سبحان الله "تؤتي الملك لمن تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء" صدق الله العظيم. بعد سنوات من العز والجاه والسلطان.. يحكم عليه بالسجن المؤبد، ويعيش ما بقي له من عمر ذليلاً مهاناً بعد أن زالت عنه النعمة ولم يعمل حساب هذا اليوم.. كان هذا مصير حسني مبارك.. أما الآخر فإنه يأتي من السجن ليكون رئيساً للبلاد، وتفتح له القصور وتسلط عليه الأضواء، وتنهال عليه برقيات الملوك والرؤساء من جميع أنحاء العالم بالتهنئة والتبريك.. إنه د. محمد مرسي. هذه هي حال الدنيا يوم لك والثاني عليك، وعلي الإنسان أن يتعظ ويعمل حساب الغد ألف مرة خاصة إذا كان رئيساً فالله يمهل ولا يهمل. بالرغم من أنني كنت متحفظا وقلقاً من فوز د. محمد مرسي إلا انني كما قلت سابقاً احترم صندوق الانتخاب واحترم الشرعية.. ولا أملك إلا أن أهنئ د. محمد مرسي علي فوزه برئاسة مصر.. وبهذه النتيجة فإننا يجب أن نحترم قضاء مصر النزيه والشريف والذي يستحق منا كل الإشادة والاحترام. الرئيس محمد مرسي هو الرئيس الخامس بعد 60 عاماً من حكم العسكر وهو رئيس مدني منتخب حصل علي 230.13 مليون صوت بنسبة 73.51% من عدد الأصوات وحصل منافسه الفريق أحمد شفيق علي 347.12 مليون صوت بنسبة 27.48%.. من خلال انتخابات حرة نزيهة رغم بعض التجاوزات التي لم تؤثر علي العملية الانتخابية كما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات.. وكانت نسبة التصويت حوالي 51% أي أن 26 مليون مواطن أدلوا بأصواتهم من إجمالي عدد الناخبين الذي تجاوز 50 مليوناً.. أي أن النسبة الباقية من أصوات المصريين لم يصوتوا لمرسي أو لشفيق. يعتبر يوم 24 من يونية عام 2012 يوماً فارقاً في حياة المصريين يسجله التاريخ وخطوة نحو الديمقراطية الصحيحة.. وهو اليوم الذي أعلنت فيه اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فوز المرشح د. محمد مرسي برئاسة مصر.. وهذا الإعلان بعد خطبة طويلة ألقاها المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس لجنة الانتخابات.. وحاول في هذه الكلمة الطويلة أن يرد بها الاعتبار لجميع أعضاء لجنة الانتخابات التي نالها الكثير من الاتهامات والادعاءات خاصة من جماعة الإخوان المسلمين.. وأكد أن اللجنة لم تتعرض لأي ضغوط أو إغراءات من أي نوع وإنما احتكمت للقانون والعدل والوقائع والتحقيقات وأكد رئيس اللجنة أنها التزمت الحيدة والنزاهة رغم كل الشكوك والاتهامات التي حاولت النيل منها. بعد ذلك انتظر الجميع خطاب الرئيس الجديد د. محمد مرسي.. والمصريون تعودوا من الرؤساء السابقين أن يبدأوا خطابهم بكلمة "أيها الاخوة المواطنون" أو "الاخوة والأخوات" ولكنهم فوجئوا بالرئيس الجديد يبدأ خطابه بكلمة "أهلي وعشيرتي" وكأننا مجتمع قبلي يضم القبائل والعشائر وكانت بداية غريبة علي مسامع المواطن المصري.. عموما كان الخطاب حميميا أسريا ينقصه البعد السياسي.. يغلب علي لغته لغة الشارع الدارجة.. وكأن المتحدث يتحدث وسط أهله وناسه في المجلس والدوار.. تعرض لأغلب قضايا الوطن والمواطن.. ركز علي أنه رئيس لكل المصريين وهي لفتة موفقة وذكية.. تحدث عن شهداء الثورة وأنه لن يفرط في دماء الشهداء.. تكلم عن جميع المواطنين بداية من المدير وانتهاء بالمواطن البسيط الأرزقي حتي سواق التوك توك.. رغم أنه غفل أن يذكر الأطباء والمهندسين والمحامين والأدباء والصحفيين والفنانين. لقد سقطوا من خطاب الرئيس. حاول مرسي في خطابه أن ينزع الخوف والقلق من نفوس المسيحيين بأنه رئيس لكل المصريين مسلميه ومسيحيه واحترامه للمرأة وحقوق الإنسان وتعهداته بالمحافظة علي جميع الاتفاقيات والتعهدات الدولية. ساق حديثه بالاستشهاد بذكر آيات من القرآن الكريم في مواضع كثيرة من الخطاب وهذا شيء حميد ورائع يحسب له ويضفي علي الخطاب هيبة ووقارا كما أنه استخدم كلمات الخليفة الثاني أبوبكر الصديق عندما قال: "وليت عليكم ولست بخيركم واعينوني ما أقمت العدل والحق فيكم وإن عصيت فلا طاعة لي عليكم".