بعيدا عن ما يفعله المصريون بشريان حياتهم نهر النيل وآخرها بقعة السولار يظل الملف المائي هو أولي الملفات التي تعمل عليها الحكومة، فبعد أن وصل الملف المائي إلي ذروته نزل إلي قاع الاهتمام مرة أخري خلال ال4 شهور الماضية ليعود في الأيام القادمة إلي القمة مرة أخري بحيث تضع حكومة قنديل حدا نهائيا لهذا الملف، حيث أعلنت حكومة قنديل أن ملف مياه النيل أولي الملفات التي تضع لها الحكومة حلول جذرية.. وأضح الخبراء أنه لا مفر أمام مصر والسودان من التعاون المشترك مع دول الحوض، من خلال تنفيذ مشروعات مشتركة تعود بالنفع علي شعوب دول الحوض، وفصل التعاون عن الخلافات القائمة حاليا مع الدول الموقعة علي عنتيبي خاصة وأنه في حالة التوقيع الجماعي لدول حوض النيل والتصديق عليها من برلمانات هذه الدول لن تكون ملزمة لمصر والسودان، حتي لو تم إنشاء مفوضية لهذه الدول بدون دولتي المصب. وعلي صعيد آخر يبدي البعض تخوفهم من الآيادي الخفية التي تعيق ملف دول حوض النيل وإيقاع مصر في أزمة تعيق تقدمها واستقرارها، موضحين أن كلا من إسرائيل وأمريكا تستثمران العديد من المشروعات الزراعية في دول حوض النيل خاصة في أثيوبيا مما يؤثر بالسلب علي كلا من مصر والسودان، حيث يحتاج القطاع الزراعي إلي نسبة عالية من المياه في هذه البلدان مما يؤثر علي الحصة المائية لمصر التي تقدر بنمو 5.55 مليار متر مكعب. ويري د. عباس شراقي الأستاذ بمعهد الدراسات الأفريقية المصرية أن ملف دول حوض النيل يحتاج إلي العديد من الحلول حتي تستطيع مصراستعادة ريادتها مرة أخري في دول حوض النيل، ومن ضمن هذه المقترحات تمتين وتعزيز علاقات السودان بالدول الإفريقية مع إعطاء الأولوية لدول الجوار الجغرافي بهدف حماية الأمن القومي وتبادل المصالح المشتركة بحيث تسود مناطق الحدود الأمن والسلام والتعاون وتبادل المنافع وليس النزاعات وتهريب السلاح والمخدرات والبشر ويتم ذلك عبر الزيارات المتبادلة للمسئولين في جميع المستويات خاصة لقاءات القمة بين الرؤساء، بالإضافة لأعمال اللجان الوزارية المشتركة وتنفيذ الإتفاقيات والمشروعات المشتركة. بدلوماسية التنمية ويضيف أنه لابد من الاهتمام بدبلوماسية التنمية لإحداث طفرة تنموية كبري في السودان ليتبوأ مكانه اللائق بين دول العالم وذلك عبر مخرجات السياسة الخارجية وتقوية الإْعلام الخارجي وتفعيل الاستثمارات مع الدول الإفريقية والدول الأخري الصديقة ومن ذلك إقامة ثلاثة تكتلات اقتصادية مع مصر وليبيا شمالا واثيوبيا واريتريا شرقا وتشاد وافريقيا الوسطي غربا في إطار التكامل مع دول الجوار وتوسيع قاعدة علاقات السودان مع الدول الإفريقية والتعاون معها بحسب الحاجة في المجالات الدبلوماسية والإدارية والفنية ومد يد العون للدول التي تحتاج لخبرات السودان في هذه المجالات وبخاصة دول الجوار الجغرافي وذلك في إطار تقوية العلاقات مع هذه الدول من أجل المصالح المشتركة ، كذلك يتيح موقع السودان كدولة مفتوحة لها منفذ علي البحر الأحمر الفرصة لخدمة الدول المجاورة المغلقة ممثلة في اثيوبيا وتشاد وافريقيا الوسطي إضافة لدول جنوب السودان إذا ما غيرت سياساتها العدوانية تجاه السودان وذلك من أجل المصالح المشتركة. ويشير إلي أنه لابد من إعطاء أولوية لدولة جنوب السودان الوليدة نسبة لترابط المصالح والعلاقات والتداخل السكاني ولأن حدودها مع السودان تقارب مجموع حدود السودان مع أربع من دول الجوار "وهي اثيوبيا وارتريا وافريقيا الوسطي وليبيا" وتبلغ حوالي الألفي كيلو متر