تحولت مصر الأسبوع الماضي إلي مقصد كل المسئولين الفلسطينيين المعنيين بملف الأسري لتنسيق المواقف والضغط علي إسرائيل بشأن حل أزمة اضراب المعتقلين في السجون الإسرائيلية وتلبية مطالبهم العادلة، خاصة وقد أقر يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن الداخلي "شاباك" الذي يرأس الجانب الإسرائيلي في المحادثات غير المباشرة التي أجرتها مصر مؤخرا بينه وبين وفد من حركة حماس بضرورة رفع الاجراءات التي ارتبطت بأسر جلعاد شاليط باعتبارها التزامات علي الحكومة الإسرائيلية. وقد رافق حالة الحراك السياسي التي شهدتها القاهرة وإسرئيل لحل أزمة المعتقلين الفلسطينيين حالة من خيبة الامل الشديدة في إسرائيل نظرا للضغوط الهائلة من الموقف الدولي المتبلور عالميا لمساندة قضية الأسري وذلك بعد انفاق عشرات ملايين الدولارات لتحسين صورة إسرائيل العالمية التي تبخرت في ظل تعاظم النقد الدولي لتل أبيب. ومع التوصل المفاجئ لاتفاق مع الأسري الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لإنهاء اضرابهم ضمن خطوات لبناء الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اعتمادها لاقناع السلطة باستئناف المفاوضات مع إسرائيل، فإن حالة الجدل في إسرائيل حول المنتصر والخاسر من اتفاق إنهاء اضراب الأسري مازالت قائمة واشارت فيها وسائل الاعلام إلي الضغوط الدولية والعربية علي إسرائيل للموافقة علي بعض مطالب الأسري لانهاء الاضراب، وتفادي اشتعال المنطقة في حال استشهاد أحد الأسري المضربين. وكان طبيعيا ألا يعجب هذا الاتفاق نوابا، في اليمين فوجه انتقادات شديدة علي ما اعتبره الخطأ الفادح في التفاهمات مع الأسري، واعتبر جهاز المخابرات العامة "شاباك" الذي ادار المفاوضات مع ممثلي الأسري أن الانجاز الأهم في الاتفاق يتمثل في توقيع الأسري علي التزام بعدم القيام بأية أنشطة إرهابية داخل السجون. تري بعض القيادات السياسية والاعلامية في إسرائيل أن انهاء الاضراب اسهم في أن تكون أنشطة الفلسطينيين في ذكري النكبة ضيقة النطاق وأقل عنفا، كما اسهم الاتفاق في تفكيك القنبلة الموقوتة بموت أحد الأسري المضربين عن الطعام، اذ إن سماح إسرائيل لذوي الأسري في قطاع غزة بزيارة أبنائهم هو خطوة أولي لتفكيك سياسة الفصل الإسرائيلية بين الضفة الغربية وقطاع غزة لقد تم التوقيع علي الاتفاق مساء الاثنين قبل الماضي مع مصلحة السجون الإسرائيلية وبين ممثلي الأسري في سجن عسقلان جنوب إسرائيل ووافقت فيه إسرائيل علي ثلاثة مطالب رئيسية للأسري هي إزالة العزل الانفرادي والسماح بزيارات عائلية للأسري من قطاع غزة أو إنهاء الايقاف الاداري من دون محاكمة، مقابل الامتناع عن المشاركة في أي عمل ارهابي من وجهة نظر إسرائيل أو عدم اعلان اضراب جديد عن الطعام. وبحسب القانون الإسرائيلي الموروث عن الانتداب البريطاني فبالإمكان وضع المشتبه فيه قيد الاعتقال الإداري من دون توجيه الاتهام له لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لفترة غير محددة. الاتفاق كما يراه جهاز المخابرات الاسرائيلية الشاباك سيمنع الأسري من أي عمل يدعم الارهاب بما في ذلك تجنيد أشخاص لذلك أو قيادتهم أو أي تمويل أو تنسيق أو مساعدة، وينطبق هذا التفاهم علي جميع السجناء الأمنيين من كل الفصائل، وفي كل السجون وسينطبق علي الأسري المستقبليين كذلك. فهل يستحق هذا التفاهم الذي وافقت عليه إسرائيل باعادة السجناء الموجودين في العزل الانفرادي إلي الزنازنين العادية والسماح لهم بزيارات أقارب الدرجة الأولي من قطاع غزة والضفة الغربية؟ هذا الاتفاق الذي ينطوي علي مكاسب وأيضا اخفاقات خاصة في ضوء انقسام يسود أجهزة الامن في شأن الاستجابة لمطالب الأسري وأعرب العديد من قادة الأجهزة الأمنية عن اعتقادهم بأن الاستجابة لتلك المطالب سيكلف الدولة العبرية غاليا إذ سيضع الفلسطينيون نمطا جديدا من التعامل مع إدارة السجون عبر فرض رؤيتهم وطريقة حياتهم عليها مستشعرين مدي الخطورة الأمنية من وراء التسليم بمطالبهم. غير أن ذلك لم يمنع بعض أوساط جهاز الامن الداخلي رفضه الاستجابة لمطالب الأسري مثل التعليم وزيارة معتقلي القطاع ويحذر من انفجار وشيك في الأوضاع علي حدود غزة وفي الضفة الغربية في ظل عدم قدره حكومة حماس والفصائل علي الصمود في وجه الضغوط الشعبية عليها للتحرك وفي ظل احتمالات وفاة أحد الأسري. لكن يبقي أن بنود الاتفاق وان كانت تلبي مطالب الأسري إلا أنها تقدم تنازلا في المقابل لاسرائيل كتسمية المقاومة إرهابيا؟!