إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اكتفي بتصريح بارد حول فوز الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر وخاصة بعد أن أعلن مرسي رفضه لأي تهنئة قد تأتيه من إسرائيل، إلا أن المعارضة انتقدت هذا البرود وطالبته بأن يبادر إلي اقتراح حوار مباشر مع مرسي وحركة الإخوان المسلمين، لأن السلام مع مصر هو مصلحة استراتيجية للطرفين. غير أن قوي يمينية متطرفة في إسرائيل اعتبرت أن العلاقات المصرية الإسرائيلية علي حافة الهاوية، فالسلام القائم بين الطرفين هو سلام وهمي علي الورق فقط، خاصة أن السلام في زمن الرئيس السابق حسني مبارك كان من وجهة نظرهم أيضا كذبة كبيرة(!) فقد حرص مبارك علي ألا يزور إسرائيل سوي مرة واحدة طيلة فترة حكمه، ولم يخف الشعب المصري في أي يوم عداءه لإسرائيل واليوم مع حكم الإخوان المسلمين سيتحول العداء إلي تدهور خطير وعلي إسرائيل أن تستعد لذلك من الآن(؟!) وطالبت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تعيد قيادة الجيش حساباتها تجاه مصر والحدود الجغرافية الطويلة معها، ونوهت إلي أن إسرائيل حذرت من اللحظة الأولي لهبوب رياح التغيير في العالم العربي، معتبرة أن الربيع العربي سيكون ربيعا إسلاميا واستخف حينها الجميع لهذا التصور وها هي الأيام تثبت ذلك. تستعد إسرائيل الآن لكل الاحتمالات وهي تضع في وجدانها أن فوز الإسلاميين لن يطمئن إسرائيل خاصة أن من سيقود الآن رجل لم يخف عداءه لإسرائيل لذا فإن كل شيء أصبح مفتوحا بالنسبة لإسرائيل فالمستقبل غير واضح وغير مريح بالنسبة لأجهزة الأمن والجيش تحديدا. مصر كانت دائما حاضرة في تاريخ القضية الفلسطينية التي شكلت علي الدوام مدخلا لأي دور إقليمي لأي من دول المنطقة، ومن هنا تصل آمال الفلسطينيين وبالذات حركة حماس في غزة من الرئيس المصري الجديد إلي حدود عليا مثل المساهمة في تحرير فلسطين غير أن التوقعات الفعلية تبدو أكثر تواضعا وتتمحور حول رفع الحصار عن غزة، ودفع المصالحة الفلسطينية إلي الأمام والتأثير علي حركة حماس لجهة الواقعية والاعتدال. ورغم ترحيب كل الأطراف الفلسطينية بفوز مرسي لكن المراقبين يتوقعون أن يؤدي فوزه إلي تراجع مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس حليف الرئيس السابق محمد حسني مبارك وتعزيز مكانة حركة حماس وكان محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس قد اعتبر فوز مرسي لحظة تاريخية في تاريخ مصر ستصحح الاربعين عاما الماضية، وهذه هزيمة لبرنامج التطبيع مع العدو الإسرائيلي ولبرنامج التعاون الأمني معه وبيع مقدرات مصر للعدو والموقف المتناقض مع رأي الشعب المؤيد للقضية الفلسطينية. كان طبيعيا ألا يعجب حركة فتح هذا اللهاث الذي تبديه حماس تجاه فوز مرسي، خاصة بعد أن دعمت حماس فصائل المقاومة الفلسطينية للرد علي التصعيد الإسرائيلي لتدعم موقفها رغم اتفاق تهدئة الموقف بينها وبين إسرائيل وحذرت فتح من العدوان المستمر من جانب إسرائيل خصوصا في هذه الظروف الاقليمية المتفجرة، واعتبرت أن الدم الفلسطيني أغلي وأثمن من هذه الرهانات والحسابات الفئوية والتنظيمية، وأن الرد علي هذا العدوان وهذه الانتهاكات هو في الخروج من دائرة هذه الرهانات والعودة إلي حضن الشعب الفلسطيني وتغليب المصالحة الوطنية العليا من خلال تنفيذ اتفاق المصالحة، ومواجهة التحديات المفروضة بالاتحاد والتوافق في اشارة إلي استقواء حماس بفوز مرسي وما سيترتب عليه في المرحلة القادمة واعتبرت فتح أن استمرار الانقسام وعدم تنفيذ اتفاق المصالحة، ومواصلة رهان البعض علي قوي خارجية يقدم لإسرائيل الذرائع تلو الذرائع لمواصلة عدوانها وحصارها لقطاع غزة، ومواصلة انتهاكاتها وسياستها التوسعية في الضفة الغربية والقدس. غير أن هناك لا يمنع من أن يمنح المدد المصري حركة حماس قوة جديدة يؤهلها للدخول في منافسة قوية وفعلية مع منظمة التحرير الفلسطينية علي مسألة التمثيل الفلسطيني والقرار الفلسطيني عموما ففي المدي القريب أصبحت المصالحة فعليا في خبر كان، لأن الاتفاقات السابقة التي تتعلق بهذا الملف تمت صياغتها في ظروف مختلفة لم تعد صالحة في الظروف الجديدة وحركة حماس اكتسبت قوة استراتيجية كبيرة يمكن أن تقلب التوازن الداخلي لصالحها ما يجعلها متطلبة أكثر، ولا تستعجل مصالحة لا تؤمن لها السيطرة علي القرار والمؤسسات الفلسطينية.