ويتم ذلك عبر استعادة الثقة وحل القضايا العالقة دون تدخل أجنبي ووضع استراتيجية تقوم علي مبدأ التعايش والمصالح المشتركة عبر التفاوض ومحاصرة الخلافات بواسطة مفاوضين حكماء مؤهلين للتحول من الموقف العدائي في العلاقات بين البلدين إلي الموقف التعاوني بما يؤدي إلي منع اعداء السودان من تحقيق اهدافهم لأستهداف السودان في وحدته وثرواته، ويري أنه مع نجاح تجربة تأمين الحدود مع تشاد وافريقيا الوسطي عبر آلية المصالح المشتركة ينبغي توسيع هذه التجربة لتشمل اثيوبيا من جانب واريتريا من جانب آخر مما يساهم في حماية حدود السودان الغربية والشرقية من المؤامرات الخارجية التي تهدف إلي شد الأطراف وتفتيت وحدة السودان بعد انفصال الجنوب ومن ثم تصبح التجربة نموذجا يحتذي به في القارة الافريقية لتحقيق الأمن والسلام والتعاون بين دول القارة. التكامل الافريقي وأكد الشراقي أن نجاح ثورتي الربيع العربي في مصر وليبيا لصالح العلاقات مع السودان وأصبح من الضروري مضاعفة مساعي التقارب بين البلدان الثلاثة وتجاوز مرحلة التكامل إلي رحاب أوسع من التقارب والتوحد لصالح دول وشعوب هذه البلدان بإتجاه الكونفدرالية وربما الفيدرالية في مرحلة لاحقة والعمل علي مواجهة خطر الوجود الإسرائيلي في دولة جنوب السودان، بالإضافة إلي قيام السودان بالإعداد لانعقاد القمة العربية الافريقية الثالثة بعد أن انعقدات في القاهرة وسرت في المرتين السابقتين وذلك علي اعتبار أن السودان أكثر تأهيلا من غيره لاستضافة هذه القمة بحكم موقعه الجغرافي وتركيبته السكانية، وتمتين العلاقات مع الدول الافريقية في مجال الإعلام الخارجي وبخاصة مع دول الجوار عبر التعاون الفني وتبادل البرامج وإقامة اسابيع ثقافية بواسطة وزارة الثقافة وجهاز السودانيين العاملين في الخارج من أجل تعزيز الدبلوماسية الشعبية وتقوية العلاقات مع الاحزاب الحاكمة والبرلمانات مع الدول الافريقية وإقامة علاقات شعبية مع منظمات المجتمع المدني ومنها النقابات والمنظمات الطلابية والشبابية والنسائية من أجل تمتين العلاقات الرسمية والشعبية بين شمال وجنوب افريقيا. وأوضح أنه لابد من التخطيط السليم مع الأقاليم الافريقية الأساسية في غرب وشرق وجنوب أفريقيا علي أن تكون هناك ثوابت تعمل من خلال دعم وتطوير اداء البعثات الدبلوماسية بين السودان ومع كل الأقاليم، والاهتمام بالعلاقات وتطويرها مع دول الجوار وزيادة عدد البعثات الدبلوماسية السودانية في دول افريقيا ودعم هذه البعثات بالكفاءات الدبلوماسية والامكانات الضرورية وبخاصة دول الجوار العربية بالإضافة إلي تجديد وتفعيل الاتفاقيات الثقافية مع الدول الافريقية في الغرب عبر التعاون مع كافة مؤسسات الشمال والشرق والغرب بالاستفادة من جامعة افريقيا العالمية ودعم المدارس والتعليم العالي والبحث العلمي مع دول الجوار. الموقف حرج وأكد دكتور حسين العطفي خبير الموارد المائية والري أن مصر لابد أن تكون حريصة علي حل الملف المائي بين دول حوض النيل بشكل سريع، حتي لا تضيع حقوق مصر المائية وذلك عن طريق توسع كلا من إسرائيل وأمريكا استحواذها علي أكبر كم ممكن من استصلاح الأراضي وإقامة المشروعات التنموية في دول حوض النيل، مما يؤثر علي مصر تأثيرا سلبيا. وذكر العطفي أن توسع إسرائيل وأمريكا في الاستثمارات الزراعية في دول حوض النيل يهدد الاستقرار الخارجي والداخلي لمصر، موضحا أن الحكومة حاليا مهتمه بالشئون الداخلية دون الاهتمام بالشئون الخارجية، فأمريكا وإسرائيل تخططان من قديم الأزل