ظهر التباين بين خطاب "نتنياهو" وخطاب "أحمدي نجاد" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. خطاب الأول كان زاخرا بشطحات الخيال ولهذا لم يستطع أن يقنع الحضور بما أراد، بينما جاء خطاب "نجاد" مختلفا كلية، فلقد ظهر "نجاد" خطيبا مفوها يتحدث في الاقتصاد والسياسة والتاريخ وعن الحروب والهيمنة والمعايير المزدوجة في ظل السياسات التي يتبعها المجتمع الدولي في تعامله مع دول المنطقة. تحدث "نجاد" عن حتمية إصلاح المنظمة الدولية وكان هذا عين الصواب حيث إن الأممالمتحدة باتت أداة في يد أمريكا تحركها صوب الهدف الذي تريده. وقف "نتنياهو" كالطاووس أخذ دور المنظر وشرع يشرح كيف أن ملف إيران النووي يمثل خطرا ساحقا ماحقا، كان بارعا في تزوير التاريخ وخلط الأوراق وفبركة المواقف، بدا محفل الأممالمتحدة غير مقتنع بالشطحات التي ساقها هذه المرة رغم انه نجح طوال الأعوام الماضية في جعل الملف النووي الايراني في صدارة الموضوعات وحول الانظار بذلك عن القضية الفلسطينية وعن الاستيطان الاسرائيلي وتهويد القدس وقتل حل الدولتين بل وقبل كل ذلك حول الانظار بعيدا عن ترسانة إسرائيل النووية وهي التي تمثل الخطر الحقيقي علي المنطقة. وقف "نتنياهو" أمام منبر الجمعية العامة يلقي دروسا في احترام حقوق الانسان والعدالة ويظهر إسرائيل ضحية ويطالب المجتمع الدولي بانقاذها من براثن إيران وقنابلها النووية المزعومة.. جاء خطابه في معرض سياسة لي الذراع والتهديد الصوري لأنه يعلم عن يقين أن عملية مهاجمة إيران ليست بهذه البساطة التي يصورها للعالم لاسيما إذا كانت ادارة أوباما قد عارضت الدخول معه في عمل عسكري ضد إيران لاسيما أن "نتنياهو" علي يقين من أنه لن يستطيع أن يقدم علي مثل هذه المجازفة بمفرده لتداعياتها الكارثية علي إسرائيل "نتنياهو" أجبن من أن يقدم علي مغامرة كهذه بمفرده ويدرك استحالة الشروع في عمل كهذا دون موافقة واشنطن. صحيح أنه هدد وتوعد وأنذر وصعد تهديداته منذ يوليو الماضي، وجاء خطابه ليجسد الدعوة للحرب عندما أعلن فشل الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، ومضي في غيه عندما عقد مقارنة بين الخطر النووي الايراني وهو خطر افتراضي وبين الخطر النازي.. بدا للحضور غرابة ما تحدث عنه "نتنياهو" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما حاول تسويق فريته طنا منه بأنه قادر علي أن يقنع الحضور برسالته المليئة بالأكاذيب.. استهان "نتنياهو" بذكاء الحضور عندما عرض رسما كاريكاتيريا لقنبلة ذات فتيل مشتعل أراد به توضيح مخاطر البرنامج النووي الايراني، تفرغ في كلمته لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية وأسقط عمدا من ذاكرته تقرير الاممالمتحدة بشأن المحرقة التي سلطتها إسرائيل علي قطاع غزة نهاية سنة 2008 وأوائل سنة 2009 واستخدامها للفسفور الأبيض المحرم وقتلها أكثر من ألف وثلاثمائة من المدنيين الفلسطينيين. ظن "نتنياهو" أنه نجح في اقناع الحضور بأكذوبة سعي إيران لامتلاك القنبلة النووية تماما كالأكذوبة التي روجتها أمريكا بتحريض من إسرائيل حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، يومها وقف "كولن باول" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق سنة 2003 لتبرير غزو العراق عندما عرض رسما كرتونيا لعالم عراقي داخل المختبر بدعوي أنه يقوم بتصنيع أسلحة دمار شامل ومرت الأيام وثبت كذب الادعاء بذلك، غير أن الرسالة التي أوحي بها نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هي أن إيران لن تصل إلي المرحلة الخطرة قبل ربيع أو صيف العام المقبل وهو ما يعني إرجاء خطة المواجهة إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل وبالتالي فإن احتمالية مواجهة إيران قبل الانتخابات لم تعد واردة، ولاشك أن نتنياهو يستغل الوضع السوري والمصري والأردني والوضع المتفجر في المنطقة وعدم رضا أمريكا عما انتجه الربيع العربي كأساس يدفع أمريكا قدمًا للالتصاق بإسرائيل. إسرائيل تمضي في غيها بسبب الدعم الأمريكي لها وتطويع الغرب لمبدأ المعايير المزدوجة، فالعالم يتحدث عن خطر إيراني نووي رغم أنه خطر افتراضي بينما يغض الطرف عن إسرائيل التي تملك ترسانة نووية ولا شك أن إسرائيل تخشي من امتلاك إيران للسلاح للنووي لأن هذا يخلق توازنا يمنعها من استخدام أسلحة الدمار الشامل في حروبها في المنطقة وهو ما ستلجأ إليه حتما فيما لو شعرت بالخطر. وبالتالي يصبح القياس مع الفارق فلا يمكن أن أقارن إيران بإسرائيل العدو الغاصب، إن نتنياهو الذي يتحدث بعنجهية وصلف وغرور عن الخطر النووي الإيراني المزعوم وينسي أن بلاده تمتلك ثلاثمائة رأس نووي جاهزة للاستخدام. ولا شك أن أمريكا والمجتمع الدولي مسئولون عن عنجهية إسرائيل لأنهم لم يدينوا جرائمها ككيان غاصب غارق في ارتكاب جرائم الحرب. نسي نتنياهو فرضية تقول بأنه مادامت أن بلاده تملك السلاح النووي فلا يحق له أن يصادر حق إيران أو أي دولة أخري في المنطقة في امتلاك السلاح النووي رغم أن إيران حتي الآن لا تملكه بل وأكدت أكثر من مرة بأنه يتعارض مع معتقداتها. وعليه يتعين علي إسرائيل أولا أن تجرد نفسها من السلاح النووي والشيء نفسه يصدق علي أمريكا وهي أول دولة استخدمته ضد "هيروشيما" و"ناجازاكي" في الأربعينيات من القرن الماضي. يتعين علي من يطالب بشيء أن يحذو حذو ما يطالب به وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه. وعامة فإن تهديدات "نتنياهو" ضد إيران ستظل طبلاً أجوف، فالحرب علي إيران لن تكون نزهة وإذا ما فكر "نتنياهو" في شنها فإن تداعياتها ستطاله وتطال معه الكيان الصهيوني الغاصب.