قبل إن تشرق شمس ثورة 25 يناير لتبدد الظلام وتفضح الفساد وتعري كل من تاجر بوطن وشعب وتكشف القبح الكامن داخل النفوس.. كان رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات إلهية سواء نص عليها الدستور أو لم ينص فكان الاقتراب من الرئيس بالنقد أشبه بالسير علي اشواك ملغمة ان لم تنفجر فإنها علي الاقل تجرح وتدمي اقدام وقلوب الرافضين للاستبداد والاستعباد عبر التنكيل بهم بمنهجية قمع غليظة.. وإن كان البعض قد اخترق تلك المنطقة الملغومة ولم يكتف بانتقاد جسد النظام من حكومة وبرلمان وحزب وطني ووصل بانتقاده إلي رأس هذا النظام ممثلة في رئيس تم خلعه من كرسي الرئاسة إلي جناح بالمركز الطبي العالمي إلا أن هذا الانتقاد بقي أسير صفحات الصحف لا يتعداه ولم تنتقل عدواه إلي شاشة السينما المصرية التي كانت تكسر الكثير من الحواجز ونتنقد الجميع بلا استثناء بشرط ألا يقترب هذا الانتقاد من شخص رئيس الجمهورية.. كشفت السينما وفضحت وقامت بتعرية كثير من أشكال الفساد بل لمحت بشكل صريح لشخصيات تحظي بنفوذ غير عادي في النظام منتقدة إياها وساخرة منها وموجهة اتهامات لها إلا شخص الرئيس. في فيلم "طباخ الرئيس" مثلا الذي يعد أول فيلم يقترب من شخصية الرئيس الذي يحكم حاليا وليس سابقا بشكل قوي لم يكن إلا مجرد تأصيل لفكرة أن الرئيس منزه عن الخطأ وأن أي اخطاء تحدث حوله ناتجة عن الاشرار من الوزراء أو المسئولين لكن الرئيس منحاز لمعدومي الدخل يأكل مثلهم ويشرب مثلهم تخيلوا أن الفيلم أوصل للناس أن الرئيس من فرط بساطتة هو بشر مثلهم وليس طيفا أو منزلاً من السماء. قبله بسنوات كان فيلم "جواز بقرار جمهوري" وظهر فيه المخلوع مبارك في أخر لقطة من الفيلم بعد أن ققر النزول من برجه العاجي وحضور أحد فراح عامة الشعب من المطحونين. أو حتي في فيلم "معالي الوزير" في لحظة أداء اليمين الدستورية للوزارة أمام الرئيس وجاءوا وقتها بدوبلير يشبه مبارك ليظهر في تلك اللقطة وأيضا فيلم "التجربة الدنماركية" عندما قام الوزراء بأداء القسم أمام رئيس الجمهورية. والكثير والكثير من الحالات لن نقول أن من بينها فيلم "ظاظا" لأن الرقابة اشترطت ألا يتناول الفيلم أي حدث يشير إلي أن هذه الاحداث تقع في مصر ولهذا قدم فيلم فوتوشوب عن رئيس مصر الكل يعلم أن الاحداث مصرية بحتة والفساد مصري صرف ومع ذلك الرقابة لم تمنح الفيلم الموافقة إلا بعد ذكر أن احداث الفيلم لا تدور في مصر. وهكذا استمرت التحايلات والألاعيب بين الرقابة وبين المبدعين قبل الثورة لكي تمر اعمالهم ودائما ما كنت تجد في عدد من الأفلام التي تعري الفساد وتقتحم كل المناطق الشائكة ترضية للنظام بعمل زووم علي صورة معلقة للمخلوع مبارك عندما يصدر قرار بمحاكمة الفاسدين في إشارة رخيصة إلي أن الرئيس لايقبل بالفساد ليخرج جمهور السينما هادئا مطمئنا ناسيا جرعة الفساد الدامية التي شاهدها عبر الشاشة. لكن الآن وبعد قيام الثورة وسقوط النظام حتي لو سقط بشكل افتراضي أو تخيلي إلا أن حاجز الخوف الذي انكسر ومع تطور وسائل الاتصال وتوجيه الانتقاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وعدم الصمت أو تقديس أي مسئول وبعد أن أصبح الهتاف الاهم "احنا الشعب الخط الأحمر" قد تختلف المعايير ويتحرر الابداع السينمائي بالتبعية ويصبح انتقاد رئيس الجمهورية خلال فترة رئاسته أمرا طبيعيا وليس ضربا من الجنون خاصة وأن أغلب مرشحي الرئاسة الحاليين والذين يفترض أن يتم انتخاب رئيس من بينهم لم يسلموا من حملات اللوم والانتقاد والهجوم، وبالتالي أصبح لزاما علي صناع الابداع الا يتخلفوا عن الركب ويتعاملوا بمنطق التحسيس علي الرئيس فطالما وجد ما يستحق الانتقاد فليكن النقد والسخرية من الرئيس خلال فترة توليه وليس انتقاده بعد أن يصبح رئيساً سابقاً مثلما حدث في أفلام كثيرة لم تكن تجرؤ لانتقاد الزعيم جمال عبدالناصر خلال حياته ومن بعده السادات أيضا لكن الانتقاد لناصر وللسادات حدث في أفلام بعد وفاتهما وهو ماتشهده السينما مع مبارك والفارق أن مبارك تم انتقاده ليس بعد وفاته ولكن بعد خلعه. فهل تتحرر السينما وينكسر الروتين الرقابي وتخطو السينما المصرية علي خطي السينما الأمريكية في انتقاد شخص رئيس الجمهورية أم أن السينما مازالت بحاجة لثورات عدة حتي تستقيم سلوكياتها لتسلك درب الثورة.