للسيطرة علي دول حوض النيل من أجل إضعاف الشأن المصري في دول الحوض. وأضاف العطفي أنه كلما زادات مشروعات أمريكا وإسرائيل في دول حوض النيل أثر ذلك علي حصة مصر من المياه بشكل سلبي فضلا إلي أنه سيعرض مصر إلي مخاطر عديدة خاصة بأمنها الداخلي، وأشار العطفي إلي أن مصر يجب أن تتخذ خطوات سريعة بشأن دول حوض النيل وأن تقيم العديد من المشروعات التنموية علي مستوي دول حوض النيل، مشيرا إلي أنه يجب تحرك كل الجهات المسئولة سواء سياسية ودبلوماسية ومخاطبة الرأي العام والمجتمع الدولي بأحقية مصر في حصتها من المياه بدول حوض النيل، خاصة وأن مصر وضعها المائي حرج. الحكمة مطلوبة كما أكد الدكتور إبراهيم نصر الدين رئيس الجمعية الافريقية أن مصر لابد أن تتصرف بحكمة خلال الفترة المقبلة لمعالجة الملف المائي مع دول حوض النيل، وتعزيز من سبل التعاون من الدول الافريقية وأن تبحث عن المصالح المشتركة بين الدول وإقامة المشروعات، وأوضح ضرورة وضع لوائح وقوانين من شأنها الحد من تلوث المياه ووضع عقوبات رادعة لمن يلقي الملوثات في المياه والبحار والأنهار، كما طالبوا بوضع سياسيات جديدة للمياه بحيث تصل الدول الافريقية إلي مرحلة المياه النقية الخالية من الملوثات، حيث تبلغ نسبة المياه الملوثة في افريقيا 60% من النسبة الإجمالية للمياه. وطالب بوضع معايير ملاءمة لافريقيا ووضع ارشادات للأنظمة البيئية والقياسات لتخفيض نسبة التلوث، وعمل صناديق لتنمية برامج الطاقة الجديدة، وإشراك القطاع الخاص والعام لتشجيع التكامل فيما بين الدول الافريقية في مجال تحسين الموارد المائية. إضافة إلي وضع خرائط للموارد المائية الجوفية والأدوات اللازمة لإدارتها لمكافحة الجفاف، والاهتمام بآليات التنبؤ بالتغيرات المناخية والتعاون بين الدول الافريقية وتعزيز القدرات بين الدول بما يمكنها من الاستغلال الأمثل للموارد المائية. وأوضح د. إبراهيم أن مصر ليس لديها حق الفيتو في حالة أجراء دول حوض النيل أي مشروعات مثل السدود، فمصر ليست دولة منبع، موضحا أن 95% من المياه تستقبلها مصر من دول حوض النيل والنسبة المتبقية تعتمد علي الأمطار والسيول، مشيرا إلي أنه يجب أن يسرع المسئولون في التصديق علي إتفاقية إنشاء سد النهضة الاثيوبي، فمصر لم تخسر شيئا من تصديقها علي الإتفاقية التي تطرحها اثيوبيا ومع ذلك لم يتحرك المسئولون حتي الآن، فهناك الاعيب تتم من خارج مصر من جانب أمريكا وإسرائيل لوقوع مصر في أزمة خاصة في ظل الأجواء الساخنة التي تشهدها دولتي السودان ويقول: هناك أطراف خفية داخل وخارج مصر تعيق حل هذه الأزمة. وأضاف أن مصر لن تتأثر حصتها من المياه من إنشاء سد النهضة الاثيوبي سوي 10 مليارات متر مكعب من أصل 5.55 مليار متر مكعب، فمن الممكن أن تعويضهما مصر عن طريق استخدام أساليب وطرق لترشيد المياه، مشيرا إلي أن مصر تهدر بالفعل هذه الكمية التي سوف تفتقدها في "غسيل السيارات ورش الشوارع" حسبما قال وأوضح أنه يمكن زيادة حصة مصر من المياه أيضا عن طريق السودان وعن طريق اريتريا، فتحسين العلاقات مع هذه الدول سيجعل مصر تعوض النسبة المفقودة من سد النهضة الاثيوبي. وأضاف أن كل ما أعلن بأن مصر لم تطلع علي أي أوراق خاصة بسد النهضة الاثيوبي غير صحيح، مشيرا إلي أن هناك العديد من المسئولين كانوا يشاركون في وضع دراسات جدوي لهذا السد ومن ضمنهم وزراء ري سابقين، وأن هناك أمورا عديدة غير واضحة للشعب، مشيرا إلي أنه لابد أن تسرع مصر في حل هذا الموضوع قبل وقوع الكارثة بالفعل. كلام غير