لا أعلم بالضبط متي بدأ الاحتفال بيوم المسرح العالمي الذي يأتي يومنا هذا ليحمل اسمه، لعله كان في عام 1963 ووصلتني الدعوة من شكري راغب مدير الأوبرا القديمة، حيث حدثني تلفونيا قائلا إنه يجب ألا يفوتني هذا الحفل سواء هذا اليوم أو اليوم الذي يليه، فقد حضرت فرقة البولشوي من موسكو، ومعها جالينا أولينوفا الراقصة الكبيرة التي تقاعدت وهي من أصرت علي المجييء حتي تقدم التحفة الجديدة التي يقدمها البولشوي، ألا وهي راقصة الباليه الجديدة أيامها، وكانت هي المرة الأولي التي سترقص فيها مايا بلستسكيا خارج موسكو، فقد قرر الروس إهداء الشعب المصري الصديق عدة ليال من باليهات روسيا الرائعة، أهمها طبعا بحيرة البجع. وشاهدت جالينا أولينوفا وهي عجز تلتحف بشال برتقالي، وتجلس مع توفيق الحكيم في صالون الأوبرا، ولنسمع منها أن الباليه هو أن تجعل الروح تعيش في كل ذرة من الجسد ليصير شفافا، يمكنه أن يطير من علي الأرض. ولم يتكلم توفيق الحكيم بل سرح فقط بعيدا، وعندما سألته عن السرحان أجاب ?في الفن معجزات تجعل عظام الإنسان تلين مع الموسيقي هذا هو الباليه?. وبدأ حفل الباليه لتلقي جالينا أولينوفا كلمة بسيطة تتمني فيها للشعب المصري كل الرفاهية في الحلم بالوصول إلي العدل الذي تنشده ثورة يوليو لعموم المصريين. وبدا الباليه رائعا ساحرا، مشوقا ولم أكن قد رأيت مثل هذا الرقص من قبل فآثرت المتابعة لكل حركة يقوم بها الراقصون والراقصات فوجئت بأن ما قالته أولينوفا صحيح مائة بالمائة، فعظام مايا بلستسكيا تكاد أن تنثني أثناء رقصها الشفاف. وطبعا تمردت أنا شخصيا علي رقص الباليه القديم فلم يعد يسحرني كما سحرني في رؤيته لأول مرة، فبعد أن رأيت الرقص الحديث سواء لفرقة ريناتو جريكو الإيطالية التي تصور الحياة بعد القنبلة الذرية، وكيف أن البشرية عادت من جديد لترتكب نفس الحماقات أيقنت أن الرقص الحديث أقرب لروحي من الباليه القديم، وحيث زارنا العظيم المتصوب موريس بيجار، لتؤدي فرقته مجموعة من الرقصات منها ما يصور رحلة الصوفي ابن عطاء السكندي، ورقصات تصور أغنيات أم كلثوم، وغيرها من مجموع إنتاج فرقته أيقنت أن الباليه القديم سيظل هواية لبعض قليل ممن يستمتعون به، وللكثير ممن يريدون استعراض ملابس السهرة الأنيقة التي تخفي مآسي هائلة، أعرفها كمتابع لأحوال المرأة والرجل علي مستوي العلاج النفسي. أنظر الآن حولي متسائلا هكذا عشت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وعشت بدايات القرن الواحد والعشرين ولم أتوقع لبلدي أن تقع في أنياب التخلف كما هو حادث الآن، واتساءل في أي بلد أعيش؟ هل أعيش في بلد صنعت ثقافات وطورت في عالمنا الثالث أم أعيش في قبو تدعي الشمس أنها تزوره كل صباح ليدور التاريخ باتجاه معاكس؟