كانت النميمة هي زاد الأحلام والخيالات في أيامنا القديمة، وكانت ابتسامة إحسان عبد القدوس تذكرنا بأننا بشر من حقنا أن نخطئ وأن نمارس الصواب. وكانت قيادة مصر السياسية منقسمة بين تيارين، تيار جمال عبد الناصر الذي يضم أناسا يعيشون أقسي درجات الإنضباط دون أدني تجاوز، وتيار المشير عامر الذي ضم عديدا من الذين مارسوا إنفلاتا شهدت به قاعات المحاكم . وكنت قريبا من تيار جمال عبد الناصر، وأري أحلام الانفلات تتراقص في عيون القليل من المحيطين به، لكن لا أحد فيهم يجرؤ علي ممارسة الانفلات. وأسمع عن انفلات شخص كان يعمل في السكرتارية الخاصة للمشير وهو عبد المنعم أبوزيد الذي اعجبته زوجة أحد كتاب السيناريو، فأمره بطلاقها ليتزوجها. ووصل الأمر لجمال عبد الناصر، فما كان من المشير إلا أن أعتقل عبد المنعم أبوزيد وألقاه بالسجن الحربي، وما أدراك ما السجن الحربي. كانت مواهب عبد المنعم أبوزيد أن يحضر أي شيء يطلبه عبد الحكيم عامر في أي رحلة، فهو يصحب المشير في كل جولاته بعربة محملة بكل ما يخطر علي البال، حتي ولو كان المطلوب شوية لب وسوداني!!. ولكن صراع السلطة الخفي بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر انكشف لحظة أن قال علي شفيق سكرتير المشير وزوج المطربة مها صبري، قال علي شفيق للسيد سامي شرف أعرف أن سلاح الطيران يسمع كلام عبد الناصر، ولك أن تعرف أني وضعت قدرا من المدفعية قادرة علي دك بيت عبد الناصر ومكتبه تماما. وطبعا كلنا نعلم كيف كان حال عبد الحكيم عامر في سوريا أثناء الوحدة، وكيف كانت إدارته هي العامل الحاسم في سعي المتآمرين للإنفصال. وأعلم أنا بشكل شخصي كيف أرسل عبد المنعم رياض أمرا قتاليا لعبد الحكيم عامر طالبا التوقيع عليه، كي تطلق المدفعية من علي هضبة الجولان عدة طلقات فتنسحب إسرائيل من عملية تحويل مجري نهر الليطاني، وكان يحمل هذا الأمر صديق عمري العميد الراحل عدلي الشريف، وما أن سمعه علي شفيق حتي نهره بعنف وأمره بألا يعكنن علي المشير مزاجه. وعاد الرجل بخفي حنين إلي القاهرة، ليسمع من عبد المنعم رياض سيأتي يوم لن نستطيع فيه استرداد الجولان من إسرائيل. هاهو ذلك اليوم قد جاء، والمسئول الأساسي لذلك هو عدم إتفاق العالم العربي علي مبدأ الحياة معا، بل نعيش التنافر في كل بلد، وهو تنافر يختفي تحت سطح أغلب الانظمة العربية، ويظهر في الصراع بين الفرقاء المتزاحمين علي مقاعد السلطة ولو بالرضوخ لاختبارات الولاياتالمتحدة التي أرضخت الجميع بجزرة الحكم وعصا الترهيب. فكرت في كل ما تقدم وأنا أراجع أبواب مجلة صباح الخير القديمة لأجد أن ?حكايات المخبر المجهول? كان بابا إجتماعيا، لكنه كان يضم في بعض الأحيان تفاصيل صغيرة زاعقة بفضائح أهل السلطان.