صحيح واختلف معه في الرأي دكتور حلمي شعراوي خبير الشئون والدراسات الافريقية في أن مصر ليس لها حق الفيتو، موضحا أن هذا الكلام غير صحيح فمصر وفقا للمعاهدات تمتلك حق الفيتو، حيث تنص معاهدات 1952 و1929 علي أن مصر لها حق الفيتو وذلك وفقا للبند الذي يوضح أنه علي دول حوض النيل عدم إقامة مشروعات إلا بموافقة دولتي المصب مصر والسودان. وأضاف أن الإتفاقية الجديدة التي تطرحها اثيوبيا علي مصر لا يوجد بها أيضا نص يمنع أحقيتها في رفض مشروعات ليست في صالحها، فهي تمتلك أيضا حق الفيتو في الإتفاقية الثانية، ولا يوجد مانع في التصديق علي الإتفاقية في حالة أن تثبت دراسات الجدوي أن سد النهضة الاثيوبي لم يؤثر علي مصر. توقعات سلبية وعلي جانب آخر تناول الدكتور علاء الظوهري أستاذ كلية الهندسة جامعة القاهرة عن تأثيرات التغيرات المناخية علي الاستثمار في المنشآت المائية حيث أْعرب عن أن هناك توقعات بحدوث تيارات من التغيرات المناخية علي مستوي الدول الافريقة وقد تزداد إلي درجة مبالغ فيها في بعض الدول، مما يؤدي إلي العديد من المشاكل ومنها قد تتعرض هذه الدول إلي ندرة المياه أو قد تتعرض إلي زيادة شديدة في المياه تؤدي إلي فيضانات بالإضافة إلي تصحر بعض الدول. وكشف عن أنه من المتوقع أن يرتفع منسوب المياه في مصر عن سطح البحر، كما أوضح أن من التوقعات أيضا إنخفاض نسبة الأمطار فيها، حيث تحصد مصر سنويا 5% من المياه عن طريق الأمطار والسيول والفيضانات، وهي نسبة قليلة في بلد لا يعتمد علي الأمطار المتساقطة ولكنها علي الأمطار الساقطة علي كل من السودان واثيوبيا، كما أنه من المتوقع أيضا حدوث ارتفاعات في درجة الحرارة. وطالب الظوهري من الدول الافريقية أن تضع في استرتيجيتها التغيرات المناخية التي تؤدي إلي كثير من المشاكل وأن توضح كل دولة كيفية مواجهة هذه التغيرات، كما أوضح أن هذه الدول يجب أن تضع في الاعتبار إنشاء منشآت مائية للتغلب علي المشاكل التي تواجه كل دولة وذلك طبقا لنوع التأثير، بالإضافة إلي التعاون والتكاتف بين جميع الدول لانجاح هذا وكشفت المهندسة رضا عبدالله عضو لجنة الري بمجلس الشعب السابق أن اللجنة قدمت للوزارة اقتراحا بشأن تعاون البرلمانيين علي مستوي العالم في مجال الري بصفة خاصة بين الدول الافريقية، بحيث يكون مجال الري محط اهتمام جميع الدول، ويساعد هذا المشروع علي تحسين الري وحل مشاكل المياه علي مستوي كل دولة. وأوضحت أن هذا المشروع يساعد في حل أزمة المياه بين مصر ودول حوض النيل للحفاظ علي حصتها في المياه، بالإضافة إلي اكتشاف طرق جديدة تساعد علي زيادة حصة مصر من المياه حصيلة مياه الأمطار من السودان واثيوبيا. وأكدت علي ضرورة التكامل والتعاون بين دول حوض النيل في جميع المجالات الخاصة بالري حتي تحل جميع المشاكل الخاصة بهذه الدول وفقا الاحتياجات كل دولة مشيرة إلي أن طرق التعاون عديدة منها أن الدول الافريقية بصفة عامة تتميز بكثرة الثروة الحيوانية ومصر تتميز بخبرتها العالية في المياه، فعن طريق التعاون والتكامل بين البلدان ستتحقق التنمية المستدامة. وأشارات إلي أن دولة كينيا تطالب مصر والدول الافريقية أن يشتمل الدستور الجديد في مصر علي توفير المياه النقية للمواطنين إسوة بدولة كينيا التي وضعت بالدستور الجديد نص عن توفير المياه النقية لمواطنيها باعتبار المياه هي حق من حقوق الانسان وبهذا فإن الاستثمارات في المياه هي الشغل الشاغل للحكومة في كينيا، موضحا أن هذا يعد إلتزاما اجتماعيا لأي حكومة نحو مواطنيها.