تبدو من قبيل دفن الرأس في الرمال أية محاولة لتجاهل الانقسام الذي يخيم خطره علي البلاد منذ عدة أشهر، والذي ارتسمت ملامحه بوضوح وتفاقمت حدته مع إجراء الانتخابات الرئاسية بكل ما رافقها من ملابسات، وبصورة أخص مع إجراء الجولة الثانية من هذه الانتخابات وكان حصول الدكتور محمد مرسي علي أكثر بقليل من نصف الأصوات "7 .51%" وحصول منافسه الفريق أحمد شفيق علي أقل بقليل من نصف الأصوات "3 .48%" تعبيرا بليغا عن هذا الانقسام . والانقسام أو الاستقطاب السياسي ليس كارثة في حد ذاته فكثير من المجتمعات لكن الخطورة الحقيقية تكمن في لجوء أي من الطرفين التنافسين إلي استخدام وسائل غير ديمقراطية في محاولة فرض وجهة نظره، وفي ظروف مجتمع كمجتمعنا فإن المسئولية الوطنية تفرض علي جميع الأطراف أن يضعوا في اعتبارهم حالة السيولة والاحتقان التي يمر بها المجتمع منذ ثورة 25 يناير، وخطورة تحول أي صدام إلي كارثة كبيرة أو كبري لا تحتملها البلاد . . بينما تتربص بوطننا المخاطر عبر كل حدوده . كما كان امتناع نصف المسجلين في الجداول الانتخابية عن المشاركة في الانتخابات بفرض صحة الأرقام الرسمية التي يتشكك الكثيرون في سلامتها وكذلك لجوء أكثر من ثمانمائة ألف ناخب لابطال أصواتهم أمرا بليغ الدلالة علي رأي نصف الناخبين علي الأقل في المرشحين المتنافسين ووجهات النظر والقوي السياسية التي يمثلها كل منهما . والاستنتاج السياسي المهم من ذلك كله هو أنه ليس من حق أي طرف أن يدعي أنه يمثل الشعب المصري بأسره، أو أن الشعب المصري يقف خلفه أو يلتف حوله وخاصة فيما يتصل بقضايا سياسية ودستورية مثل نظام الحكم وصلاحيات كل من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وذلك علي الرغم من أنه من الناحية القانونية ليس هناك أدني شك في أن من يحصل علي نصف أصوات الناخبين زائد "+" صوت واحد يكون هو الفائز في الانتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو غير ذلك . وخلاصة ذلك كله أن الدكتور محمد مرسي هو الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد لكن عليه هو وحزبه "الحرية والعدالة" وجماعة الاخوان المسلمين عليهم أن يراعوا في سلوكهم السياسي واقع الانقسام المشار إليه، والنسبة الفعلية التي حصل عليها المرشح الفائز من أصوات الناخبين علي مستوي مصر كلها وذلك بغض النظر عن قدرة الجماعة علي حشد جماهيرها وجماهير حلفائها من جماعات الاسلام السياسي من مختلف أنحاء البلاد في ميدان التحرير فمع تسليمنا الكامل بالأهمية الرمزية الكبيرة للميدان إلا أنه في نهاية المطاف لا يمكن أن يمثل تعبيرا دقيقا عن الشعب المصري، خاصة بعد أن قال الشعب كلمته في انتخابات لم يمض عليها سوي أيام قليلة ولذلك نذكر جيدا أن الميدان الذي انطلقت منه ثورة يناير العظيمة، كان أكثر من مرة مسرحا لتحركات لا يمكن اطلاقا الزعم بأنها تعبر عن شعبنا مثل "جمعة قندهار" المشئومة (29 يوليو 2011) حينما احتلت الجماعات المتطرفة المحتشدة من كل أنحاء البلاد ميدان التحرير ورفعت فيه أعلام بلاد أجنبية، إلي جانب أعلام تنظيمات كالقاعدة و"الجهاد" . . وهتفت باسم زعيم الارهاب الدولي أسامة بن لادن . . وطردت الشباب الثوري من الميدان . التحرير . . والدستور . . والمؤسسات بمجرد انتهاء الانتخابات الرئاسية لجأت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من تيارات الإسلام السياسي وبعض الفصائل الشبابية إلي احتلال الميدان والاعتصام فيه مطالبة بما يلي: 1- إعلان فوز الدكتور مرسي . . وهو ما انتهت إليه اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بعد فحص الطعون . 2- إلغاء حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان إحدي مواد قانون انتخاب مجلس الشعب، وبالتالي بطلان المجلس وانعدام وجوده، وحله . . وطالب المعتصمون بما طالبت به جماعة الاخوان وحزبها بإعادة عمل المجلس وإجراء الانتخابات علي ثلث مقاعده "فقط" وتحديدا المقاعد الفردية التي فاز بها أعضاء مرشحون عن الأحزاب السياسية، أو المقاعد الفردية كلها "ثلث المقاعد" علي أقصي تقدير . 3- إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الصادر عن المجلس العسكري للقوات المسلحة، بما يتضمنه من مواد رأها الرافضون للإعلان انتقاصا من سلطات رئيس الجمهورية المنتخب، وأنها تعطي المجلس العسكري سلطات لا تحق له مثل سلطة التشريع بعد حل مجلس الشعب وتعيين القيادات العسكرية وترقيتها، فضلا عن تشكيل مجلس الدفاع الوطني وطريقة التصويت فيه، وميزانية القوات المسلحة . . إلخ ومن بينها كذلك نقل مراسم حلف الرئيس لليمين الدستورية من مجلس الشعب، إلي حلف اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية .