في إطار تهيأة الأجواء السياسية لانجاز مشروع المصالحة الفلسطينية، زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والمقيم في الدوحةالقاهرة سرا لمدة أربعة أيام لبحث تفاصيل اتفاق كان تتويجا لحوار خاص بين مصر ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسي أبو مرزوق المقيم في القاهرة، فخرج اتفاق معدل لاتفاق الدوحة يضع مجموعة من القيود علي الحكومة الجديدة التي نص الاتفاق علي تولي الرئيس عباس قيادتها، أهمها أن تكون مدة الحكومة ستة أشهر يعقبها تشكيل حكومة مشتركة برئيس وزراء جديد وتضمن الاتفاق المعدل تفاهما علي اسقاط بند أساسي في وثيقة المصالحة المصرية والذي ينص علي قيام الحكومة الجديدة بإعادة توحيد الأجهزة الأمنية في الجانبين، فقد تم الاتفاق بين الجانب المصري وحركة حماس علي تعديل اتفاق الدوحة الذي لم تنفذ بنوده منذ التوقيع عليه. وقد حقق الاتفاق الجديد الجاري الحوار علي تطبيقه مجموعة من المصالح للطرفين، فمن ناحية حركة حماس فإن الاتفاق الجديد يضمن لها الحفاظ علي مصالحها الأساسية في قطاع غزة المتمثلة في بقاء كتائب عز الدين القسام خارج أي ترتيبات، وبقاء سيطرتها علي الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وبقاء مؤسساتها الحكومية الحالية تدير الوزارات في القطاع تحت إشراف الوزراء الجدد من دون تغيير. كما حقق الاتفاق للحكومة مصلحة كبري تتمثل في نقل المسئولية المالية عن موظفي حكومتها البالغ عددهم نحو أربعين ألفا إلي حكومة رام الله، علما بأن الحكومة المقالة في القطاع تعاني من أزمة مالية، وتعتمد بدرجة كبيرة علي تمويل حماس التي تخطط والحال كذلك لتوظيف أموالها في الأنشطة الخاصة بالحركة، وفي الاستعداد إلي الانتخابات المقبلة التي ربما تتحقق بعد عام أو عامين. وحقق الاتفاق لحركة حماس أيضا مصلحة الخروج من الحكم المباشر ومن المسئولية المباشرة عن الخدمات في قطاع غزة مع بقاء سيطرتها الفعلية علي القطاع، الأمر الذي يشكل عنصرا أساسيا في نتائج أي انتخابات مقبلة، كما ضمن الاتفاق للحركة المشاركة في صنع الحكومة الجديدة، وأيضا الحكومة المقبلة بعد ستة أشهر، الأمر الذي يجعل العالم يتعايش تدريجيا مع قيام الحركة بدور أساسي في قيادة الفلسطينيين. وحقق الاتفاق للحركة الشروع في إجراءات الشراكة في منظمة التحرير عبر سلسلة إجراءات تتمثل في الانتخابات والتعيينات المقبلة للمجلس الوطني ومن بعده اللجنة التنفيذية للمنظمة. أما بالنسبة للرئيس عباس فقد حقق الاتفاق هدفا تاريخيا، وهو الشروع في إنهاء الانقسام وإعادة توحيد الفلسطينيين تحت قيادته خاصة أن الرئيس يتطلع إلي مكانته في التاريخ أكثر بكثير من مكانته في السلطة، وهناك من يري أن الرئيس عباس يتطلع إلي قيادة عمليات إنهاء الانقسام التي ربما تستغرق عامين أو أكثر ووضع الفلسطينيين علي سكة الوحدة عبر إجراء انتخابات عامة لا يشارك فيها بسبب السن أولا "يصبح في الثمانين" واليأس من وجود أي أمل بتحقيق هدف التوصل إلي اتفاق مع الإسرائيليين علي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. إن الحوار الأخير الذي جري برعاية مصرية بين الحركتين فتح وحماس علي تشكيل حكومة واحدة تدير الضفة الغربية وقطاع غزة كان ممكنا فقط بعد التوصل إلي معادلة تقوم علي "الكل رابح". غير أن ما يجري عكس ذلك فتشكيل الحكومة الجديدة لن يكون سوي بداية الطريق الطويل نحو المصالحة، وليس نهاية الانقسام الذي ربما يتكرس بصيغة شبيهة إلي حد كبير بالوضع في شمال العراق، حيث توجد حكومة مركزية مسئولة عن الخدمات في الاقليم المنقسم إلي مركزين للسلطة واحد يدير، حزب مسعود البرزاني في اربيل، والثاني يديره حزب جلال طالباني في السليمانية. وعلي الرغم من أن الاتفاق الجديد قد حقق إنجازات لكل من حركة حماس والرئيس عباس، غير أن هذا الاتفاق يواجه عقبات رئيسية تتمثل في تشكيل حكومة مقبولة من الأطراف المؤثرة في المعادلة الفلسطينية، مثل إسرائيل وأمريكا اللتين تشكلان شريان الحياة الرئيسي للسلطة، من خلال التحويلات الجمركية التي تسيطر عليها إسرائيل، وتبلغ قيمتها نحو 100 مليون دولار شهريا، والمساعدات المالية الأمريكية للسلطة الي تفوق نصف مليار دولار سنويا، منها 200 مليون دولار للموازنة مثلها للمشروعات ومثلها لأجهزة الأمن. أما العقبة الثانية فتتمثل في الانتخابات التي لا يظهر الطرفان أي حماسة لاجرائها قريبا، فيما تتمثل الثالثة في القدرة علي إعادة توحيد أجهزة أمنية ذات عقائد ومصالح أمنية متناقضة.