عام 2010، جري استثمار 95 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد المحلي للبلاد، من بينها 55 مليارا في صورة استثمارات أجنبية، ويزداد نصيب الاستثمار المحلي في الاقتصاد القومي بصورة جوهرية. ففي عام 2011 تم استثمار 20 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد، وقد بلغ نصيب الاستثمار الأجنبي منها حوالي 7 مليارات دولار أمريكي. وبينما ازداد الاستثمار النشط في الرعاية الصحية والعلوم والتعليم والتنمية البشرية وتحديث البنية التحتية، وضعت أذربيجان نصب أعينها هدفا استراتيجيا تمثّل في ضمان تنوع الاقتصاد؛ حيث يتم التركيز بوجه خاص علي تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتطور الصناعي والسياحة والزراعة والنقل.. و تم إطلاق أول قمر صناعي أذربيجاني في أواخر عام 2012، ووضع القمر الثاني في مداره عام 2015، وهو ما سوف يعزز من قدرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أذربيجان. وفي واقع الأمر فإن نمو إجمالي الناتج المحلي في القطاع غير النفطي قد تجاوز نمو إجمالي الناتج المحلي في الاقتصاد كله بمعدل بلغ 9،4% في عام 2011، و7،7% في الربع الأول لعام 2012. وهنا تجدر الإشارة إلي أن توحيد التطور الديمقراطي الراسخ مع الاقتصاد القوي قد مثل القوي الدافعة لأذربيجان النشطة، التي تتبني سياسة خارجية مستقلة واثقة، تقوم علي أساس من الالتزام بالقانون والعدالة الدوليين. وبما أنها قد صارت من الساعين إلي الأمن، فإن أذربيجان اليوم تقوم بتصدير السلم والأمان والاستقرار والتسامح إلي المنطقة، وتسعي عبر الحوار إلي التفاعل والتعاون. بالإضافة إلي أن الشريك البناء والموثوق به هو القادر علي القيام بدور هام في تحديد معالم التعاون الإقليمي المثمر. كما أن أذربيجان أيضا عضو فعال في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية، والتي تمتد من منظمة الأممالمتحدة وحركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية ومنظمة التعاون الاقتصادي، والمجلس الأوروبي وغيرها. وفي كل الأحوال فنحن نتطلع دوما نحو السبل التي تزيد من فاعلية هذه المنظمات، ونقدم العديد من المبادرات في هذا السبيل. وكان انتخاب أذربيجان في المقعد غير الدائم لمجلس الأمن التابع لمنظمة الأممالمتحدة في دورته من عام 2012 إلي 2013 بتأييد 155 دولة.